الصداقة الأزلية والمقارنة مع الصين
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
أثار اختيار ريشي سوناك رئيساً لوزراء بريطانيا موجة من ردات الفعل، لم ينلها من سبقوه في ذلك السبق، مثل رئيس وزراء أيرلندا ليو فرادكار Leo Varadkar، الهندي الأصل، الذي أعيد انتخابه ثانية، على الرغم من إقراره بمثليته، في دولة كاثوليكية حتى النخاع!
كما أن أنطونيو كوستا A.Costa انتُخب رئيساً لوزراء البرتغال، وهو من أصل هندي، ومن جوا، المستعمرة البرتغالية السابقة. ولا ننسَ في هذه العجالة نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس فهي أيضاً من أصل هندي، إضافة إلى أصول مديري كبرى الشركات العالمية، مثل غوغل ومايكروسوفت وتويتر، قبل أن يُقال مؤخراً، وآي بي إم، وماستركارد، وبيبسي كولا، قبل تقاعدها، والقائمة في نمو مستمر مع تعيين لاكسمان ناراسيمهان رئيساً لستاركس، وديفيك بولشانداني رئيسة لشركة أوجيلفي، عملاق الإعلان الذي ينتشر في 93 دولة.
***
لماذا يتوافر كل هذا العدد الكبير من الهنود أو من تعود أصولهم إلى الهند في هذه المناصب البالغة الأهمية؟ ولماذا لا يتوافر ما يماثلهم عدداً وخبرة من الكوريين واليابانيين والصينيين، مثلاً، والصين متقدمة تكنولوجيا على الهند، وأقوى منها وأكثر غنى؟
ولماذا لا يتوافر بين هؤلاء الرؤساء مسلمون من شبه القارة الهندية (الهند وباكستان) وعددهم يقارب الـ500 مليون؟
ليس هناك اتفاق على سبب تفوق الهنود الهندوس بالذات، فالبعض يرجعه إلى ذهنيتهم المنفتحة، وعدم اليقين بداخلهم الذي يدفعهم إلى البحث، وسعيهم إلى حياة أفضل خارج الوطن. أما المواهب الصينية فإنها تفضل العودة إلى وطنها بعد تلقيها العلم في الغرب، وإن أبدعت في الداخل بقيت هناك.
كما يعتقد البعض أن الصين لم تكن يوماً جزءاً من ثقافة العالم الغربي، وصعوبة تكيُّف الصيني في الدول الغربية، وإن هاجروا لها بقوا غالباً في محيط مدنهم الصينية China Towns، التي لا نجد ما يماثلها للهنود، الأكثر انسجاماً، مقارنة بالصينيين أو اليابانيين، مع المجتمعات الغربية.
كما يرى البعض أن الهنود نبغوا ووصلوا؛ لأن غالبيتهم مواطنون أميركيون، تلقى أغلبهم دراساتهم العليا في جامعات أميركية، وبقوا فيها. كما أن نظام التعليم في الهند اعتمد على اللغة الإنكليزية في المقام الأول، وهذا يجعلهم قوة عاملة مفضلة مقارنة بأي قوة أخرى من الدول الآسيوية، إضافةً إلى شغف الهندي بالعمل في الخارج، وتواضعه وسهولة العمل معه.
فرض المستعمر البريطاني «الإنكليزية» على الهنود ليس حباً فيهم، بل للاستعانة بهم في أداء الأعمال الحكومية الإدارية، خلال فترة حكمهم. كما بنوا مدارس ومعاهد لتعليمها، مثلما بنوا أكبر شبكة سكك حديد في العالم، لنقل منهوباتهم منها إلى الموانئ.
كما أن الطبقة السياسية المستنيرة، التي حكمت الهند بعد الاستقلال، وبالذات نهرو، شجعت على تدريس العلوم والرياضيات. كما تم التركيز في العقود الثلاثة الأخيرة على برامج وفنون الكمبيوتر. كما كان لمعاهد IIT أو معاهد الهند للتكنولوجيا، الشبيهة بـMIT الأميركية دور حسن في رفد سوق العمل بكوادر عالية التخصص في مختلف العلوم، ولم يكن مستغرباً أن مراكز الرد الآلي أو البشري لكبريات شركات التكنولوجيا في العالم تقع في مدن هندية.
***
من كل ذلك، وغيرها من الأسباب، نجد أن السر في وصول هذا العدد المميز لمن تعود أصولهم للهند إلى أعلى المناصب السياسية والإدارية، خارج وطنهم، لا يعود لسبب واحد، بل لمجموعة معقدة من العوامل!
كنت دائماً فخوراً بصداقاتي وشراكاتي مع الهنود، وسأبقى كذلك، ما حييت!