لماذا رفضت سوريا استقبال وفد لبنان لترسيم الحدود البحرية؟

عون حرك الملف بعد اتصال مع الأسد ومراقبون يبررون تصرف دمشق برغبتها في إعادة العلاقات السياسية أولا

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية  – دنيز رحمة فخري –

في سعي دؤوب إلى توسيع لائحة الإنجازات التي سيطل بها الرئيس اللبناني ميشال عون في خطابه الوداعي الأخير قبل الـ 31 من أكتوبر (تشرين الأول)، وفي خطوة اعتبرت أنها لإعطاء دفعة أمل لمناصريه المحاصرين بنتائج العهد السلبية، حرك عون ملفاً عالقاً منذ زمن وهو ترسيم الحدود البحرية الشمالية مع سوريا، وكلف نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب ترؤس الوفد اللبناني، لكن دمشق اعتذرت عن استقباله بحجة ارتباطات مسبقة.

وشكك كثيرون في نيات رئيس الجمهورية وأهدافه، وهل المقصود هو الاكتفاء بتحريك الملف إعلامياً لأهداف شعبوية تخدم استمرارية التيار الوطني الحر بعد انتهاء العهد، خصوصاً أن زيارة الوفد اللبناني إلى سوريا كانت ستحصل قبل أربعة أيام من مغادرة رئيس الجمهورية قصر بعبدا، وبالتالي لن يجد الوفد المفاوض بعد الزيارة الأولى وربما الثانية إن حصلت، من يقدمون له تقريراً في قصر بعبدا، بخاصة أن كل الأجواء توحي بدخول البلاد شغوراً رئاسياً، والدستور ترك التفاوض وعقد الاتفاقات والتفاهمات لرئيس الجمهورية.

سوريا تعتذر

وكشف مصدر دبلوماسي في الخارجية اللبنانية لـ “اندبندنت عربية” أن لبنان طلب مساء الأحد مواعيد من المسؤولين في سوريا، ومن بينهم نظراء الوزراء المشكلين في الوفد اللبناني، وتلقت الوزارة مساء الإثنين كتاباً عبر السفارة السورية في لبنان يعتذر من استقبال الوفد اللبناني لترسيم الحدود بحجة ارتباطات مسبقة، لكن مصادر دبلوماسية ردت الاعتذار السوري إلى إصرار دمشق على أن يزورها رئيس الحكومة اللبناني كشرط لإعادة العلاقات إلى مستواها السياسي السابق.

هذه اللاحماسة السورية في بدء الحوار مع لبنان حول الترسيم البحري ترافقت مع معلومات كشفت عنها مصادر سياسية رفيعة لـ “اندبندنت عربية” من أن رئيس الجمهورية ميشال عون وعلى عكس ما روج، لم يتناول في الاتصال الذي أجراه برئيس النظام السوري بشار الأسد قبل أيام مسألة الحدود البحرية، ولم يتطرق لا من قريب أو بعيد إلى بدء مفاوضات ثنائية حول هذا الموضوع، وأن البحث بقي في العموميات ولم يدخل في التفاصيل.

وقالت المصادر إن خطوة عون التي تفرد باتخاذها كانت موضع استياء داخلي من قبل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري. وتؤكد مصادر ميقاتي أن عون خالف الدستور عندما قام بتشكيل الوفد الذي هو من مهمات مجلس الوزراء، متسائلة “هل يعقل أن يشكل وفد وزاري برئاسة نائب؟ وهل نحن في نظام رئاسي؟ وهل لا يزال عون في زمن ما قبل الطائف؟”.

وإذ تؤكد مصادر ميقاتي أن الأخير تجنب التعليق لعدم الدخول في أزمة مع عون خلال آخر أيام عهده، توقعت أن تنتهي مهمة الوفد اللبناني قبل أن تبدأ، وإن عادت وحصلت الزيارة فيمكن أن تكون يتيمة ولن تصل إلى أية نتيجة.

في المقابل تؤكد مصادر مقربة من رئيس الجمهورية أن ميقاتي شارك في تشكيل الوفد اللبناني، وهو الذي اقترح اسم اللواء عباس إبراهيم ليكون ضمن الوفد، إضافة إلى عضو مجلس إدارة هيئة قطاع النفط وسام ذهبي، وتجزم مصادر بعبدا أن رئيس الجمهورية تواصل مع ميقاتي وكلف المدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير بمتابعة تفاصيل الوفد والزيارة مع رئيس الحكومة، كما تؤكد المصادر نفسها أن دوائر القصر تواصلت مع قيادة الجيش وأن الأخيرة لم تبد حماسة للتفاوض على الحدود البحرية مع سوريا من دون ضمانة بأن ينسحب الأمر على فتح ملف الحدود البرية أيضاً.

ما الذي تغير؟

لم يكن التكليف الحالي لمتابعة ملف ترسيم الحدود البحرية مع سوريا الأول، ففي أبريل (نيسان) 2021 اضطر رئيس الجمهورية ميشال عون بعد مطالبات عدد من القوى المناهضة للنظام السوري إلى تكليف وفد عسكري ترأسه العميد بسام ياسين لمتابعة الملف، وذلك بعد إعلان وزارة النفط السورية في مارس (آذار) 2021 توقيع اتفاق مع شركة “كابيتال” الروسية للتنقيب عن النفط في مقابل ساحل طرطوس حتى الحدود البحرية الجنوبية السورية – اللبنانية بمساحة 2250 كيلومتراً مربعاً، وقد فوجئ لبنان بأن الإحداثيات المتعلقة بحدود البلوك الملزم والمنصوص عنها في العقد، تتداخل مع البلوكين (1) و(2) من الجانب اللبناني بما يقارب 750 كيلومتراً مربعاً داخل الحدود البحرية اللبنانية، إضافة إلى قضم الجانب السوري مساحة 150 كيلومتراً مربعاً في المنطقة المحاذية للبلوكات، ليصبح مجموع المنطقة المتنازع عليها مع سوريا 900 كيلومتر مربع، وفق ما يؤكد العميد ياسين لـ “اندبندنت عربية”.

ولم يتمكن الوفد العسكري حينها من زيارة سوريا، ولم يؤد مهمته على رغم وعود أطلقت بتمهيد بعض الوسطاء الطريق لإجراء المحادثات التقنية والفنية، الأمر الذي لم يحصل نظراً إلى اشتراط الأسد إجراء محادثات سياسية قبل الفنية.

وبعد عام ونصف العام حرك الرئيس ميشال عون الملف مجدداً وكلف وفداً سياسياً يترأسه أحد المقربين منه، وسط تساؤلات حول توقيت القرار وطبيعة مهمة الوفد، خصوصاً أن اعتذار الجانب السوري عن استقبال الوفد اللبناني أظهر تسرعاً رئاسياً لبنانياً لم تفهم أهدافه بعد.

وكشفت مصادر عسكرية في وزارة الدفاع عن أن قيادة الجيش لم تسأل حول هذه القضية، فيما كان المكتب الإعلامي للقصر الجمهوري يعلن رسمياً أن الوفد الذي سيزور سوريا الأربعاء يضم إلى نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب الذي هو أيضاً عضو تكتل التيار الوطني الحر، وزير الخارجية عبدالله بو حبيب، ووزير الأشغال العامة والنقل علي حمية، ومدير الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، إضافة إلى عضوي مجلس إدارة هيئة قطاع النفط وسام شباط ووسام ذهبي. كما يضم الوفد وفق ما ذكرت مصادر في قصر بعبدا رئيس مصلحة الـ “هيدروغرافيا” في الجيش اللبناني المقدم عفيف غيث، الذي لم يذكر اسمه في البيان الصادر عن القصر.

سر الاعتذار السوري

وتعليقاً على الاعتذار السوري قال نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب لـ “اندبندنت عربية” إنه “من الواضح أن الجانب السوري غير جاهز لفتح ملف الترسيم مع لبنان خلال المرحلة الحالية”،

ورفض بو صعب القول إن رئيس الجمهورية تسرع في تحديد الوفد والزيارة مستبقاً الرد السوري، وأكد أن تحديد الموعد أتى بعد تلقي وزارة الخارجية اللبنانية رداً من الخارجية السورية عبر السفارة في لبنان، قامت على أثره الخارجية اللبنانية بإرسال كتاب تطلب فيه تحديد الموعد.

وتنفي مصادر في الخارجية أن يكون قد حصل أي خطأ بروتوكولي في تحديد الموعد، مؤكدة أن لبنان اتبع الأصول الدبلوماسية وانتظر الرد السوري قبل توجيه الكتاب الذي يطلب فيه المواعيد في سوريا.

وفسر كثيرون في لبنان ومن بينهم مراجع رسمية الاعتذار السوري بقطع الطريق أمام أي احتمال لتوسيع البحث في الحدود المشتركة مع لبنان ليشمل ملف مزارع شبعا.

ويشرح مصدر نيابي رفض الكشف عن اسمه أن النظام السوري وجد فرصة لمحاسبة لبنان على كل المرحلة السابقة، وهو يقول للمسؤولين “لم تسألوا عنا طوال الفترة السابقة فلماذا نرد عليكم الآن؟”.

لكن هل سقطت بذلك فكرة تحريك الملف ومطالبة لبنان بترسيم الحدود البحرية شمالاً؟ يرد نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب “قد يكون الموضوع أرجئ حالياً، لكن الأكيد أن أي رئيس جديد لا يمكن أن يتراجع عن السقف الذي كرسه الرئيس عون في تشكيل الوفد وبمهمة واضحة، وهي المطالبة بحق لبنان وفتح الطريق أمام التفاوض”.

زر الذهاب إلى الأعلى