الفن التشكيلي في الإمارات: معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية جمع الفنانين العرب والأجانب وأعمالا متنوعة

النشرة الدولية –

امتاز الجناح المخصص لقطاع التراث والفنون في معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية في دورته العشرين بانفتاحه أكثر على العديد من المواهب والتجارب الفنية والأكاديمية، التي تؤكد أن الفن كان متمما لجمالية الحدث ومساعدا في جذب شريحة واسعة من الزوار.

لم يعد الفن منفصلا عن أي مجال، فقد تداخلت مواهب المبدعين لتعيد تجسيد الكثير من مقومات الحياة وتقدمها بشكل جذاب ومبهج، وهو – أي الفن – إن حضر في أي مجال، جمله، وكسر نمطيته وأخرجه من حدوده الضيقة وضوابطه المشددة.

هذا ما حصل في حضور قطاع التراث والفنون وتحديدا الفنون التشكيلية في معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية، فكلما كبرت المساحة المخصصة للفن ولاستعراض المواهب الفنية كلما اكتسب المعرض طابعا جماليا ولمسات شاعرية تخرج بزواره من الشعور بالحدية والعنف الذي تبعثه الأسلحة ومعدات الصيد والسيارات رباعية الدفع المنتشرة على مساحة شاسعة.

نجود الزحمي: قدمنا أعمالا مختلفة أهلتنا للفوز بجائزة أفضل جناح

يعتبر قطاع الفنون والحرف اليدوية المشارك في معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية الذي اختتم في الثاني من أكتوبر الجاري، فرصة حقيقية لنخبة من المبدعين الإماراتيين أفرادا ومؤسسات للتواصل بينهم وبين الجمهور الذي يعشق الفنون المرتبطة بالتراث الثقافي.

ولم يستعرض قطاع الفنون مواهب وتجارب الفنانين الإماراتيين وإنما كان منفتحا على مختلف المبدعين من العالم العربي وحتى من الغرب ليكون نقطة التقاء بينهم، يتنافسون لعرض أعمال لا تخرج عن الثيمة العامة للمعرض ويتبادلون الخبرات.

ومن بين المشاركين لهذا العام، قال الرسام موسى الحليان إن مشاركته للمرة الثانية على التوالي في معرض أبوظبي للصيد والفروسية فرصة لتكون أعماله التي لها رمزية ومرتبطة بالحدث قريبة من الجمهور.

ويضيف الحليان أن “مثل هذه المشاركات من شأنها تعزيز واقع الفنون التشكيلية في الإمارات والتعريف بمواهب الفنانين الإماراتيين وآخرين من خارج الإمارات ممن اختاروا استعراض لوحات تصور شيوخ الإمارات وقادتها وكذلك المرأة الإماراتية وجمالها وحضورها في أنشطة الحياة اليومية، بالإضافة إلى تصوير المقومات الأساسية للتراث والثقافة في الإمارات ومنها كل ما يتعلق بالصيد والفروسية والأفراح والمنشآت التقليدية”.

من جانبه يقول الفنان التشكيلي إبراهيم أبوريان لـ”العرب” إن “مثل هذه الغاليريهات المصغّرة والمقامة في قلب معرض مختص في عالمي التراث والصيد، هي في البداية تقدم التراث والصيد من منظور جمالي يختلف كثيرا عن بقية المشاركات التجارية البحتة، لكنها من جانب آخر تنشأ لاستقطاب الزوار والتعريف بتجارب الفنانين ومساعدتهم على تسويق أعمالهم”.

ويتابع “هذه أول مشاركة لي في المعرض، لذلك حرصت على الاطلاع على تجارب سابقة لبعض الأصدقاء، وأن تكون لوحاتي في جزء كبير منها صورا وبورتريهات عن شيوخ الإمارات وهي موجهة للبيع للمؤسسات الرسمية أو حتى المجالس الخاصة”.

ويوضح الفنان الفلسطيني أن البورتريهات الخاصة بالشيوخ تحظى بأهمية لدى زوار المعرض حيث يتنافس أغلبهم على اقتنائها، فهم يزينون بها مجالسهم وصالات الاستقبال والاجتماعات في مؤسساتهم، لكن بعضهم يأتي بحثا عن بورتريهات وصور لمشاهد طبيعية وحيوانات وغيرها من الابتكارات الفنية”.

ويقول الفنان “لو سنحت لي فرصة المشاركة في العام المقبل، سأقوم بتجهيز لوحات مختلفة بمواضيع فنية وإبداعية أحرر فيها المجال لمخيلتي ولا أقتصر على رسم الشيوخ وبعض مظاهر الصيد والفروسية”.

ويعرض أبوريان لوحات تقليدية وأخرى رقمية، ومن شدة الدقة في تنفيذ كل منها، لا يكاد الزائر يلاحظ الفرق بينهما، إلا أن الفنان يصر على تقديم الاختلاف بين الديجيتال آرت وبين الرسم بالألوان التقليدية، ومميزات وعيوب كل منهما، فكان جناحه معرضا وورشة تعليمية سريعة. بعض الرسامين الآخرين كانوا أيضا يستعرضون مواهبهم ومهاراتهم مباشرة أمام أعين الزوار المتربصة بهم.

وهناك أيضا مساحة مخصصة للأطفال، يرتادها الصغار بالعشرات يوميا، منبهرين بقدرات الرسامين، ومحاولين تقليدهم وإمطارهم بوابل من الأسئلة.

وفي إحدى المساحات التعليمية ترى الصغار يراقبون واحدة من الفنانات وهي تنهي لوحة لها أمامهم، والمساحة ليست مخصصة للتأمل فقط، وإنما بإمكان الطفل أن يشارك في إنجاز اللوحة مع التزامه بالتعليمات التي توجهها إليه صاحبتها واتباع حركة الريشة وسرعتها واللون المختار ودرجة المزج بين الألوان ودرجة الضغط على اللوحة.

أعمال مستلهمة من بيئتها
أعمال مستلهمة من بيئتها

صار قطاع الفنون بمعرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية فرصة لنخبة من المبدعين الإماراتيين أفرادا ومؤسسات بما يمثله من مساحة زمنية ومكانية تستمر على مداد أسبوع للتواصل بينهم وبين الجمهور الذي يعشق الفنون المرتبطة بالتراث الثقافي. ويسعى الفنانون للمشاركة فيه عاما تلو الآخر سواء بشكل ذاتي أو عبر مؤسسات وأكاديميات الفنون.

ومن بين المؤسسات التي كان لها حضور مميّز في الدورة العشرين للمعرض أكاديمية الفجيرة للفنون الجميلة التي عرض جناحها الخاص مواهب متنوعة، صاحبتها ورش عمل مخصصة للزوار من الطلبة وتشمل الرسم والخط العربي والفخار والنحت والتصوير.

وقالت نجود الزحمي المنسقة الإعلامية في جناح الأكاديمية لـ”العرب” إن “الأكاديمية تهدف من هذه المشاركة الثانية لها في المعرض إلى التعريف بإنجازات طلبتها وأيضا الفنانين المنتسبين إليها”.

وتضيف “هذا العام يقدم الجناح الخاص بالأكاديمية أكثر من مئة لوحة ومنحوتة لنحو ثمانين فنانا بعضها رسومات زيتية وأخرى أكريليك أو بمواد صلبة ملصقة على الخشب مثل حجر الصوان وغيره.. ولم تكتف الأكاديمية بعرض أعمال الفنانين والطلبة وإنما ننظم ورشات لتعليم الطفل وتثقيفه في كل ما يرتبط بالفن التشكيلي ومن بينها ورشات في الحروفية والخط العربي ونحت ورسم تقليدي ورسم ديجيتال وفوتوغرافي”.

ومن السهل على زائر الجناح الفني للمعرض أن يلاحظ الفرق في المواضيع واللوحات والمواد المستخدمة، بين تلك المعروضة في جناح الأكاديمية وغيرها، فأغلب اللوحات الحاضرة في الدورة العشرين كانت بورتريهات لشيوخ الإمارات، وقادتها، وبعضها للمؤسسين الأوائل للدولة، وأخرى لعالم الحيوان وخاصة الصقور والخيول بالإضافة إلى كل ما يرتبط بالتراث والهوية الإماراتية من لباس وطريقتهم في التعبير عن الفرح وأسلوبهم القديم في العيش والبحث عن لقمة العيش.

وتوضح الزحمي في تصريحها لـ”العرب” “نحن من وجهنا الفنانين المشاركين في المعرض معنا لإنجاز صور وتابلوهات مختلفة عما يمكن أن يكون متاحا ومنافسا لها… لوحاتنا فيها إبداع مطلق يعني أننا لم نطلب موضوعا بعينه من الفنانين وحددنا لهم ما يجب رسمه أو لا وإنما أخبرناهم بأن تكون المواضيع مختلفة ومبتكرة وتقترب من الإطار العام للمعرض المتعلق بعالم الصيد والفروسية، لذلك جاءت أعمالهم ذات وعي وإبداع وابتكار ومتحررة من القيود والضوابط”.

أما فيما يتعلق بالأكاديمية، توجهها، ومنهجها التعليمي فتقول الزحمي “يشرف على أكاديمية الفجيرة للفنون الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد إمارة الفجيرة، وهو شخص محب وعاشق للفنون والداعم الأول للطلبة الفنانين المنتسبين إلى الأكاديمية، لدينا طلبة من جميع الجنسيات والفئات وكذلك الفنانون المنتسبون لكن أغلبهم إماراتيون”.

وتواصل “أكاديميتنا ليست متخصصة فقط في الجانب التعليمي، بل أطلقنا مبادرة فنان وهي مبادرة لمنح أي شخص موهوب في الدول العربية صفة فنان وبطاقة فنية، والأكاديمية تخضع دائما لتوصيات الشيخ محمد بن حمد الشرقي، وهو الذي وجه المشاركين في جناحنا الخاص في معرض الصيد والفروسية بضرورة الخروج عن المألوف وإنجاز لوحات مختلفة، غريبة، ومبتكرة عما تعرضه بقية صالات العرض والفنانون المشاركون، وكانت نتيجة هذه التوصيات الفوز بجائزة أفضل منصة عرض في الدورة العشرين للمعرض”.

ومن الفنانين المنتسبين إلى هذه الأكاديمية الفنية، تشارك الفنانة التشكيلية حورية العبدولي للمرة الأولى في المعرض الدولي، وهي تعرض أعمالا تحاول من خلالها إبراز جوانب ساحرة من الموروث المحلي والثراء البيئي الذي تتميز به دولة الإمارات.

وتقول الفنانة إنها انطلقت من أكاديمية الفجيرة ومن دولة الإمارات، وتطمح إلى الوصول بأعمالها إلى العالمية وهي خطوة تحتاج إلى الكثير من الجهد والعمل وهو ما تحاول القيام به حاليا ومن الأعمال التي تعرضها هذا العام لوحة المها العربي والتي نفذتها بألوان الأكريليك واستغرقت نحو أربعة أشهر في إنجازها.

والأعمال المشاركة من بقية فناني الأكاديمية وطلبتها منجزة من مواد متنوعة منها الطين والأكريليك والخشب والنحاس ومنها المرسوم على القماش بالأكريليك أو بالألوان الزيتية وبعضها لوحات بفن الحروفيات وتستخدم في أغلبها الخط العربي بينما تستخدم أخرى مزيجا من الفنون والتقنيات المعاصرة فتبدو اللوحة ثلاثية الأبعاد ولا تقدم في محامل تقليدية.

فنانون من السجون
لوحات من عمق التراث
لوحات من عمق التراث

في مواجهة الفضاء المخصص للأطفال، قد تثير انتباه الزائر لوحات ومشغولات يدوية، أغلبها ذات جودة عالية ومخصصة للبيع بأسعار زهيدة مقارنة بلوحات بقية الفنانين والمؤسسات.

هذا الجناح الصغير، كان مخصصا لشرطة أبوظبي تعرض فيها أعمالا لنزلاء اختاروا أن يتعلموا الفنون كحرفة يعيشون منها داخل السجن وخارجه.

ويقول المسؤول على الجناح، الشرطي الأول محمد الجنيبي، لـ”العرب”إن “المنتجات المعروضة من لوحات وصناديق ملابس تقليدية ومباخر كبرى، هي كلها من إنتاج نزلاء داخل سجون أبوظبي، والأموال المتأتية من بيعها تصرف لهم كراتب شهري”.

ويوضح الجنيبي “نعمل داخل قسم الورشات على استقطاب النزلاء ذوي الأحكام المتوسطة والطويلة، أي من ثلاث سنوات فأكثر، كي يتسنى له المجال لتعلم الفنون التشكيلية، ومهارات أخرى، وأغلبهم لا موهبة لديه وإنما يتعامل مع الورشة كمساحة للتعبير عن نفسه ولاكتساب حرفة تساعده على العيش بكرامة”.

وحسب الشرطي، فإن “كل نزيل بمجرد دخوله إلى السجن يحصل على راتب يقدر بـ150 درهما وفي حال تعلم داخل الورشة واشتغل وأنتج قد يصل راتبه إلى 3 آلاف درهم، فهو لا يتعلم فقط إنما يعمل وينجز لوحات وأعمال تباع وتشترى وعائداتها تخصص كرواتب للنزلاء ولتسوية وضعية أولئك المحكومين في قضايا مالية”.

ويشرح الجنيبي في تصريحه لـ”العرب” “كشاب إماراتي يعمل في قطاع الشرطة، أجد أن العمل في مثل هذا المجال مهم للمجتمع، فأن تساهم في إصلاح فرد وتوفير حياة جيدة له حتى داخل السجن وإعادة تأهيله ليعود إلى الحياة أكثر نضجا ووعيا، نفسيا وفكريا، لهو أمر صعب يتطلب إيمانا بأن الدولة والمجتمع لا يحتاجان منا ملاحقة المذنبين والمجرمين وإنما أيضا إلى إعادة تأهيلهم كي لا يخرجوا من السجون كما دخلوها”.

 

Back to top button