لماذا سرب الإسرائيليون هذه المعلومات الآن؟
بقلم: ماهر أبو طير
النشرة الدولية –
تنشر الصحافة الاسرائيلية تقريرا مسربا مثل مطرقة على الرأس يقول ان اسرائيل قد تسمح بالتنقيب على الغاز امام شواطئ غزة وان ارباح الغاز ستعود للاسرائيليين والفلسطينيين، معاً.
واسرائيل ذاتها قبل ايام فقط تتوصل الى اتفاق مع اللبنانيين، يقول ان حقل كاريش بالكامل في الجانب الفلسطيني المحتل، بات للاسرائيليين، بعد مطالبات سابقة من جانب اللبنانيين، اضافة الى مطالبة اسرائيل بحصة في حقل قانا اللبناني، وهو حقل غاز آخر على طول شواطئ البحر الابيض المتوسط، الذي على ما يبدو يفيض بالغاز الطبيعي، الذي تحتاجه اوروبا بشدة.
هكذا اذا هي القصة حزب الله في لبنان، سكت على الاتفاقية اللبنانية مع الاسرائيليين، بوساطة اميركية على الرغم من ان حزب الله يقول اساسا ان كل فلسطين محتلة، وسواء كان حقل كاريش فلسطينيا، ام لبنانيا، الا انه في نهاية المطاف اصبح اسرائيليا، وتعامى الحزب عن مصير حقل كاريش، بل قبل ان تحصل اسرائيل جزئيا على بعض ارباح حقل قانا في حال بدء الانتاج، ولم نسمع اعتراضا علنيا ولا سريا من الحزب، على كون كاريش يعد منهوبا في الاساس، من الاحتلال.
غدا ستكبر قصة حقول غزة للغاز الطبيعي، وغزة بها حركات مسلحة، ولا أحد يعرف ماذا سيكون موقفها ايضا، في حال جرت وساطة بين اسرائيل والسلطة مثلا، او اسرائيل وحركات المقاومة عن طريق طرف ثالث بحيث يتمثل الاغراء بالتنقيب عن الغاز، وحصول السلطة، او غزة بحركاتها المسلحة، على حصة من العائدات، على ذات الطريقة اللبنانية مع الاسرائيليين.
الذي يجري ودون غمز من قناة احد، ان اسرائيل تسيطر على حقول الغاز على طول شواطئ الابيض المتوسط، وسواء كانت المفاوضات مباشرة او غير مباشرة، الا ان النتيجة واحدة، اي سيطرة اسرائيل على موارد المنطقة، من الماء الى النفط الى الغاز، دون ان يعترض احد.
اكثر من تسعة حقول غاز فلسطينية، تسيطر عليها اسرائيل بسبب الاحتلال، وهذه الكنوز تمنح اسرائيل قوة اقتصادية، من حقل تمار، الى لفياثان، وغيرها من حقول تجعلها تتحكم ايضا بالطاقة، والكهرباء في المنطقة، من حيث النتيجة، وهي اليوم، ستصل الى مرحلة سوف تتحكم في اوروبا في توقيت معين، اذا واصلت سيطرتها على حقول الغاز الفلسطينية، ثم اللبنانية وغيرها.
القراءات السياسية والاقتصادية لهذا المشهد خطيرة جدا، إذ ان الاحتلال يتوسع ولا يتراجع، ومنذ اليوم، اذا كبرت قصة حقول الغاز الفلسطينية امام شواطئ غزة، فسوف نرى معركة نفوذ حول من يقرر بشأنها، واذا ما كانت السلطة، او حركات غزة المسلحة، ومن سيحصد ارباحها المالية، وكيف سوف تتوزع، وكل ما نخشاه هنا، ان يتكرر النموذج اللبناني في غزة، اي تهديد الاسرائيليين اذا حاولوا الاقتراب، ثم دخول اطراف وسيطة، ثم الوصول الى صفقات، ثم الاختلاف بين ممثلي الفلسطينيين، حول من يمتلك القرار، وحرية التصرف بأموال الغاز.
نحن في زمن نتسم فيه بالضعف والهوان، واذا كنا لا نعترف بالاحتلال اصلا، الا انه يدير وجوده من خلال السيطرة على الموارد، وليس ادل على ذلك من ادارته لملف المياه في فلسطين، بطريقة مختلفة، وسيطرته على كل الموارد الطبيعية، والثروات، وما تنتجه الزراعة وبقية القطاعات في دولة الاحتلال، التي يتدفق اليها الآن اغنياء الروس والاوكران، بعشرات الآلاف، بسبب الحرب، وبما يعنيه ذلك من حيث الأثر الاجمالي على مستوى رؤوس الاموال، والخبرات العلمية والتقنية.
من المؤلم حقا ان نصل الى هذه الحالة، لكننا نسأل بحق اذا كنا سنقف عند هذه الانحدارات ام سنصل الى انحدارات اكثر وعورة، حين نتفرج على ثروات منطقتنا وهي تحت النهب، فيما دول المنطقة لا تجد الماء ولا الكهرباء، وتكافح فقط من أجل تأمين رغيف الخبز، اذا توفر اساسا.
تسريب الاسرائيليين لهذه المعلومات حول غزة التي بها حركات مسلحة، بعد ايام من اتفاق مع لبنان، التي يسيطر عليها حزب مسلح ايضا، مقابل سلطة اوسلو هناك، ودولة لبنانية هنا، يثير التساؤلات حول التطابقات في الحالتين، او التناقضات، حين تقطف اسرائيل كل هذه الثروات المنهوبة وتمر عبر كل بوابات الهيئات الرسمية العربية، وحركات المقاومة، بكل يسر وسهولة.