الفيلم الهندي المشوق
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
لا يتفق الكثير مع آرائي وأفكاري عن الهنود، لأسباب لا مجال لسردها، ولكن عدد هؤلاء في تناقص مستمر منذ أول مرة أبديت فيها إعجابي بحضارة الهند وثقافتها، مع ستينيات القرن الماضي!.
***
يصعب عدم تخيل ما سيكون عليه رد فعل أو تصرف الزعيمين، الهندي المهاتما غاندي، والبريطاني ونستون تشرتشل على نبأ تقلد الهندوسي سوناك منصب زعيم بريطانيا العظمى، الدولة التي كانت يوماً الأكثر طبقية وعنصرية، وذات التاريخ الاستعماري الأكبر والأكثر طولاً، والتي حكمت نصف العالم، واستمر استعمارها للهند 90 عاماً، أذاقت خلالها شعبها صنوف المذلة.
سأتخيل أن غاندي سيلتزم الصمت، ولن نرى غير ابتسامته العريضة المتشفية، وهو يهز رأسه، مخاطباً نفسه: آتِشا.. انتصرنا عليكم ثانية، وهذه المرة في عقر داركم!
أما تشرشل فسيعض على سيجاره بغيظ، ويتمتم: تباً لكم، لقد هزمتم بريطانيا وكل تاريخها الاستعماري!
يبدو المشهد العام في المملكة المتحدة سريالياً، وأقرب لفيلم هندي يصعب تصديق أحداثه، أو قصة شكسبيرية الحبكة، فالمسلم صادق خان الباكستاني، هو عمدة العاصمة لندن، واليهودي غرانت شابي، هو وزير للأعمال، والموريشيسية الأصل الكاثوليكية الديانة يونيلا برافيرمان هي وزيرة للداخلية، والهندوسي ريشي سوناك رئيس لوزارة الإمبراطورية، والبروتستانتي شارلز ملك ورأس للكنيسة.
لا يهم ما يعتقده البعض، ولكن بريطانيا هي الفائزة في هذا الحدث الغريب، فمن كان يصدق، حتى قبل شهر، دع عنك قبل 75 عاما، أن رئيس وزراء بريطانيا سيكون رجلا ملوناً وهندوسياً تقليدياً ملتزماً، لا يقرب الخمر، وابن مهاجرين هنديين من شرقي أفريقيا.. متواضعين، وأنه في بداية أربعينياته، بعد أن يئس حزب المحافظين العريق، الذي تأسس قبل 200 عام تقريباً، من أن يجد رئيساً كفؤا يتصف ببياض البشرة والإيمان بالبروتستانتية، ويتمتع بأصالة العرق؛ ليصبح رئيساً للوزراء؟
ما حصل حدث غير مسبوق وعظيم الأهمية، ويسجل لمصلحة البراغماتية الإنكليزية، والتسامح الذي أصبحت بريطانيا، وغالبية دول العالم المتمدن، تتسم به، بعد تاريخ استعماري طويل، وظالم ومتعجرف تجاه كل شعوب العالم!
يحدث هذا في بريطانيا.. العظمى، وهذا سر عظمتها، ولا نتخيل حدوث، ولو شيء قريب منه، في دولنا. فمصر لا تتحمل مسؤولاً كبيراً، عسكرياً كان أو مدنياً، إن كان قبطياً، دع عنك أن يكون رئيساً للوزراء. حتى الهند أصبحت اليوم أكثر عنصرية من بريطانيا، ولو مؤقتاً. كما لا نتخيل أن الكويت، وطننا الصغير، ستتخلى قريباً عن قاعدة المحاصصة التي دأبت عليها منذ الاستقلال وحتى اليوم، وتتجه قريباً لتعيين الكفاءات في كل أو غالبية حقائب الوزارة حتى لو كانوا في غالبيتهم من قبيلة أو طائفة واحدة. أو قبول عدم وجود أي منهم في أي وزارة تالية، إن كان المعيار هو الكفاءة، وليس المعرفة الشخصية والمحاصصة!
إن ما حدث في بريطانيا وغيرها من الدول «المهذبة» درسٌ لنا جميعاً، فدعونا نتعلم منهم شيئاً.
ودعونا نحلم، فقد حلم غاندي، ونال ما أراد.
وحلم منديلا، ونال ما أراد.
وحلم سوناك ونال ما أراد.
وسنحلم بالتسامح والمساواة، فلربما ننال ما نريد، قبل أن يحين أجلنا ونرحل!