بدء عودة النازحين السوريين من لبنان حقيقة أم بيع أوهام؟

النشرة الدولية –

لبنان 24 – نوال الأشقر –

أظهرت الأزمة الماليّة والإقتصاديّة حجم التداعيات الكارثيّة للنزوح السوري على لبنان، تحديدًا على الفئات الأكثر ضعفًا وفقرًا، ووصلت الأمور إلى حدّ التزاحم بين اللبناني والنازح السوري على الخدمات والموارد المحدودة، خصوصًا أنّ أكثر من ٨٠% من اللبنانيين تحت خط الفقر، وفق تقييم البنك الدولي.

عَمِل المجتمع الدولي ولا زال على محاولة دمج النازحين في المجتمعات المضيفة، وفي مقدمها لبنان، وربط أمر عودتهم بحلٍّ سياسي شامل، قد تمضي عقود قبل أن يحصل، لا بل أنّ مخططًا لتوطين هؤلاء حيث هم، راود جهات غربيّة. وعلى رغم أنّ نيران الحرب خمدت في سوريا، وتجاوزت المناطق الآمنة هناك مساحة لبنان بأضعاف مضاعفة، بقي النازحون السوريون في لبنان، وأكتفى عدد كبير منهم بزيارات دوريّة إلى سوريا، وهو أمر ينزع عنهم صفة النزوح، لكنّ الجهات الدوليّة تجاهلت ذلك، كما تجاهلت تبعات وجودهم على الواقع الإقتصادي والإجتماعي والأمني في لبنان، ومضت بسياسة تمويل بقائهم هنا، رغم إمكانيّة استمرار سياسة الدعم المالي لهم لدى عودتهم إلى بلادهم، إلى حين إعادة إعمار ما تهدّم من منازلهم وقراهم.

مؤخرًا انتفض لبنان الرسمي على التعاطي الدولي مع مسألة وجود النازحين على أراضيه، بحيث شكّل خطاب الرئيس نجيب ميقاتي، أمام السفراء الغربيين في السراي الحكومي، في مؤتمر إطلاق خطّة لبنان للإستجابة للأزمة في حزيران الماضي، نقطةَ تحوّل في الأداء الرسمي حيال مسألة النزوح، إذ تصاعد الموقف اللبناني من مجرد المطالبة بالعودة الآمنة، إلى تلويح رئيس الحكومة بإخراجهم من لبنان “بالطرق القانونية” فيما لو لم يتعاون المجتمع الدولي مع المطلب اللبناني. استكمل ميقاتي مقاربته لعودة النازحين في المنابر الأميية، ولدى لقاءاته مسؤولي المنظّمات الدوليّة، إلى أنّ ارسل رسالةً إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش في أيلول الماضي، مطالبًا الأمم المتحدة بوضع “خارطة طريق واضحة لمعالجة النزوح السوري، وجاء فيها أنه “لا يمكن الطلب الى بلد يستضيف هذا العدد الكبير، ويتكبد هذه الخسائر، أن يستمر بانتظار حلول سياسية لم تظهر مؤشراتها لتاريخه”. وأشار ميقاتي إلى أن “من المؤشرات السلبية على المنحى الخطير الذي يتسبب به النزوح السوري، اهتزاز التركيبة الديموغرافية الحساسة، حيث تجاوز عدد الولادات السورية، الولادات اللبنانية، وارتفعت نسبة الجريمة، وزاد اكتظاظ السجون”. وخلص إلى دعوة الأمم المتحدة إلى “البدء بتنفيذ الآليات الدولية الواردة في نصوص مفوضية اللاجئين ومجلسها التنفيذي بشأن عودة اللاجئين، لا سيما أن تلك النصوص تفرض في نصها وروحها أخذ الوضع في البلد الأصلي بالاعتبار، وكذلك الوضع في بلد اللجوء، في معرض إقرار العودة”.

رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أعلن قبل أيام عن بدء عودة النازحين السوريين إلى بلادهم هذا الأسبوع ، فهل فعلًا بدأ مسار العودة بعد إنجاز الترسيم؟ وهل مخاوف أوروبا من الهجرة المتزايدة للنازحين الى أراضيها سيدفعها للاستجابة للمطلب اللبناني والمساهمة بعودة النازحين إلى بلادهم؟

مصادر مواكبة لملف النزوح وضعت كلام عون في إطار الإستثمار السياسي الداخلي في الأيام الأخيرة من ولايته “محاولًا تسجيل إنجازات ينهي بها عهده بعد الإنهيار المالي غير المسبوق” واستبعدت حصول تعديل جوهري في التعاطي الدولي مع أزمة النزوح. “ما أعلنته وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا من بيروت مؤشر على إبقاء المقاربة الفرنسية ومن خلفها الأوروبية على حالها من العودة، مع إدارك واعتراف الجهات الدولية بالعبء الكبير على لبنان، بحيث تحدّثت كولونا عن جمع الإتحاد الأوروبي مبالغ لمساعدة النازحين، ولم تأتي على ذكر العودة، بل حرصت على التأكيد أنّ مفتاح هذا الوضع يتعلق بتحسن الأوضاع في سوريا، وفي ذلك إشارة إلى ربط العودة بالحل السياسي”. إلّا أنّ الموقف الفج أتى من منظمة “العفو الدوليّة” على شكل نداء إلى لبنان لوقف خطط عودة اللاجئين “السلطات اللبنانية، بتسهيلها المتحمّس لعمليات العودة هذه، تُعرّض اللاجئين السوريين عن علم لخطر التعرض لأشكال بشعة من الانتهاكات والاضطهاد عند عودتهم إلى سوريا” داعيةً لبنان لـ”احترام التزاماته بموجب القانون الدولي ووقف خططه لإعادة اللاجئين السوريين بشكل جماعي”.

وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب في حديث تلفزيوني استبعد بدوره عودة النازحين “لا يوجد حل والمسيرة ستكون أطول من مسيرة ترسيم الحدود”.

الباحث سيروج أبكيان مدير مركز MEC-affairs لفت في حديث لـ “لبنان 24” إلى أنّ عودة دفعة من النازحين هذا الأسبوع ، والتي يفترض أن تضم 1600 شخص، تبقى أرقامًا خجولة لا تغيّر في المعادلة  “حتى لو تكرر الرقم أسبوعيًا سيبقى أقل من عدد الولادات”. بالمقابل رأى أبيكيان أنّ إنجاز الترسيم قد يدفع بعض الدول وعواصم القرار كالولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ودول أوروبية أخرى، للمساهمة في الإستجابة للمطلب اللبناني والعمل على إعادة النازحين “وذلك من أجل تحصين الترسيم من أيّ ثغرة قد تؤدي إلى خلل أمني، من شأنه أن يؤثّر سلبًا على الترسيم. ولكن طبعًا ليس بشكل قسري بل وفق برامج مرتكزة على العودة الطوعية والآمنة”. أضاف أبيكيان أن ورقة النزوح التي استُثمرت سابقًا إقليميًا ودوليًا في الضغط على النظام السوري، لم تعد مؤثرة اليوم، بعدما اعترف المجتمع الدولي بالنظام السوري وببقائه “فلم يعد ينظر إلى الرئيس بشار الأسد بمثابة المجرم الملاحق، ولم يعد يدفع باتجاه تبديله، بالتالي انتهى مفعول هذه الورقة. أمّا المنظمات الدولية التي تساهم في تمويل بقاء النازح في الدول المضيفة، فتعمل وفق معاييرها القائمة على المساعدة المالية النقدية، ومن ثمّ دمج هؤلاء في الدورة الإنتاجية للبلد وهنا يمكن المنحى الخطير”.

أبيكيان لفت إلى أنّ أعداد النازحين تفوق الرقم المعلن عنه، وتتجاوز المليوني ومئتي ألف شخص، خصوصًا أنّ هناك أعدادًا غير مسجّلة “وأنّ تأثيرهم على الإقتصاد اللبناني بمعناه السلبي كبير، خصوصًا بظل اهتراء البنى التحتية واستفحال الأزمة الإقتصادية وتهرّبهم من الضرائب ومساهتمهم في التهريب. بالمقابل هناك من ينظر إلى تحريكهم للقطاعات الإستهلاكية والتربوية وغيرها بفعل الأموال التي يتقاضونها من المنظّمات الدولية، وهؤلاء مستفيدون من بقاء النازحين. وبالنظرة الأشمل وجود النازحين بأعدادهم المليونية يهدّد هويّة لبنان”.

بالنظر إلى حال النازحين السوريين في المخيمات، تزداد حياة هؤلاء صعوبة مع النقص المتزايد في الخدمات، كما أنّ وضعهم المعيشي الصعب مرشح للتفاقم، على أبواب فصل الشتاء وموجات الصقيع الآتيّة، بظل الإرتفاع الحاد بأسعار المحروقات والمواد المستخدمة في التدفئة. هربًا من الواقع المأسوي هذا، ازدادت في الآونة الأخيرة عمليات الهجرة غير الشرعية من قبل نازحين سوريين ومن قبل لبنانيين، حيث جازف هؤلاء بأرواحهم وأرواح عائلاتهم وهربوا في قوارب، طمعًا بفرصة للعيش الكريم في أيّ بقعة من أصقاع الأرض. الأوضاع الصعبة للنازحين السوريين في لبنان، يضاف إليها أحوالُ اللبنانيين، وما يعانونه من أزمات يومية، تستدعي حلًا دوليًا عاجلًا لأزمة النزوح وإطلاق إعادة إعمار سوريا، لكن رغم ذلك لا تبدو عودة هؤلاء قريبة.

زر الذهاب إلى الأعلى