بين رأسيّ الدولة والكنيسة توتر تاريخي.. تعززه الورقة البيضاء
بقلم: دنيز عطالله

النشرة الدولية –

المدن –

إلى متى يمكن أن يطيل “التيار الوطني الحر” أمد الفراغ في الرئاسة الأولى؟

بصيغة أخرى، إلى متى يمكن أن يواصل تحمل تداعيات الانتخاب بالورقة البيضاء؟

في عيون خصومه، من أبقى الشغور في المنصب الأول لسنتين ونصف السنة قبل انتخاب ميشال عون رئيساً، من عطلّ تشكيل الحكومة “كرمى لعيون الصهر”، من أمضى 43.3 بالمئة من أيام عهده في ظل حكومات تصريف أعمال، لن يجد حرجاً في ترك البلاد من دون رئيس إلى أجلٍ غير مسمى لتحقيق ما يريد.

بين رأسيّ الدولة والكنيسة توتر تاريخي.. تعززه الورقة البيضاء

بالتالي، وعلى ما هو مرجح، فإن عون، كما تسلّم من فراغ سيسلم قصر بعبدا للفراغ.

مرشح مقابل معوّض

يؤكد النائب آلان عون لـ”المدن” أن “الورقة البيضاء لن تكون خيارنا لأمد طويل. نعرف أنها غير مستحبة عند الرأي العام، وإننا نسعى إلى البحث عن مخرج ابتداء من الأسبوع المقبل، وهدفنا انتخاب رئيس”.

لا يرى إمكانية لأي خرق قبل موعد الجلسة المقبلة يوم الاثنين 24 تشرين الأول، “لذا سنصّوت من جديد بورقة بيضاء. وكل الأفكار موضوعة على طاولة البحث، بما فيها ترشيح إسم وازن وجديّ في السياق الديموقراطي”.

*أي مرشح من فريقكم مقابل ترشيح ميشال معوض؟

يجيب “لما لا؟ وقد يشكل ذلك انطلاقة للتفاوض مع الآخرين”.

بكركي أشّد المعترضين على عرقلة انتخاب رئيس. لا تستسيغ الورقة البيضاء وتستفزها فكرة مقاطعة جلسات الانتخاب. يقلقها الفراغ في سدّة الرئاسة وتضعه في إطار أوسع من “استهداف الدور المسيحي والمواقع المسيحية، وصولاً إلى تهميش الحضور وضرب فكرة لبنان والعيش المشترك فيه، الذي يشكل تحديّاً لكثير من الطروحات المتشّددة في المنطقة”.

نسأل النائب عون عن التواصل مع بكركي، وهم يعرفون تحفظها، يجيب بعدم معرفته أن كان هناك تواصل لشرح وجهة نظر التيار من هذه النقطة تحديداً.

بين رأس الدولة ورأس الكنيسة

على رغم “تحفظ” بكركي على أداء “التيار”، فإن البطريرك بشارة الراعي الذي حرص طيلة فترة ولاية رئيس الجمهورية على تكريس فكرة التوافق بين رأس الدولة ورأس الكنيسة لن يغيّر في هذه الصورة حتى انتهاء العهد.

لا يعني ذلك، موافقة بكركي على الكثير من قرارات عون وخيارات التيار وسلوكياته؛ لكن الراعي أراد أن يكسر صورة راسخة عن عدم توافق تاريخي بين شاغلّي قصر بعبدا وبكركي، خصوصاً أن المرحلة “خطيرة”.

فطالما كانت العلاقة بين الموقعين المارونيين تخضع لتجاذبات وشدّ حبال، لاختلاف الأدوار حكماً، ولكن أيضاً لاختلاف “المبادئ” التي تحكم العمل الوطني والسياسي من منظار الفريقين.

تبدأ الحكاية مع بطريرك الاستقلال الأول الياس الحويك. فكما “انتزع” لبنان الـ10452 كلم مربع، استطاع أن ينتزع من الفرنسيين وعداً بأن يخلف أول رئيس للجمهورية الأرثوذكسي شارل دباس، رئيس ماروني.

بالتالي، جنّبت الوقائع “المواجهة” بين الحويك وأي رئيس ماروني. أما ما تلا، فتكتب عنه مجلدات في الخلاف على التفاصيل كما على المواقف المفصلية.

دعوة البطريرك لاستقالة الرئيس

خلف الحويك على كرسي انطاكيا وسائر المشرق البطريرك أنطوان عريضة. عرفت العلاقة بين عريضة ورئيس الجمهورية يومها بشارة الخوري مدّاً وجزراً، تخللها اتهام عريضة للخوري بالتشكي عليه إلى الفاتيكان التي عيّنت، في سابقة في الكنيسة المارونية، لجنة من أربع أساقفة تحل محل البطريرك في تسيير الأمور الإدارية للكنيسة. انتهت العلاقة بين الرجلين إلى مشاركة البطريرك المعارضة بالدعوة إلى استقالة الرئيس.

لاحقاً، مع انتخاب كميل شمعون أوفد عريضة المونسنيور اغناطيوس كيروز للقاء الرئيس محمّلاً إياه عبارة وحيدة:”سيدنا يوصيك بلبنان”، في غمز واضح من تخوفه من مواقف “فتى العروبة الأغر”.

لكن المواجهة الأقسى كانت بين شمعون وخلف عريضة، البطريرك بولس المعوشي. فانحاز رأس الكنيسة إلى معارضي الرئيس في ثورة 1958 وشرّع -من باب الانفتاح، لحسني النوايا، ومن باب النكاية المؤكدة- صالون بكركي ليصلي فيه الشيوخ المسلمين، وقد كانوا في ضيافته حين آن وقت الصلاة.

أما التوتر في العلاقة بين المعوشي والرئيس فؤاد شهاب لاحقاً، فقد وصلت إلى حدّ رفض البطريرك ترؤس جنازة الأخير لولا نصائح متعددة المصادر عن عدم جواز خلق وتكريس مثل هذا التقليد.

قد يكون البطريرك انطونيوس خريش أكثر البطاركة مهادنة وانسحاباً من التأثير في الحياة السياسية وفي العلاقة مع رئاسة الجمهورية. كان متلقياً ومسلّماً أكثر منه فاعلاً، سواء بالعلاقة مع الرئيس الياس سركيس أو لاحقاً مع الرئيس أمين الجميّل.

صفير للحود: استقلْ

تجربة البطريرك نصرالله صفير مع رؤساء الجمهورية لا تختلف بخلاصتها مع تجارب من سبقوه. لكن الظروف حمّلته ما لم يحمله أي بطريرك سابق. صار بالنسبة إلى كثيرين “رئيس الوجدان اللبناني”، بعد أن أتت الوصاية السورية برؤساء موالين لها، على حساب فكرة لبنان وحريته وسيادته كما يراها صفير.

طلب من الرئيس إميل لحود مرارا في بيانات وتصاريح، بطريقة ملطفة أن يستقيل. وقالها له مواجهة في قداس الميلاد 2005 في بكركي “يبقى فخامة الرئيس الحكم ليرى إذا كان بقاؤه أو اعتزاله يفيد البلد أو يسيء إلى مصالحه”.

 

ولما يئس من تجاوبه، أوفد المطران رولان أبوجودة مع رسالة مكتوبة واضحة يطلب منه فيها أن يستقيل، وهو ما رفضه لحود طبعاً.

لكن صفير لم يوافق مطلقاً على إسقاط الرئيس في الشارع، كي لا يسجل ذلك سابقة.

اليوم، يريد البطريرك الراعي أن تنقضي أيام الرئيس الأخيرة في بعبدا بأقل الأضرار الممكنة في العلاقة. ملاحظاته كثيرة، لكنه منذ فترة متوجس ومهجوس بضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية. يقول رأيه في الغرف المغلقة وهو “لن يتردد في زيارة الرئيس إن دعت الحاجة إلى ذلك لتسهيل الأمور”.

أما الورقة البيضاء، أما عدم انتخاب رئيس، فيكاد يقارب الحرم لديه.

زر الذهاب إلى الأعلى