«ذو الفقار» حفر اسمه في تاريخ الصحافة
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
خصصت مساحة لا بأس بها عن الراحل والزميل الأستاذ ذو الفقار قبيسي في كتابي القادم «رحلتي مع الصحافة… 57 عاماً بين بيروت والكويت»، فقد عدت إليه بعد خبر رحيله عن هذه الدنيا الأسبوع الماضي، وهو غياب لا يتوقف، نفقد أبناء جيل من المؤسسين واحداً تلو الآخر، نتحسر عليهم بعد أن بتنا نتفقد بعضنا بعضا، ونسأل من الباقي على قيد الحياة، ومنهم الصديق أحمد البوز وهو واحد من الذين عاصروه والكثير من جيل الستينيات والسبعينيات وهم الآن موزعون بين الكويت والقاهرة وبيروت وعمان ولندن وواشنطن.
لديه «قفشات» تغنيك عن قراءة كتب كما يقول صديقه أحمد البوز، فقد اعتاد أن يخاطب العاملين في جهاز التحرير بجمل وعبارات مختصرة عندما يكون الكلام عن أحجام الخبر أو المقال «أعطني لب الخسَّة» ولا داعي للاستطراد، وعنده أن كلمات الخبر المنشورة في الصحيفة تشبه في عهده شخصا يريد أن يرسل فاكسا عن طريق وزارة المواصلات، كل كلمة لها ثمن وعليه أن يدفعها.
كان الشخص الثاني الذي يتولى منصب مدير عام «القبس» بعد السيد سمير مطاوع، جاء الكويت منتصف عام 1972، أطلق عليه الأستاذ أحمد الجارالله اسم «ذو الإفقار» من باب المداعبة، لتشدده في إدارة الجريدة وتنصله الراقي من دفع فاتورة الغداء أو العشاء مع أصدقائه.
له باع طويل في عالم المال والأعمال، أصدر الكتب التالية: «لبنان إلى أين» و«الردع المصرفي في لبنان» و«الفكرة العربية: نظرة ثانية» و«يوسف بيرس، فلسطيني بمجد لبنان» و«أنور السادات.. قصة حياة».
من وجهة نظره أن التراجع الذي تشهده الصحافة الورقية، يعزوه إلى «مشكلة في جهاز التحرير» متسائلاً، كيف وصل إجمالي توزيع الصحف اللبنانية إلى 10 آلاف نسخة يومياً، فهذا الرقم أقل من 1% من عدد سكان البلد، في حين أن الجريدة الأولى في قبرص اليونانية توزع بنسبة 3% من عدد السكان وصحيفة يديعوت أحرنوت توزع 600 ألف نسخة أيام العطل والأعياد؟
التقيته عام 2019 في مقهي «الهورس شو» مدخل شارع الحمراء في بيروت وتواعدنا على تسجيل حديث معه يسرد فيه تجربته في «القبس» يقول الأستاذ قبيسي الذي مازال إلى عام 2022 يكتب في الصحافة اللبنانية ويصدر مجلته الاقتصادية ويعكف على تأليف الكتب.
أول قرار أقدم عليه الاستغناء عن عدد كبير من الموظفين فرؤيته كانت من الصعب أن يقاتل بهذا الجيش من الموظفين لأنه لن يصل الى نتيجة ولذلك كان لابد من سلوك هذا الخيار.
وعندما التقى رئيس التحرير الأستاذ جاسم النصف بعد أن رشحه نقيب الصحافة اللبنانية آنذاك رياض طه، أبدى رغبته بشخص يجمع بين الإدارة والصحافة… ووجد فيه تلك الصفات، فقد تعلم الصحافة من القرآن الكريم ومن سائق التاكسي ثم صقلها بالحياة العملية والدراسة الأكاديمية وعلى يد اللورد طومسون والذي أخذ منه فعلياً كيف يكتب الخبر مختصراً وعلى طريقة صحيفة «الديلي ميرور» البريطانية.
وفي الفترة من عام 1973 إلى 1979 تمكن السيد قبيسي والذي يصف نفسه بأنه ابن «النهار» و«الصياد» و«الحياة» و«الديلي ميرور» في لندن من أن يجعل القبس في طليعة الصحف بفضل العلاقة التي هندسها بين العمل الصحافي والتوزيع والإعلان والتزاوج الذي أقامه وبالتنسيق مع تلك الإدارات والذي جاء في أعقاب تركيب ماكينة الطباعة العملاقة من نوع «كومباكتا» بحيث وصلت كمية الطبع إلى أرقام قياسية تجاوزت الرقم 110 آلاف نسخة باليوم، وبات بمقدور الصحيفة أن تنفرد بنشر أخبار تحدث بين الساعة الحادية عشر ليلاً والثالثة من فجر اليوم التالي، وهذا بفضل «الاستقلالية» التي تحققت بتركيب ماكينة طباعة، لا يوجد مثيل لها في المنطقة سوى في صحيفة «كيهان» الإيرانية أيام شاه إيران.
فقد رسخ السيد قبيسي قاعدة ملزمة في عملية التوزيع وهي أن الجريدة الأولى لابد أن توزع ما نسبته 10% من عدد السكان البلد الذي تطبع فيه وتصدر منه، كما يروي فتوزيع القبس صار يوازي توزيع معظم الصحف اليومية آنذاك.
«ذو الفقار» كان بحق رجل التواضع، دمث الأخلاق، طيب المعشر ومحباً للحياة.