تطبيع عربي تركي مع إسرائيل لتقاسم النفوذ والسيطرة ام لتقاسم الرضا؟
بقلم: خالد الشيباني

في أغسطس من العام 2020 هدد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بسحب سفير تركيا من العاصمة الإماراتية أبو ظبي احتجاجا على ما اسمها اتفاق تطبيع علاقاتها مع “إسرائيل” وظهر أردوغان عقب هذا التصريح بطلا قوميا إسلاميا خالدا.

حظي تصريح أردوغان بجدل واسع آنذاك في مواقع التواصل الاجتماعي باعتباره زعيما ثوريا إسلاميا خالدا، ورغم حدة التصريحات التي أطلقها أردوغان بسحب سفيره من الإمارات ، منتقدا بشدة ما قامت به الإمارات بتوقيع اتفاقية السلام الإبراهيمي الذي رعته الولايات المتحدة الأمريكية معتبرا أن لا حق للإمارات في الوصاية على الشعب الفلسطيني .

لم يجف هذا التصريح بشكل كامل من الصحف بعد، ولم تختفي الضجة الكبيرة التي رافقته باعتبار أردوغان الزعيم الإسلامي الخالد حتى أعلنت تركيا في أغسطس من العام 2022 أن تركيا قررت تبادل السفراء بينها وإسرائيل فيما أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد أن إسرائيل وتركيا قررتا استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة.

يبرر الكاتب الصحفي احمد الحسين المقيم في تركيا ما قام به الرئيس التركي بأن أردوغان أدرك أن هناك تغيرات جيوسياسية تقودها “إسرائيل” برعاية أمريكية في منطقة الشرق الأوسط أبرزها الاتفاق الإبراهيمي والبدء بالعمل إسرائيليا على تحويل تلك الإتفاقات إلى حلف عسكري في المنطقة ما يعزز المعسكر المعادي لتركيا على المستوى السياسي ويزيد من عزلتها، وخاصة أن العلاقة الأميركية التركية في عهد الرئيس جو بايدن حملت خلال الأشهر الماضية الكثير من السلبيات تجاه شخص أردوغان حد قوله.

مشيرا إلى  أن هناك ” ازدياد للمخاوف التركية من تشكل حلف الغاز الذي يضم اليونان وقبرص ومصر و”إسرائيل”، والذي يؤسس لمشاريع كبرى لنقل غاز شرق المتوسط إلى أوروبا  الأمر الذي يؤثر سلبا على اقتصاديات الطاقة التركية بشكل كبير، والأهم على دور تركيا كممر لنقل الطاقة إلى أوروبا وهذا أبرز الأسباب التي دفعت تركيا لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل”.

موضحا أن تركيا وإسرائيل سيستفيدان من تطوير التعاون في العديد من المجالات مثل التجارة وتبادل المعلومات الإستخباراتية والتعاون في مجال الطاقة والدفاع معتبرا أن البلدين تركيا وإسرائيل نجحا في استمرار تبادلهما التجاري ، حيث زادت معدلات التجارة بين إسرائيل وتركيا لتبلغ 6 مليار دولار وفقا لغرفة التجارة الإسرائيلية .

وتحرك تركيا مسألتين الأولى الظرف الزمني ومستلزمات هذا الظرف هو مصالح تسعى إلى تحقيقها وفقا ” للجزائري ”  وكان الإسلام المتطرف في الفترة السابقة تتناغم مع ما كانت تحاول تركيا تصديره من أفكار ورؤيا تؤثر بشكل وبأخر على التحركات التركية ، أما الثانية فهي أن لعبة الدمينو الإسلامية ودعم بعض الحركات الإسلامية الأصولية وصلت إلى نهايات شبه مسدودة وعليه يجب أن تبدأ لعبة جديدة حجر الزاوية فيها إسرائيل، وإسرائيل ليس لديها كوابح بالضد مما تريد تركيا بالعكس فربما يكون الأمر له مدلولات إستراتيجية جديدة وحيدة لإسرائيل باتجاه العمل وفق إستراتيجية شد الأطراف التي تبرع بها إسرائيل كثيرا.

ويبدو أن التطبيع الكامل يراد منه نفوذ إسرائيل لدى الإدارة الأمريكية لأجل إزالة العداء لتركيا في الكونغرس بحسب “الحسين”.ويرى أحمد بأنه قد تحدث تطورات في إسرائيل بإعادة نتنياهو للسلطة قد يعد العلاقات بين البلدين إلى المربع الأول .

زيادة سرعة قطار التطبيع ودخول دول لم تكن في الحسبان

لم يقتصر التطبيع مع إسرائيل على دول مثل دول الطوق التي تحد إسرائيل بل تطور الأمر إلى سعي دول عربية أخرى وجهات سياسية نافذة في عدد من البلدان العربية إلى التطبيع التجاري وطلب التطبيع السياسي العسكري الكامل من خلال عدد من المطالب الغامضة التي لم يكشف عنها حتى اللحظة.

ومنذ أن كشفت مجلة ” ألجيري بارت بلوس” المختصة في الشؤون الجزائرية عن علاقات تجارية بين إسرائيل والجزائر تمثل في مجال الغاز والبترول إلا أن الحكومة الجزائرية تقوم بالنفي بطرق مختلفة عبر الإعلام، وفي الوقت الذي تقوم بها شركة النفط والغاز الجزائرية الوطنية “سوناطراك” بتصدير ما لا يقل عن 50 ألف طن من غاز  البترول المسال (جي بي إل) إلى إسرائيل نجد أن النفي العلني يتربع على وسائل الإعلام  الجزائرية يكتب بالحبر السري.

في العام 2018 أثارت قضية استيراد شركة الكهرباء والغاز الجزائرية “سونلغاز” معدات مصنعة في إسرائيل جدلا كبيرا في الجزائر اعتبره مصطفى قيطوني وزير الطاقة الجزائري  آنذاك بأنه مجرد خطأ وقال بأنه وبعد اكتشافها تم إعادتها واستبدالها في نفس الشهر وتم رفع قضية ضد الشركة الفرنسية – الأمريكية  “سيجيلاك جنرال إلكتريك” المزودة بتلك المعدات.

وأثناء مساءلة الوزير في البرلمان الجزائري قال لخضر بن خلاف النائب عن الاتحاد “من أجل النهضة والعدالة والبناء” بأن المعدات ثقيلة وأنها ليست هي المرة الأولى، بل المرة الرابعة، التي يتم فيها اكتشاف معدات مكتوب عليها بوضوح “صنع في إسرائيل” وبعضها تم تركيبها في محطات، عند الشركة الجزائرية لإنتاج الكهرباء والغاز، وهي فرع من مجمع “سونلغاز.في ذات الوقت نفى الوزير أن تكون معدات وإنما كانت عبارة عن صمامات فقط وليس معدات ثقيلة.

في ذات السياق أشارت المجلة ” ألجيري بارت بلوس” أن العملية التجارية بين الجزائر وإسرائيل، تمت عبر وسيط رئيسي في سوق الهيدروكربونات العالمي، يدعى “فيتول”، ينقل البترول المسال من ميناء وهران إلى عسقلان الإسرائيلية، وقال إن “الشركة الجزائرية للنفط” باعت عدة شحنات من غاز البترول المسال إلى “فيتول” الذي نقل عبر سفن مستأجرة إلى إسرائيل للشركة الإسرائيلية عبر أنابيب عسقلان إيلات، حيث استقبل ميناء أشكلون الإسرائيلي، طوال عام 2021 العديد من القوارب والسفن التي تحمل غاز البترول المسال الجزائري.

ولتفادي إثارة الشكوك في الجزائر، يقول تقرير المجلة الجزائرية، ” كانت “سوناطراك” وفيتول تعمل على أن تغادر السفن ميناء “أرزيو” بولاية وهران ثم تتوقف في البحر الأبيض المتوسط ، غالبا على مستوى السواحل اليونانية، قبل أن تغير اتجاهها بعد ذلك إلى عسقلان في إسرائيل .ودعا عدد من المسئولين في شركة سوناطراك، إلى “إعادة النظر في العقد المبرم مع الوسيط فيتول، حيث لفتوا انتباه إدارة تسويق الشركة إلى الوجهة النهائية والمثيرة للجدل لصادرات غاز البترول المسال الجزائري، خاصة وأن “سوناطراك” كانت قد ألغت في الماضي عقودًا مع وسطاء أعادوا بيع النفط والغاز الجزائري إلى تايوان، حتى تحافظ الجزائر على علاقاتها مع الصين.

وأكد  الباحث في الجامعة العبرية الدكتور ايدي كوهين بأن الجزائر لديها علاقات تجارية مع الجزائر عبر شركة فرنسية للتمويه مقرها  في باريس في مجال الغاز.

وبالرغم من أن قيمة الصادرات الجزائرية نحو إسرائيل تبقى ضعيفة، وفق تقارير مختصة، مقارنة بالعلاقات التجارية بين إسرائيل وعدد من البلدان العربية، إلا أنها تُفند ادعاءات الطبقة الحاكمة في الجزائر التي تتحدث عن قطيعة تامة مع إسرائيل.

وكانت الصادرات الجزائرية نحو إسرائيل، قد عرفت خلال سنة 2020 ارتفاعا بلغت قيمته أكثر من 5 ملايين دولار، مقارنة بسنة 2019، وبأكثر من 7 ملايين دولار مقارنة بسنة 2018، وفق إحصائيات شبكة “Trademap” العالمية.

ورغم أن عمر التطبيع مع إسرائيل بدأ خلال اتفاقية كامب ديفيد في السبعينات مع مصر إلا أن الأمر الآن تجاوز الدول المعنية بالتطبيع وهي الدول التي تمتلك حدودا مشتركة مع إسرائيل والتي تحتفظ باتفاقيات سلام طويلة مع إسرائيل مثل مصر والأردن.

“باحث اسرائيلي من قام بعملية السلام .. ترامب ونتنياهو وبايدين لا يعتبرون التطبيع أولوية”

ويؤكد الباحث في الجامعة العبرية “كوهين ” بأن عملية السلام (التطبيع) لم ينتهي بدولة الإمارات أو غيرها بل أن القطار يشمل عدد من الدول بمن فيها السودان ويرجع الفضل حسب قوله لـ نتنياهو وترامب  فهما السبب الرئيسي في إقامة علاقات التطبيع والسلام مع الدول مثل الإمارات والبحرين وغيرها من الدول،  مشيرا إلى أن بايدن لا يهمه عملية السلام ” فجاء ولديه مشاكل في أفغانستان وحاليا في روسيا وأوكرانيا وآخر همه هو هذا الأمر حاليا ، وأوضح  بأن عدد من الدول الأفريقية في طريقها إلى التطبيع وهناك علاقات مع سلطنة عمان ومع السعودية هناك علاقة من خلف الكواليس هذا شيء مؤكد حسب قوله ويضيف : ” هناك دول في أسيا مثل اندونيسيا وهناك دول أخرى أيضا لكن الوقت غير مناسب للتحدث عنها الآن “.

واعتبر الدكتور محمد الجزائري الباحث والمحلل السياسي والاستراتيجي من البصرة بأن التطبيع لن يتوقف بل سيستمر لاختلاف تباينات الشعوب وتراجع الإسلام السياسي وحتى الإسلام المجتمعي مشيرا إلى  أن إسرائيل تطمح للتطبيع من اجل  اختزال المشاكل وكذلك لغرض أن يعم السلم في الإقليم.

“حل الدولتين حل ذكي.. لكن الفلسطينيين سيصدروا الكثير من المشاكل تحت مبرر المؤامرات الإسرائيلية والفساد الإداري سيكون هو المتصدر”

وأضاف  : ” إسرائيل  منذ أكثر من سبعين سنه ونصف لم يكن التطبيع متاح ومع ذلك ازدهرت إسرائيل وانتصرت عسكريا وتقدمت في النواحي العلمية وتماسكت إلى حد ما اجتماعيا” مشيرا إلى أنه يجب التعامل وفق المعلن فهناك رغبة شعبية وجماهيرية مثقفة ليست منقسمة حول التطبيع بل أنها تعتبر ضمن الأولويات، واعتبر “الجزائري” حل الدولتين الذي أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي ذكيا لكنه لا يكون مجديا لأن الفلسطينيين سيستمرون بأمرين أولهما الفشل والفساد الإداري والأمر الآخر تصدير مشاكل بدعوة المؤامرات الإسرائيلية وهذا الأمر لن يفيد إسرائيل بطبيعة الحال.

وما بين التطبيع والسلام مع إسرائيل سجال كبير بين كثير من الجهات العربية فمنهم من يعتبر أن التطبيع هو لأجل الحفاظ على العلاقات المشتركة وفتح علاقات إستراتيجية مع الدولة العبرية ويجب أن تكون علنا فيما يرى البعض الآخر بأن تلك العلاقة يجب أن تكون سرية ولو مؤقتا .

يشير “الجزائري” بأن هناك سببين لبحث الدول عن التطبيع والسلام مع إسرائيل الأول يختص بالدول الفاشلة والتي تحاول أن تجد في إسرائيل فرصه لتحقيق مكاسب معينة وأوضح بأن  أغلب تلك الدول وهمية مشيرا إلى أن إسرائيل هي ليست مصباح سحري لتحقيق الأماني وإنما هي دولة أي إسرائيل تسعى لتحقيق مكاسب آنية ومستقبلية وعلى مستوى المستوى الإقليمي سواء فيما يخص أمنها القومي وتحسين وضعها الاقتصادي وهذه الفترة أو الحقبة هي مرحلة الحصاد بعد فترة طويلة زرع الآمال والجهود المبذولة من قبل إسرائيل.ويشير “الجزائري” إلى السبب الثاني بقوله “الدول الغنية نسبيا مثل السعودية وبقية دول الخليج، وهذه الدول تذهب للتطبيع مع إسرائيل لأسباب أمنيه وكذلك لتأمين نفوذها في الإقليم وهذا الأمر لا يتم إلا بمجابهة إيران وليس لدول الخليج أي قدرات فقط إمكانات وهذه الإمكانات بدون إسرائيل تصبح كأنها جسد بلا روح.

في ذات السياق كشفت مصادر إسرائيلية عربية بأن هناك مسئولين يمنيين ورجال أعمال نافذين يسعون لفتح علاقات إستراتيجية طويلة الأمد مع جهات صهيونية إسرائيلية عبر وسطاء في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا .

وكشفت المصادر التي- رفضت الكشف عن هويتها- بأن التواصل جاء لوضع علاقات إستراتيجية لم يتم الإفصاح عنها بشكل علني على الرغبة في التطبيع ولكن تهدف تلك الجهات إلى دعم إسرائيلي أمريكي لأن تكون إحدى الشخصيات السياسية النافذة ورجل أعمال معروف  خليفة الرئيس السابق عبده ربه منصور هادي.

وأشارت المصادر بأن التواصل تم مع شخصية يهودية نافذة في الولايات المتحدة وتحدد ترتيب موعد للقاء بعد تواصل لأشهر كان لغرض الاتفاق لاستثمارات كبيرة بين الجانبين وبدعم سياسي وإقليمي كبير للرجل غير أن تلك المساعي تم إيقافها مؤقتا  .

ورفض مسؤول يمني رفيع المستوى الحديث عن الموضوع قطعا باعتبار أن الجهة التي تتحدث معه تحمل اسما يهوديا وبأن الحديث والتواصل مع جهات لها علاقة ( بالعدو الصهيوني ) حد قوله ممنوع. مشيرا إلى أن هناك توجيهات عامة “لديه بعدم التواصل مع جهات لديها ارتباطات مع “الصهاينة” حد قوله، واقترح المسؤول اليمني التواصل مع رئيس المجلس الرئاسي بشكل مباشر.

ويبدو أن معاداة إسرائيل والتطبيع معها  أصبح ورقة يتم من خلالها تجييش بعض السياسيين للعامة من الناس أو إحراز نقاط سياسية لأغراض سياسية داخلية أو خارجية أو ابتزاز،  ورغم أن الكثير يرغب في تقاسم النفوذ والدخول بعلاقات ولو سرية مع إسرائيل إلا أن ذلك لا يزال من تحت الطاولة.

الصحفي اليمني أنيس منصور وهو رئيس مركز أبحاث يعتبر أن ظهور الحكومة اليمنية بشكل علني للتطبيع قد يكون له نتائج عكسية في الوقت الراهن، وسوف يستغل الحوثي ذلك في تجييش الناس ضد الحكومة والمجلس الرئاسي ، مشيرا إلى أن حديث التطبيع حاليا قد يصب بشكل كامل لجماعة الحوثي .

وأضاف : ” لا اعتقد بأن التطبيع مع إسرائيل في الوقت الراهن سيتم، فهناك أولوية الحرب والسلام في اليمن ، ولا اعتقد بأن الحوثي قد يكون لديه علاقات سرية مع جهات إسرائيلية أو صهيونية”. مشيرا إلى أن التطبيع بواسطة عضو مجلس القيادة الرئاسي قائد ألوية الجمهورية طارق محمد عبد الله صالح والانتقالي قد يكون ممكنا، لكن الإعلان عنه سيواجه صراعا مجتمعيا من قبل القوى الدينية المختلفة موضحا بأن توقيت التطبيع حاليا صعبا خصوصا وان اليمن يمر بحرب والبلد غير مستقرة.

———————-

# الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية للنشرة الدولية

زر الذهاب إلى الأعلى