الطائرات المسيرة… سلاح المستقبل
حلت مكان الحمام الزاجل وباتت تشارك في كثير من الأعمال بدءاً من الحروب والاغتيالات وصولاً إلى خدمات التوصيل
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
ربما يكون الخلفاء العباسيون أول من أدخل الحمام الزاجل كوسيلة لإيصال البريد لمميزات كثيرة منها ذكاؤه والسرعة الفائقة في ذلك العصر وسهولة عودته دوماً إلى موطنه.
كان الحمام يحمل الرسائل المربوطة بقدمه من بلد إلى آخر بدقة شديدة في الوصول إلى أهدافه ومن دون حاجته إلى دليل أو مرشد فأخضع لتحديد وتحسين نسله ومراقبة دقيقة ونظمت السجلات الخاصة بحركته وخصص له المربون بأجور عالية.
تميز الحمام الزاجل بتقديم خدمات جليلة في تاريخ الحروب ونقل أخبارها إلى الدول والقرى حين لم تكن هناك وسائل تواصل وإنترنت وقنوات فضائية.
ولا يزال الحمام الزاجل موضع اهتمام علماء الأرصاد للاستفادة من قدرته على توفير النفقات التي تتطلبها الأجهزة الحديثة مثل الأقمار الاصطناعية والرادارات والطائرات وأجهزة الكشف بالأشعة تحت الحمراء.
وتستطيع حمامة واحدة بجهازها الملاحي الفريد أن ترشد بحاستها التي لا تخطئ إلى كثير مما تبحث عنه مع توفير النفقات التي ترصد لعمل تلك الأجهزة، لكن كم تمنى الإنسان لو أن ذلك الحمام يستطيع أن يحمل أكثر من لفافة ورق، ماذا لو استطاع أن يحمل دواء وطعاماً، أو مثلاً جهاز تجسس على الأعداء؟
تلك الأمنية على ما يبدو تحققت في العصر الحالي مع تطوير الطائرات من دون طيار (درونز) التي ظهرت في البداية لأعمال حربية بحتة، ومن ثم بدأت تلك المسيّرات تظهر ما لديها من مميزات حتى باتت تشارك في كثير من الأعمال، بدءاً من المشاركة في الحروب وعمليات الاغتيال وصولاً لخدمات التوصيل إلى المنازل.
تاريخ “الدرونز”
تتوزع مهمات “الدرونز” من العسكرية الاستكشافية إلى مهمات تسويقية وإنسانية ووقائية بل ترفيهية، ويشير مصطلح “طائرة من دون طيار” إلى الطائرة التي يجري التحكم فيها من بعد وأحياناً يكون التحكم ذاتياً وتتعدد أسماؤها ما بين “درونز” والطائرة المسيّرة والطائرة من دون طيار والزنانة، لكن الاسم الأكثر تداولاً هو “درونز”، وفقاً لمصدره باللغة الإنجليزية (Drones)، المأخوذ من اسم ذكر النحل، وبرز ذلك خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) عندما ميزت هذه الطائرات بأشرطة سوداء وضعت على طول ذيل كل منها لتبدو كذكر النحل.
جرى تطوير أول طائرة من دون طيار في كل من بريطانيا والولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الأولى،وجرى اختبار الطائرة البريطانية للمرة الأولى في مارس (آذار) عام 1917 وهي طائرة صغيرة يتحكم فيها عن طريق الراديو.
أما اختبار الطائرة الأميركية، فجاء في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1918، وعلى رغم أن كلتيهما أظهرت نتائج واعدة في اختبارات الطيران فإنهما لم تستخدما عملياً أثناء الحرب.
وخلال عام 1935 صنع البريطانيون عدداً من الطائرات التي يتم التحكم فيها من بعد لاستخدامها كأهداف لأغراض التدريب.
ونشرت طائرات الاستطلاع من دون طيار للمرة الأولى على نطاق واسع في حرب فيتنام كشراك خداعية في القتال ولإطلاق الصواريخ على أهداف ثابتة وإلقاء المنشورات للعمليات النفسية.
وشهدت الأسواق العالمية تنامياً كبيراً على طلب المسيّرات، فحب الاستطلاع وأخذ الصور الجميلة، إضافة إلى الفضول والرغبة في الاستكشاف كانت أسباباً لانتشارها وازدهار صناعتها، فضلاً عن نموها في القطاع العسكري.
عام 2016 نشرت الولايات المتحدة مقطع فيديو لأكثر من مئة مسيّرة فوق بحيرة في كاليفورنيا تظهر بنسق وترتيب وتنافس كأنها سرب من الطيور، مما اعتبر تحدياً كبيراً للذكاء الاصطناعي إذ تبادلت الطائرات في ما بينها المعلومات ووزعت الوظائف على بعضها وأدت المهمة بنجاح.
أخطر المسيّرات الحربية
تقرير لموقع “أرمي تكنولوجي” الأميركي أورد قائمة تتضمن طائرات مسيّرة عسكرية (نورد بعضها) وقال إن الطائرات العسكرية التي يتجاوز وزنها 600 كيلوغرام يطلق عليها “درونز استراتيجية” وتكون مخصصة لتنفيذ مهمات قتالية ذات أهمية كبيرة.
“بريدايتور سي أفنجر” تصنع في الولايات المتحدة الأميركية وكانت أول رحلة لها عام 2009 وهي طائرة مسيّرة يصل وزنها عند الإقلاع إلى 8.2 طن، وتمتلك وسائل استشعار متعددة ونقاط تعليق خارجية ومخادع أسلحة داخل جسم الطائرة بصورة تجعلها قادرة على حمل 3 أطنان من الأسلحة المختلفة التي تضم صواريخ وقنابل موجهة، ويمكنها التحليق بسرعة تصل 745 كيلومتراً في الساعة ولمدة حوالى 20 ساعة وباستطاعتها التحليق على ارتفاعات تصل إلى 17 ألف متر.
“هيرون تي بي”، تعرف أيضاً بـ”أيتان”، وهي طائرة إسرائيلية قتالية يستخدمها الجيش ويمكنها حمل قدر كبير من الأسلحة وأنظمة الاتصال ويشمل تسليحها صواريخ “جو- أرض” وقنابل موجهة ويمكنها أن تبقى 30 ساعة في الجو خلال التحليق بسرعة تتجاوز 400 كيلومتر في الساعة.
الطائرة الشبح المسيّرة الثقيلة الروسية “أوخوتنيك” أو “الصياد” تتميز بوزن كبير ومدى طويل وقدرة أكبر على البقاء في الجو تمكنها من تنفيذ مهمات الاستطلاع والمراقبة داخل أراضي العدو وتنفيذ ضربات دقيقة من دون الحاجة لمقاتلات مأهولة ويبلغ طولها 14 متراً واتساع جناحيها 19 متراً ووزنها عند الإقلاع 20 طناً، فيما تصل سرعتها القصوى إلى آلاف الكيلومترات في الساعة، وصممت هذه الطائرة المسيّرة الهجومية وفق مخطط “الجناح الطائر” باستخدام مواد تقلل من قدرة الرادارات على رصدها وكانت “أوخوتنيك” نفذت أول رحلة طيران لها في 3 أغسطس (آب) 2019.
“تو – 300 كورشن” هي طائرة مسيّرة تصنعها روسيا وتحمل اسم “شوك درون” ويصل وزنها عند الإقلاع إلى 3 أطنان، بحسب موقع “غلوبال سيكيوريتي” الأميركي، وتتجاوز سرعتها 950 كيلومتراً في الساعة وتصل حمولتها من الأسلحة إلى 1000 كيلوغرام ويصل مداها إلى 300 كيلومتر.
“إم كيو – 9 ب سكاي غارديان”، تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني ويصل وزن إقلاعها إلى 5.6 طن ويمكنها حمل 1.8 طن من الصواريخ والقنابل الموجهة، كما تحلق على ارتفاعات تتجاوز 13 ألف متر بسرعة تصل إلى 388 كيلومتراً في الساعة ويمكنها البقاء في الجو لمدة 40 ساعة.
“بريدايتور بي إم كيو ريبر” التي يستخدمها الجيشان الأميركي والبريطاني والقوات الجوية لإيطاليا وفرنسا وإسبانيا هي مركبة مسيّرة صممت وفقاً لمعايير حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتبقى في الجو لمدة 27 ساعة متواصلة وتصل سرعتها إلى 444 كيلومتراً في الساعة ويمكنها التحليق على ارتفاعات تتجاوز 17 ألف متر، بحسب موقع “جنرال أتوميكس” الأميركي.
“سي إتش – 5” طورت بواسطة شركة “كاسك” الصينية وكان أول ظهور لها عام 2016 وهي تشبه الطائرة المسيّرة الأميركية “إم كيو 9 ريبر” ويمكنها القيام بمهمات قتالية، إضافة إلى مهمات الاستطلاع والعمليات الاستخباراتية ويصل وزنها عند الإقلاع إلى 3.3 طن وحمولتها من الأسلحة 1.2 طن ويمكنها البقاء في الجو لمدة 60 ساعة متصلة.
“تي إيه أي أنكا” هي طائرة مسيّرة تعمل في الجيش التركي منذ عام 2017 ويمكنها تنفيذ مهمات الاستطلاع العسكري والمراقبة، إضافة إلى المهمات القتالية بما تحمله من أسلحة تشمل قنابل دقيقة التوجيه وصواريخ موجهة، ويصل وزنها عنذ الإقلاع إلى 1.6 طن ويمكنها البقاء في الجو لمدة 24 ساعة والتحليق على ارتفاعات تصل إلى أكثر من 10 آلاف متر.
إرهاب المسيّرات
يعتبر كثر من المحللين العسكريين أن المسيّرات هي “سلاح المستقبل” ويقول المدير السابق لمكافحة الإرهاب في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) الكاتب بيرنارد هادسون إن الطائرات المسيّرة (من دون طيار) صارت تشكل إرهاباً حقيقياً وخطراً كبيراً، بينما يتم توجيهها والتحكم بها عن طريق أداة تحكم كما في الألعاب الإلكترونية المسلية، وذلك تعليقاً على محاولة الاغتيال الفاشلة ضد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في أغسطس 2018 التي نفذت باستخدام طائرة من دون طيار كانت تحمل متفجرات.
وأشار هادسون في مقالة حينها نشرتها صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية إلى أن جماعة الحوثي زعمت أنها أرسلت طائرات من دون طيار مسلحة لمهاجمة مطار أبو ظبي في الإمارات، غير أنه لم يقتل أي شخص في الحالين وظلت الملابسات غامضة.
بيد أنه صار من الواضح أن عهداً جديداً وخطراً من الإرهاب الذي لا ترعاه الدولة بدأ وذلك في لحظة ليس هناك أحد مستعد لمواجهته ورأى هادسون أن هاتين الحادثتين وغيرهما ستشجع مجموعات أخرى ذات خبرة تكنولوجية وأفراداً ساخطين على استخدام هذا النوع من الطائرات لارتكاب العنف السياسي، مؤكداً أن المحاولة الفاشلة في أبو ظبي كانت ستتسبب في خسائر بشرية فادحة لو أنها تمكنت من إصابة إحدى طائرات الركاب.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 نجا رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي من محاولة اغتيال فاشلة بطائرة مسيّرة، مما أثار الجدل حول استخدام “الدرونز” من جانب ميليشيات وجماعات مسلحة موازية للجيوش النظامية للبلدان.
واستهدفت طائرات “درونز” عدداً من القيادات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص ولم تتوان تركيا أيضاً عن استخدامها في استهداف المدنيين وتسببت بمقتل أكثر من 700 مدني معظمهم في العراق وليبيا وسوريا، إضافة إلى العمليات التي نفذتها هذه الطائرات داخل الأراضي التركية نفسها ضد قوات “حزب العمال الكردستاني”.
وربما كانت آخر عمليات الاغتيال التي تمت لأحد قادة إيران في العراق هو قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني الذي استهدف بطائرة مسيّرة في شهر يناير (كانون الثاني) 2020.
وتشير صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية إلى أنه عام 2002 فشلت مسيّرة من طراز “بريدايتور” في استهداف مجموعة من الإرهابيين بشرق أفغانستان، كان يعتقد أن بينهم زعيم تنظيم “القاعدة” أسامة بن لادن. أما في 2001، فكان أول اختبار رسمي لـ”درون” في أفغانستان عندما فشلت في أكتوبر 2001 في اغتيال زعيم حركة “طالبان” الملا محمد عمر، بحيث دمرت شاحنة فارغة بدلاً من قتله.
وتؤكد الصحيفة أنه في ظل إدارة باراك أوباما 2008-2016 انتشرت ضربات الطائرات من دون طيار كوسيلة لمحاربة التمرد في العراق وأفغانستان من دون المخاطرة بالعسكريين في مهمات جوية خطرة، وأشارت إلى 563 غارة معظمها بواسطة طائرات من دون طيار في باكستان والصومال واليمن خلال فترتي رئاسة باراك أوباما، وفقاً لمكتب الصحافة الاستقصائية “تي بي أي جي” ويقارن ذلك بـ57 ضربة في عهد إدارة بوش السابقة، فيما قتل ما بين 384 و807 مدنيين في ضربات جوية في تلك البلدان.
وعام 2018 شنت إيران هجوماً باستخدام طائرة من دون طيار على أكبر منشأة لمعالجة النفط في السعودية استخدمت خلاله أكثر من 25 طائرة مسيّرة، بحسب تصريحات لوزارة الدفاع السعودية، إذ قال المتحدث باسمها حينها إن 25 من الطائرات المسيّرة والصواريخ الجوالة الإيرانية استعملت في الهجمات التي انطلقت من الشمال السعودي، إما من الأراضي الإيرانية أو العراقية، وليس من اليمن.
المسيّرات الإيرانية في أوكرانيا
تعتبر مقالة في “واشنطن بوست” نشرت في أغسطس الماضي أنه لكي تعزز القدرات العسكرية الروسية التي نضبت بسبب الحرب في أوكرانيا بدأت إيران بتسليم موسكو “مئات” المسيّرات الانتحارية، بحسب مسؤولي الاستخبارات، وربما كانت هذه الطائرات جزءاً من سلسلة “شهيد” وهي بحجم “بريدايتور” الأميركية واستخدمتها طهران بنجاح في العراق وسوريا.
وفي 15 يوليو (تموز) الماضي تحدث مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلى شبكة “سي أن أن” قائلاً إن إيران “تحضر من أجل تزويد روسيا بمئات المركبات من دون طيار، بما فيها المسيّرات المحملة بالسلاح” وإن وفداً روسياً فحص نماذج منها في قاعدة جوية إيرانية وأكدت طهران بعدها لوزير الخارجية الأوكرانية أن التقارير الأميركية غير صحيحة.
وفي الحقيقة يقوم الروس بتعجيل نقل المسيّرات الإيرانية إلى ساحة المعركة، بحسب الصحيفة وأخبرت متحدثة باسم مجلس الأمن القومي كاتب المقالة ديفيد أغناتيوس أن “المسؤولين الروس أكملوا في الأسابيع الماضية تدريبات كجزء من عمل نقل المسيّرات”.
وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أعلن في سبتمبر (أيلول) الماضي خلال خطاب له أن قوات بلاده للدفاع الجوي أسقطت طائرات إيرانية من دون طيار في منطقة دنيبروبتروفسك الشرقية ومدينة أوديسا الجنوبية بما في ذلك ميناء بيفديني القريب المستخدم لتصدير الحبوب، وحددتها القوات الجوية الأوكرانية على أنها طائرات من دون طيار إيرانية الصنع من طرازي “شاهد -136″ و”مهاجر -6” اللتين يمكن استخدامهما لحمل الصواريخ أو للاستطلاع.
وكان زيلينسكي قال إن أوكرانيا ألغت اعتماد السفير الإيراني وخفضت عدد الموظفين الدبلوماسيين في السفارة الإيرانية لدى كييف رداً على إرسال طهران للطائرات من دون طيار إلى روسيا.
لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعانين نفى استخدام الجيش الروسي طائرات مسيّرة إيرانية الصنع في حرب أوكرانيا وقال إن بلاده تنفي صحة هذه الأخبار عن تسليم طائرات مسيّرة لموسكو لاستخدامها في الحرب الأوكرانية.
وترى صحيفة “ديلي بيست” في تقرير لها في يوليو الماضي أن برنامج الطائرات من دون طيار المحلي لروسيا “باهت”، فقد خسر الجيش حرب الطائرات المسيّرة في أوكرانيا وتحتاج موسكو إلى شراء “درون قتالية” لمعالجة ضعف قدرتها في ساحة المعركة الأوكرانية.
ويمكن لطائرات إيران من دون طيار القيام بـ”عمليات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع وإطلاق الذخائر النارية أو الاصطدام بالهدف والانفجار”.
ووفقاً لما نقلته الصحيفة عن مسؤولين أميركيين فإن إيران عرضت طائرات من دون طيار مثل “شاهد 191″ و”شاهد 129” على وفد روسي في شهر يونيو (حزيران) الماضي.
وللمسيّرات الإيرانية دور بارز في الحرب باليمن حيث استخدمت لمهاجمة أهداف عسكرية ومحاولة اغتيال مسؤولين يمنيين ومهاجمة المنشآت النفطية السعودية.
وتشير “ديلي بيست” إلى أن “الدرون الإيرانية ربما تسمح لروسيا” بضرب أهداف أوكرانية “بعيدة المدى” بعدما فقدت موسكو العشرات من طائراتها المسيّرة خلال الحرب.