قضية رأي عام .. إلى متى يستمر عزاء النساء
بقلم: أمل محي الدين الكردي
المرأة هي إحدى المكرمات في الكتب السماوية، ولكن في الأونة الأخيرة تعرضت المرأة الى أشكال شتى من الاضطهاد والتعنيف.. وهو سلوك غير حضاري يثمثل بتعريضها للضرب والاهانة والتحرش والإستغلال وسلب للكرامة والحرية بما فيها حرية الإختيار بعيدا عن المساءلة، فضلا عن تعرضها لجرائم الكراهية والتمييز والعنف النفسي الذي في بعض الأحيان يؤدي بها إلى الانتحار أو إلى مصير أخر مؤلم وبائس في أوساط مجتمعاتها.
نتحدث دائماً عن العامل الرئيسي المرتبط بحياة النساء وهو الوضع الاقتصادي، إلا أننا قل ما نتناول الاسباب النفسية والفطرية التي أثرت وتؤثر على العلاقة بين المرأة والرجل، إلى جانب الاسباب الشخصية الأخرى الناجمة عن الضعف الشخصي للمرأة والذي يجعلها غير سوية وتخضع لأشكال شتى من أنواع العنف، بل وتدفعها في كثير من الأحيان للتخلي عن حقوقها المادية والقانونية والشخصية الأساسية.
وبالتالي نجد أنفسنا أمام العديد من الحالات الصعبة والمعقدة الناجمة عن إستشراء العنف والجريمة ضد المرأة، مما يترك آثاره النفسية والصحية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية، ليس فقط على المرأة فحسب وإنما أيضا على أسرتها ومحيطها بالمجتمع، وهو ما يتطلب من الهيئات الحكومة والتشريعية، تحمل مسؤولياتها في إعادة دراسة وتقييم ومعالجة التغرات في نصوص القانون الوضعي الخاص بالمرأة والإجراءات المتبعة ذات الصلة، والتي تتيح الفرص العبثية للبعض لإستغلال وتعنيف المرأة طالما لن تكون هناك مساءلة.. لقد حان الوقت لجعل هذا القانون كفيل بالمساءلة وفرض العقاب دون إستثناء، وبما يتناسب مع الحياة العصرية الجديدة التي تكفل كامل الحقوق الأساسية للمرأة في مجتمعاتها.
توجد هناك سلسلة انتهاكات مريعة بحقوق النساء، إلا أن مجتمعاتنا العربية هي الاكثر من حيث إرتكاب مثل هذه الإنتهاكات، وذلك لإنعدام نصوص قانونية واضحة وشاملة ومشددة، تتناول بعدالة مطلقة مشاكل الاغتصاب والترويع النفسي والجسدي، هذا إلى جانب العنف اللفظي والمعنوي والذي يعد من أشد انواع العنف وأقلها إدراكاً لدى النساء أنفسهن بأنه عنف حقيقي وسيء وخطير وله آثار جانبية وهو تحقير وتقليل من شأن المرأة وأضعاف ثقتها بنفسها وهذا يتم عن ضعف وخبث شديد من الرجل الذي يستخدمها كطريقة لأذعان المرأة .
وبنفس السياق علينا أن نتعرف جميعاً أن التحكم بقرارات المرأة عنف وإملاء خيارات معينة والتدخل بها وممارسة الارهاب الذهني والفكري عليها عنف والتحرش والابتزاز العاطفي وهو موضة العصر .
نحن لسنا بحاجة الى قصص وحكايا تُروي، كحكاية الاخوات ميرابال والتي أصبحت رمزاً لقضية العنف ضد النساء . نحن بحاجة الى قوانين نافذة ومحسنة ولسنا بحاجة الى نصوص مطاطية للتفسر حسب اشخاص لهم مآرب فكرية .
نحتاج اليوم الى ثورة مجتمعية أخلاقية تتعزز فيها أحكام القوانين الكفيلة بحماية المرأة التي تمثل مجتمع بأكمله، وتدير أسرة وتنشئها على هذه الارض، لا بد من تعريفها بحقوقها القانونية والاجتماعية التي تحميها وتقويها، وخاصة في وقت كالذي نعيشه اليوم، حيث تتعرض فيه المرأة لكم هائل من الضغوطات والمسؤوليات والإجحاف لحقوقها، من دون ادراك منها لما تتعرض له من أفعال عادة ما تندرج في المجتمعات التقليدية تحت بنود الحياة الطبيعية، وهي في حقيقتها عنف سيء، وبالتالي من حق المرأة المعنفة ان تقول “لا” وبصوت عال دون خوف او تردد، ليأخذ الجاني عليها الجزاء العادل مقابل ما اقترفه من جناية.
واليوم وأكثر من أي وقت مضى، علينا أن نحث العشيرة على توفير الحماية للنساء، كعُرف عشائري وديني، وبما يكفل إطار دائم لكرامة النساء في مجتمعاتها، كما يجب على مؤسساتنا القانونية، إعادة النظر بتشريعاتها وإجراءاتها لتضمن التعامل مع قضايا المرأة كقضايا إنسانية محقة، من دون سلطة او واسطة او محسوبية، علينا أن ننظر للقضيتها بشفافية، وللنستقص الحقيقة من رأس النبع وان نكون عادلين في الارض كبشر ومنصفين.
إن الإستغلال الجسدي والشخصي والإقتصادي للمرأة والذي يزداد يوماً بعد يوم في مجتمعاتنا، سيترك تأثيراته السلبية على حياة أجيالنا القادم برمتها إذا لم نتحرك اليوم، فأمام قضايا جديدة تحت مسمى (الوعد بالشيء من أجل الشيء)، يجب أن تكون هناك قوانين مشدة بنصوصها وأحكامها وجزاءاتها حتى لا يستهان بالنساء بعد اليوم.
بعد اشهر قليلة سنكون على ابواب عام 2023م، وحسب المعطيات التي نعيشها سنكون على موعد مع قضايا رأي عام أخرى تحكي مشاهد لقصص جديدة لنساء معنفات لا حول لهن ولا قوة، وسنتناول هذه القضايا كعادتنا في فضاء الإعلام، ولكن ما ينقصنا الاحكام الرادعة التي تكفل العدالة وتمنع إنتهاك أي من حقوق المراة في الحياة الكريمة بعيدا عن أي ترهيب أو تعنيف أو إعتداء.. والسؤال الذي يُطرح أمامي هل المرأة الاردنية ستحارب العنف والاضطهاد والتحرش والاستغلال دون خوف؟.
أمل محي الدين الكردي
[email protected]