ما بين الرياض وواشنطن .. أزمة أم تحول؟
بقلم: رجا طلب
النشرة الدولية –
شكلت قمة جدة التي عقدت في تموز/يوليو الماضي نقطة تحول دراماتيكي في طريقة التعامل السعودي مع «الصديق العتيق» الولايات المتحدة، حيث أظهر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي بات يمثل مدرسة جديدة في اسلوب الحكم وإدارته، أظهر ندية واضحة في التعامل مع الرئيس بايدن وفريقه اتسمت بنوع من الصلابة المدروسة والمقرونة بالغاء حالة الالتصاق بالمصالح الأميركية وتوسيع هامش التفاوض في الدفاع عن المصالح الوطنية للسعودية والبدء بتوظيف الامكانيات المادية الضخمة والقيمة الاستراتيجية الجيوسياسية للمملكة، وهو نهج يمكن الق?ل إنه لم يسبق أن تم تطبيقه بهذه الندية بل وهذه الحدية منذ المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز الذي استخدم النفط سلاحاً في مواجهة الانحياز الأميركي الفج لصالح دولة الاحتلال في حرب اكتوبر عام 1973 وإمدادها بالسلاح، حيث قرر رحمه الله وقف تصدير النفط لأميركا في التاسع عشر من أكتوبر وبعد أيام من اندلاع الحرب وذلك على إثر قيام الرئيس الأميركي «ريتشارد نيكسون» بطلب اعتماد معونة عسكرية عاجلة من الكونغرس لدعم إسرائيل بمبلغ 2.2 مليار دولار وهو مبلغ فلكي في ذلك الوقت أثار غضب الملك الراحل والقادة العرب.
في قمة جدة قدم الرئيس بايدن تنازلاً كبيراً تمثل بحضور قمة مهمة برئاسة سمو الأمير محمد بن سلمان، كما تجرع في تلك القمة مرارة الرفض السعودي لزيادة إنتاج النفط والغاز للتعويض عن النقص الحاصل في منتجات الطاقة الروسية إثر الحرب في أوكرانيا، ومن هنا يمكن اعتبار قمة جدة نقطة تحول في السياسة السعودية مع الحليف الأكبر «الولايات المتحدة»، وتعزز هذا السلوك بعد قرارات منظومة «أوبك بلس» التي رفضت زيادة إنتاج النفط وهو القرار الذي اثار غضب واشنطن ودفعها الى توجيه اتهامات للمملكة العربية السعودية دون أن تسميها، الأمر الذ? جعل وكالة الانباء السعودية الرسمية تنقل عن مصدر مسؤول بوزارة الخارجية السعودية نفياً مسبباً للاتهامات الاميركية جاء فيه (… تود حكومة المملكة العربية السعودية بدايةً الإعراب عن رفضها التام لهذه التصريحات التي لا تستند إلى الحقائق، وتعتمد في أساسها على محاولة تصوير قرار أوبك «بلس» خارج إطاره الاقتصادي البحت؛ وهو قرار اتخذ بالإجماع من كافة دول مجموعة أوبك «بلس».
هذا السجال بين الرياض وواشنطن يعكس بما لا يقبل الشك بأن هناك أزمة بين البلدين عنوانها الطاقة ولكن تفاصيلها ربما تتجاوز هذا العنوان فهناك المصالح السعودية في اليمن والتي ادارت لها واشنطن ظهرها بصورة «مريبة وملفتة»، وهناك ترتيب للأولويات السعودية في ترتيب التحالفات الإقليمية والدولية التي تسببت بها الحرب في أوكرانيا وتحديداً «الارتكاز» السعودي على العامل الروسي في ملفي الطاقة والتسليح، والارتكاز على العامل الصيني في دعم مشاريع التنمية الضخمة في المملكة، وهي عوامل بات الأمير محمد بن سلمان يستثمرها بتكتيك مثمر?وبعائد كبير على المملكة في البعد الاقتصادي وفي البعد السياسي وتحديداً لجهة المساحة المتاحة للمملكة في اتخاذ القرارات الاستراتيجية التي تمس مصالح السعودية ونوعية تحالفاتها الأمنية والعسكرية، وصياغة علاقات جديدة مع واشنطن أساسها فك الارتباط التقليدي المعمول به منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
عنوان مقالي هذا هو السؤال الأبرز في دوائر صنع القرار في الشرق الأوسط وأوروبا والعالم، وهناك جدل صاخب حيال الأمر في واشنطن وتل أبيب وبروكسل، والمخاوف لدى تلك الأطراف هي مخاوف متباينة ولكن أكثرها جدية واثراً تلك الأميركية، ففي واشنطن ذهب البعض في الكونغرس نحو «معاقبة المملكة» تسليحياً، في اندفاع «كاوبويي»، أو «عنتري» يدلل على غياب محزن للثقافة السياسية للخيارات الموجودة لدى منظمة «أوبك بلس» والسعودية المنتج الاكبر للنفط، ومن أهم الخيارات التي ما زالت متاحة للسعودية، انهاء صيغة البترودولار «أي بيع النفط بالدو?ار، أما الخيار الآخر فهو الدخول في مجموعة البريكس التي تضم «الصين وروسيا والهند والبرازيل» والتي يطرح اعضاؤها إصدار عملة موحدة للتجارة بالطاقة والتجارة العامة وستكون السعودية في حال قررت الانضمام لها قيمة مضافة ستغير من أهمية هذه المنظمة، كما ستغير النظام المالي العالمي وكذلك النظام السياسي الذي بني بعد عام 1945.