هل هناك ملاذات بديلة؟
بقلم: ماهر أبو طير

النشرة الدولية –

لا تعرف أين هي الملاذات البديلة هذه الأيام، إذ إن أولئك الذين يرغبون بالهجرة من العالم العربي، يقفون أمام مشهد مذهل، فالدول التي يرغبون بالهجرة اليها، يفر مواطنوها منها.

هذه قد تبدو مبالغة في نظر البعض، لكن هذا هو الواقع المستجد، وبين أيدينا دراسة أجرتها شركة توتال جوبز تقول إن حوالي 4.5 مليون بريطاني يفكرون في الانتقال إلى الخارج من أجل نوعية حياة أفضل، بسبب الغلاء المعيشي، والأزمة الاقتصادية التي أصبحت ترهق العائلات.

هذا مجرد نموذج، والدول الجاذبة للهجرات من الولايات المتحدة إلى كندا واستراليا، وبعض دول اوروبا، تتعرض الى تغييرات جذرية، على مستوى البنية الاقتصادية، والغلاء، وهذا غلاء يشمل كل شيء من ايجار البيوت، الى كلفة المواد الغذائية، والعلاج، وصولا الى التدفئة والمواصلات.

في دراسة سابقة في الأردن، كشفت الدراسة التي اجراها مركز الباروميتر العربي أن 48 % من الأردنيين يتشاركون الرغبة بالهجرة إلى الولايات المتحدة أو دول أوروبية أو أجنبية بشكل عام، والمفارقة ان نسبة الأردنيين هنا اعلى من دول عربية، بعضها محتل او مدمر، حيث يفكر بالهجرة 38 % من اللبنانيين، و35 % من العراقيين، و25 % من الفلسطينيين، و24 % من الليبيين.

لو سألت هنا أحدا لماذا ترغب بالهجرة برغم التقلبات الخطيرة في العالم، وهل هناك مايغري في الهجرة برغم شكوى وتذمر الأردنيين والعرب في المهاجر من ظروفهم الحالية، يقال لك إن الظروف مهما اصبحت صعبة في دول مختلفة، تبقى افضل من العيش في العالم العربي، عموما، وربما تتراجع مستويات الحياة في الولايات المتحدة واميركا واستراليا وكندا، الا انها لن تكون في كل الاحوال مثل الحياة في العالم العربي، حيث لا حياة كريمة، ولا حقوق انسان، ولا اي امل في الافق لمن يعمل، وربما في حالات كثيرة، لا فرق بين من يعمل، وبين من هو متعطل عن العمل.

لكن تتوجب الاشارة هنا الى نقطة مهمة، وهي ان مستويات الحياة في مثل هذه الدول، حساسة للتراجع اكثر من دول العالم العربي، بسبب مستوى الرفاهية والخدمات، واي تراجعات قد لا يحتملها سكان تلك الدول، فيما العالم العربي، في اغلب دوله خرب اصلا، وكأن قدرنا ان نكون في ذيل الامم، بحيث لن نميز اليوم بين الثبات والتطور والتراجع، مادامت الفروقات الحضارية بيننا وبين دول كثيرة في العالم، فروقات هائلة، لا يمكن تغطيتها بالوعود، ولا بالأحلام حول المستقبل.

المفارقة الثانية ان العالم العربي، من اغنى مناطق العالم من حيث الموارد، لكن اهله يتعرضون الى الحروب والصراعات والفساد وسوء الادارة وغياب العدالة وفوضى التخطيط، والتجبر والدكتاتورية، وهنا تغيب اغلب حقوق الانسان بما تعنيه، بما يجعل عالمنا طاردا للبشر منه.

برغم التراجعات في دول كبرى ومتطورة يتوجب ان يقال هنا، ان الرغبة بالهجرة تزداد ولا تنخفض، حتى برغم المخاوف من حرب عالمية ثالثة، ومشاكل اوروبا مثلا من حيث الغلاء وازمات الوقود والتدفئة، والسيناريوهات التي تتحدث عن التضخم واغلاق ملايين الوظائف، والركود، لان الانسان العربي لن يقارن بين بيئته التي يراها الخربة، والبيئة الاقتصادية في دول ثانية والتي برأيه انها ستبقى افضل واحسن، مهما تدهورت الظروف المعيشية في تلك الدول المتطورة.

العالم العربي امام فرصة نادرة في ظل اعتدال المناخ من جهة، وتوفر الموارد، والقدرات البشرية، وبعده عن مواقع الازمات العالمية، وان كان يتأثر بها، لأن ينهض ويحافظ على مخزونه البشري، بدلا من مواصله طرده الى الخارج، ولو عبر التسلل مشيا من خلال عشر دول، خصوصا، ان التوقيت الدولي فاصل هذه الايام، وقد نشهد خروج دول من خارطة التأثير العالمي، لصالح دول ثانية، ولن نكون في العالم العربي، من ورثة الخارطة القديمة، خصوصا، مع الفروقات المرعبة على مستوى التعليم المؤثر، والكيفية البائسة التي تتم بها صناعة اجيال المستقبل العربي.

اكثر ما يرهق اليوم، هو كثرة الاغلاقات في وجوه اهل المنطقة، والملاذات البديلة يتراجع عددها يوما بعد يوم، وكأنه مكتوب علينا، الا نعيش في بلادنا، والا نجد بديلا عنها من اجل حياة كريمة.

زر الذهاب إلى الأعلى