حدود «محسوبة» للدعم الخارجي للاحتجاجات في إيران… غضب داخلي متزايد واحتجاج خارجي لا يرقى إلى ما هو مطلوب
النشرة الدولية –
مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة – أبوظبي
أعلن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، في 21 أكتوبر 2022، أن الاحتجاجات الراهنة التي تشهدها المدن الإيرانية على خلفية حادث وفاة الفتاة «مهسا أميني»، أسفرت عن مقتل أكثر من 400، واعتقال أكثر من 20 ألف شخص حتى الآن. ومن جانبه، أعلن الاتحاد الأوروبي، في 17 أكتوبر، فرض عقوبات على 11 فرداً وأربعة كيانات إيرانية، لاتهامهم بالمُشاركة في قمع المتظاهرين.
دخلت الاحتجاجات في إيران أسبوعها السابع على التوالي، ورغم أنها ليست الأولى التي تواجه النظام في طهران، فإن استمرارها هذه الفترة، من دون قدرة النظام على إخمادها أو إضعافها، يمنحها خصائص فريدة لم تكن موجودة في الحالات السابقة، ويمكن الوقوف على أبرز الأبعاد التي شهدتها تلك الاحتجاجات خلال الفترة الأخيرة على النحو الآتي:
شهدت الاحتجاجات الراهنة تمدداً للفئات الشعبية المُشاركة فيها، إذ دخل عمّال قطاع النفط في مصافٍ، مثل عبادان وكانجان ومشروع بوشهر للبتروكيماويات وغيرها، إلى الاحتجاجات الراهنة، ويحمل هذا الأمر دلالة لافتة، تتعلق بالدور التاريخي الذي لعبته هذه الفئة في إسقاط نظام الشاه، وإنجاح ثورة 1979.
وعلى الرغم من نفي النظام الإيراني أي علاقة لإضرابات عمّال النفط بالاحتجاجات الجارية، والزعم بأن السبب يرجع لعدم تقاضيهم رواتبهم منذ شهرين، فإن التقارير أشارت إلى أنهم، في الأيام الأخيرة، قد هدّدوا بالانضمام للاحتجاجات إذا لم يتوقف النظام عن عمليات القتل والاعتقالات بحق المتظاهرين.
كما تحمل تلك الفئة سخطاً مضاعفاً تجاه النظام، لأسباب تتعلق بما تعانيه من مشكلات بشأن حرمانهم حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن هيمنة الحرس الثوري على القطاع النفطي، وهو ما يُفسر تكرار الإضرابات والاعتصام الذي تقوم به تلك الفئة.
ومن جهة أخرى، شارك الأطباء في إيران في الاحتجاجات الراهنة، حيث نظّم عدد منهم تظاهرات في مدن عدة، مثل طهران وأصفهان وغيرهما، رافعين شعارات «من شيراز إلى كردستان، إيران أصبحت مقبرة»، فضلاً عن دخول المعلمين في إضرابات واعتصامات مفتوحة، احتجاجاً على مقتل واعتقال عدد كبير من تلاميذ المدارس خلال التظاهرات الراهنة.
اتّبع النظام الإيراني أسلوب قمع الاحتجاجات، وهو ما تجلّى في استخدام القوة المفرطة في مواجهة المحتجين، الأمر الذي أسفر عن وصول عدد القتلى إلى أكثر من 400 شخص، فضلاً عن اعتقال أكثر من 20 شخصاً، وذلك في نحو 19 محافظة، في مختلف المدن الإيرانية، وإن تركزوا في سيستان وبلوشستان ومازاندران وجيلان وكردستان وطهران، وذلك وفق ما أعلنته المعارضة الإيرانية.
هذا إلى جانب قيام السلطات القضائية بمحاكمة الموقوفين في الاحتجاجات بتهم واهية، تتعلق بـ«التجمهر والتآمر ضد البلاد»، و«الإخلال بالنظام العام»، فضلاً عن إصدار لائحة اتهامات ضد عدد منهم، تشمل «المحاربة»، وهي التهمة التي تفتح الباب أمام عقوبة الإعدام. وتستمر السلطات في تقييد استخدام الإيرانيين للإنترنت.
شهدت مدينة زاهدان، مركز محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية، احتجاجات واسعة، يوم 21 أكتوبر الماضي، شارك فيها المئات، مرددين شعارات مناهضة للنظام، وقد أسفر استخدام قوات الأمن للعنف تجاه المتظاهرين عن سقوط أكثر من 90 شخصاً، منذ بدء الاحتجاجات في المدينة، في 30 سبتمبر الماضي.
ورداً على العنف المُستخدم من جانب السلطات، فقد تم استهداف عناصر للحرس الثوري، وهو الأمر الذي تكرر مرات عدّة، كان آخرها، في 25 أكتوبر الماضي، حين تم الإعلان عن مقتل عنصرين من الحرس. وعلى الرغم من محاولة تبرير السلطات بأن حملتها الأمنية في المدينة، جاءت رداً على قيام مسلحي جماعة «جيش العدل» السنية، والتي تنشط في المنطقة، بمهاجمة ثلاثة مراكز للشرطة، فإن الواقع يُشير إلى أن التخوف الحقيقي للنظام نابع من أن يتم استغلال الاضطرابات الجارية، من قبل الجماعات البلوشية المتمردة لإثارة الفوضى ومهاجمة المراكز الشرطية.
يسعى النظام في طهران إلى صرف الانتباه عن الاحتجاجات الراهنة، وإيصال رسائل، للخارج والداخل، باستعداده لاستخدام القوة. فكما قام الحرس الثوري الإيراني بقصف مُتكرر على مواقع لجماعات مسلحة معارضة للنظام بإقليم كردستان العراق، باستخدام الطائرات المُسيرة والصواريخ البالستية، فقد أجرى كذلك مناورات عسكرية في محافظتي أردبيل وأذربيجان الشرقية على الحدود الشمالية مع جمهورية أذربيجان.
وعلى الرغم من أن تلك المناورات تهدف إلى إيصال رسائل تحذير للجانب الأذربيجاني، بعدم الإقدام على تغيير الجغرافيا السياسية للمنطقة، وعزل إيران عن أرمينيا بالسيطرة على ممر زانجيزور الواقع على الحدود بين الدولتيْن الأخيرتيْن، فإنها تُعد محاولة من جانب إيران للحيلولة دون أي تعاون بين أذربيجان والأقلية الآذرية في شمال البلاد، على غرار ما يحدث بين الجماعات المعارضة في كردستان العراق والمناطق التي يقطنها الأكراد في غرب إيران، ما قد يُعزز من النزعات الانفصالية لتلك الأقلية.
حظيت هذه الموجة من الاحتجاجات بدعم غربي رمزي، مقارنة بالتحركات السابقة في أعوام 2009 و2017 و2019، وتجلى هذا الدعم على المستويين الرسمي وغير الرسمي. ويمكن استعراض ذلك على النحو الآتي:
1- تشديد الضغوط والعقوبات على طهران
يكثّف الغرب والاتحاد الأوروبي من عقوباته على النظام الإيراني، لاستخدامه القمع في مواجهة المحتجين، فبالإضافة إلى فرض واشنطن عقوبات على «شرطة الأخلاق» الإيرانية، ومسؤولين أمنيين وعسكريين كبار، منذ بداية الاحتجاجات في منتصف سبتمبر 2022، فقد قامت أيضاً بإجراء مباحثات مع «إيلون ماسك»، مالك شركة «سبيس إكس»، بهدف تدشين تقنية «ستارلينك»، كحل مُحتمل لتوفير الإنترنت للإيرانيين عبر الأقمار الاصطناعية، بعد تقييده من جانب السلطات، وإن كان من غير الواضح ما إذا كان قد تم نشر أطباق الإرسال لستارلينك داخل إيران أم لا.
هذا إلى جانب فرض كندا ثلاث حزم متتالية من العقوبات التي تستهدف مسؤولي قمع الاحتجاجات في إيران، شملت «شرطة الأخلاق» وقيادات بوزارة الداخلية والحرس الثوري الإيراني، كما قامت بريطانيا بالأمر ذاته.
2- مواصلة التظاهرات في الخارج
لاقت الاحتجاجات الراهنة في إيران، دعماً واسعاً من قبل إيرانيي الخارج، بالإضافة إلى المتعاطفين مع الاحتجاجات من مواطني تلك الدول. ووصل الأمر إلى مهاجمة المتظاهرين للسفارات والمراكز التابعة لإيران بالخارج. وشهدت العاصمة الأميركية واشنطن تظاهرات واسعة من قبل الإيرانيين المقيمين في الولايات المتحدة، والإيرانيين من ذوي الأصول الأميركية، مرددين شعارات «احذرونا فنحن موحدون»، في دلالة لافتة وغير مسبوقة على توحيد مطالب الإيرانيين بالخارج، حول مطلب انتصار الاحتجاجات وانهيار النظام.
ومن جهة أخرى، شهدت العاصمة الألمانية برلين، أكبر مسيرة تدعم الاحتجاجات بالخارج، شارك فيها نحو 80 ألف شخص، بالإضافة إلى ما شهدته مدن أخرى في كندا وأستراليا، وغيرهما.
3- دعوة أوروبية لإنشاء آلية لمحاسبة مسؤولي القمع
أعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيقدم مشروع قرار إلى الأمم المتحدة لتشكيل آلية تحقيق ومحاسبة دولية بشأن انتهاكات السلطات الإيرانية بحق المتظاهرين، وهي الآلية التي من شأنها توقيع عقوبات قانونية وحقوقية ضد مسؤولي القمع في إيران، غير أنه ليس من الواضح مدى إمكانية قبول دول العالم المختلفة لتفعيل مثل هذه الآلية، حتى لا يتم إرساء سابقة يتم توظيفها في حالات تالية.
جيل جديد
يمكن القول إن إيران تشهد حالة من الاحتجاجات المتصاعدة، والتي تعود بالأساس إلى ظهور جيل جديد من الإيرانيين، لا يؤمن بقيم ومبادئ ثورة 1979، التي نتج عنها النظام الحالي. وفي ضوء تجاهل الأخير للمطالب الشعبية التي باتت تركز على تحسين الظروف المعيشية، ونيل الحريات الاجتماعية والسياسية، وارتكاز السلطات على الأسلوب القمعي في التعامل مع الاحتجاجات، فإنه من المُرجح استمرارها وتصاعد حدتها خلال الفترة المقبلة.
■ النظام الإيراني اتّبع أسلوب قمع الاحتجاجات، وهو ما تجلّى في استخدام القوة المفرطة في مواجهة المحتجين.
■ يسعى النظام في طهران إلى صرف الانتباه عن الاحتجاجات الراهنة، وإيصال رسائل، للخارج والداخل، باستعداده لاستخدام القوة.