الفقر… الوجه الآخر لانتفاضة نساء طهران

نحو 250 ألف من الإيرانيين يمتلكون ثروة تبلغ مليون دولار وسط زيادة نسبة المعدمين إلى 60 في المئة خلال 2022

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية –

ككرة الثلج تدحرجت احتجاجات طهران إثر وفاة الشابة الكردية مهسا أميني في 16 سبتمبر (أيلول) الماضي، ومنذ ذلك اليوم لا يمر نهار دون خروج الإيرانيات والإيرانيين إلى الشوارع والساحات وأروقة الجامعات والمدارس في أماكن متفرقة من البلاد.

بداية الاحتجاجات كانت غضباً وحزناً على وفاة أميني، وتحولت ضد السلطات والنظام الحاكم، ولعل الشعارات التي رفعت خير دليل عما يعتمل داخل صدور الإيرانيين، خصوصاً فئة الشباب، شعارات مثل “امرأة، حياة، حرية” و”تسقط الجمهورية الإسلامية”، و”الموت للديكتاتور”. وكان من اللافت حملات التضامن التي انتشرت على نطاق واسع حول العالم، بحيث تجاوز هاشتاغ #مهسا_أميني، الذي استخدمه الناشطون على موقع “تويتر” بعد مقتلها 80 مليوناً حتى آواخر سبتمبر الماضي، واستخدم هذا الوسم عديد من السياسيين والفنانين وغيرهم من الشخصيات المؤثرة، مع دخول التظاهرات أسبوعها الرابع، كانت قد انتشرت في أهم مدن ومحافظات إيرانية، كشيراز، وجزيرة كيش السياحية، وبلوشستان، وسنندج، وأصبح حرق صور المرشد الأعلى علي خامنئي صفة ملازمة تقريباً لكل تظاهرة.

سوسن مهنا

“حرية تعبير” والمرأة الإيرانية

تصدرت المرأة الإيرانية المشهد ومشاركتها المستمرة في الاحتجاجات على رغم جهود السلطات المركزة والمتزايدة في قمعها، وإطلاق تسمية “انتفاضة المرأة” على تلك الاحتجاجات مؤشر إلى أن العالم ينظر باهتمام إلى حركة حقوق المرأة في إيران، وهذا ما دفع كبار مراكز الأبحاث ومنظمات أممية لدعمها.

ومنذ يوليو (تموز) الماضي تشاركت النساء في إيران بتحدي النظام عبر خلع الحجاب، وأطلقن حملة “لا للحجاب” عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا ما استفز النظام، وهدد مسؤولون إيرانيون بمواجهة الحملة الحقوقية وانتشرت فيديوهات تظهر قمع الشرطة الدينية، ورد وزير الداخلية على الحملة قائلاً، “إن الشرطة ستتعامل مع منتهكي الأعراف الاجتماعية، ولن تسمح بمسايرة الأعداء من أجل التخريب وتلويث الأجواء في المجتمع”. أيضاً وضمن حالة الاصطفاف ضد أي حركة نسائية تعبيرية في البلاد، قال رئيس منظمة التوجيه العقائدي والسياسي للجيش عباس محمد حسني، رداً على احتجاجات النساء ضد الحجاب الإجباري، “إذا ضاع الحجاب والعفة كأول ساتر ضد حرب العدو الناعمة، فسوف نخسر سواترنا الأخرى أيضاً”.

الجدير ذكره أن الإيرانيات دائماً ما يكن في الصفوف الأولى لأي حركة احتجاجية ضد نظام الملالي، حيث أسست الصحافية الإيرانية في المنفى مسيح علي نجاد صفحة حركة “حريتي الخفية” التي انطلقت عبر موقع التواصل الاجتماعي عام 2014، وتمثل هدفها في الدفاع عن حرية المرأة في إيران، وذلك من خلال تشجيعهن على خلع الحجاب والتقاط صور، وهذا ما دفع كثيراً من الإيرانيات إلى نشر فيديوهات لأنفسهن وهن من دون حجاب ومقاطع أخرى يتعرضن فيها للتحرش في الشوارع ونشرها على الصفحة، ومنذ ذلك الوقت أصبح خلع الحجاب رمزاً لمعارضة النظام الحاكم في إيران.

women_in_Istanbul_EFE.jpg

الفقر الوجه الآخر للاحتجاجات

في تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية 11 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، بعنوان احتجاجات الشباب في إيران تهز نظاماً يعاني الشيخوخة”، يقول، “إنه منذ ما يقرب من شهر وقف شباب إيرانيون، ورجال ونساء وطلاب جامعات بوجه قوات الأمن في موجة من الاحتجاجات غير العادية في إيران بعد مقتل شابة رهن احتجاز الشرطة، وشاهد العالم نساء شجاعات يخلعن حجابهن ويحرقنه علناً وهن يعرفن جيداً العواقب المحتملة، في وقت اجتذب تحديهم موجة دعم على مستوى البلاد، وتوحيد جماعات متباينة الاتجاه”.

تضيف، إن “الجيل الشاب الذي لم يعرف سوى الحياة في ظل الجمهورية الإسلامية ونشأ في عصر الإنترنت أبدى عزماً فولاذياً على التنصل من السمات الرئيسة للحكم الديني، وأوضحت الصحيفة أن الرجال وحتى بعض الفصائل الدينية أعربوا عن دعمهم للاحتجاجات، التي انتشرت في جميع أنحاء إيران وتحول إحباط المواطنين إلى غضب في بلد يعيش فيه 30 في المئة من الناس تحت خط الفقر بسبب العقوبات الغربية وسوء الإدارة الحكومية المزمن”.

وتمر إيران بأزمة اقتصادية خانقة بسبب العقوبات التي أعادت الولايات المتحدة فرضها عليها عند انسحابها من الاتفاق النووي عام 2018، وتضاعفت نسبة الفقر ثلاث مرات منذ عام 1979، بحسب صحيفة “جهان صنعت” الإيرانية المتخصصة في عالم الصناعة، التي نشرت تقريراً في أغسطس (آب) الماضي بعنوان “خطأ نصف قرن”، كشف أن حوالى 20 في المئة من الإيرانيين كانوا عام 1979 تحت خط الفقر، ولكن عام 1988 وصل هذا الرقم من الفقراء إلى حوالى 40 في المئة، وعام 2021 وصل عدد السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى نحو 52 في المئة، وحوالى 60 في المئة من أفراد المجتمع باتوا تحت خط الفقر خلال العام الحالي، ومعظمهم يعيشون في فقر مدقع.

 خلال فترة الاضطرابات التي شهدتها إيران، آواخر عام 2017 وبداية عام 2018، قال البروفيسور المعروف في العلوم السياسية في طهران صادق زيباكلام عبر مقابلة أُجريت معه، إنه لو أجرت إيران استفتاءً حول الجمهورية الإسلامية اليوم، لعارضها أكثر من 70 في المئة، وتشمل هذه النسبة الأثرياء والأكاديميين ورجال الدين والمقيمين في الريف والمدينة.

الجمهورية الإيرانية “غارقة في البؤس”

يقول “محمد حسن آصفري” عضو لجنة المجالس والشؤون الداخلية في مجلس الشورى الإيراني، إن هناك تسعة ملايين أسرة إيرانية تعيش تحت خط الفقر، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الحكومية  في السادس من مايو (أيار) 2022، وجاء في أول تقرير لوزارة التعاون والعمل والرفاه في حكومة إبراهيم رئيسي نشر في أغسطس (آب) 2021 “أن عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر في إيران وصل إلى 36 مليون شخص عام 2020″، في حين كشف “شهاب نادري” النائب بالمجلس في الوقت ذاته سنة 2017 أن 80 في المئة من المجتمع الإيراني يعيش تحت خط الفقر.

 في دراسة للمتخصص في العلاقات الدولية ودارسات التنمية بمعهد الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن علي فتح الله نجاد نشرت في يوليو 2019، بعنوان “بعد مرور أربعة عقود، هل وفت الثورة الإيرانية بوعودها؟”. تقول الدراسة “أُطلقت الثورة التي جرت ضمن إطار فكر ماركسي إسلامي بالنيابة عن المستضعفين الذين تخلى عنهم نموذج التنمية غير المتساوي الذي انتهجه النظام الملكي، وفي العقود الأربعة اللاحقة، برز جدال حاد إزاء أداء الجمهورية الإسلامية الاجتماعي الاقتصادي، ففيما ادعى بعضهم أنه تم إحراز تقدم ملحوظ في ظل النظام الإسلاموي، وصف الآخر البلاد بأنها غارقة في البؤس، لذا تبرز الحاجة إلى مزيد من التفاصيل والسياقات.

لا شك أن إيران أحرزت تقدماً على مدى السنوات الأربعين التي خلت، غير أن الجدال لا يزال محتدماً في ما إذا كان مرد هذه النجاحات لسياسات ما بعد الثورة أم الضغوط الاجتماعية أم الأسس التي وضعها الشاه، وعلى عكس الفترة قبل الثورة يحظى معظم الإيرانيين اليوم بالخدمات الأساسية والبينة التحتية، في الوقت الذي تضاعف فيه عدد السكان مرتين تقريباً وبات الطابع الحضري يطال معظم البلاد.

زر الذهاب إلى الأعلى