مصر الخليجية والكويت المصرية
بقلم: سعد بن طفلة العجمي

العطاء بلا حدود رومانسية في الأفلام وليس في العلاقات بين الدول

النشرة الدولية –

أكتب من القاهرة التي لم أزرها منذ أكثر من سبع سنوات، زرت أماكن أخرى في مصر، لكني لا أتطلع إلى زيارة المدن الكبرى بشكل عام، والقاهرة خصوصاً لأن الصورة النمطية عنها لم تكن جميلة في عقلي الباطن، تلوث وضوضاء وازدحام خانق وفوضى مرورية، كما أن الأماكن التي يرتادها السياح في وسط القاهرة لا تعكس الصورة الحقيقية لطيبة المصريين وكرمهم، فغالباً ما تواجه في تلك الأماكن قلة ممن يتعاملون مع السياح كجهاز سحب نقدي، خصوصاً إن كنت من أهل الخليج. باختصار، أحب مصر ولا أكره القاهرة.

لكني وجدت قاهرة مختلفة تماماً هذه المرة. انسيابية في دخول المطار، وانسيابية مرورية لم تستغرق أكثر من نصف ساعة من المطار إلى وسط البلد، ميدان التحرير. وأكثر ما شد انتباهي مرورياً هو تراجع ظاهرة ضجيج منبهات السيارات، الزمور أو الكلكس! صحيح أنها أكثر في وسط البلد ولكنها تكاد تختفي في الضواحي والمدن الجديدة، الشيخ زايد و6 أكتوبر والتجمع الخامس.

تعيش مصر نهضة عمرانية هائلة ولكنها تمر بمرحلة اقتصادية صعبة، ديون وعجز في الموازنة العامة وتذبذب في صرف الجنيه المصري. المصريون معروفون بخفة الدم وتحويل الأزمات إلى نكات، قال لي أحدهم في معرض حديثه عن عدم استقرار صرف الجنيه، “يا بيه، الجنيه مش هيستقر إلا لما يتجوز ويعقل!”.

وعلى رغم ما تسمعه عن الأزمة الاقتصادية، إلا أنه هالني حجم المشاريع والمدن الجديدة، فمن القاهرة تتفرع اليوم طرق وجسور وشوارع معلقة وأنفاق وقطارات خففت بشكل ملحوظ من الازدحام الخانق الذي كان يوقف حركة المرور في مكانها لساعات.

يتفق معظم الأصدقاء من المثقفين المصريين الذين التقيتهم على أن مصر بحاجة إلى مسألتين للتغلب على مشكلاتها الاقتصادية، الحد من الفساد وتحقق في ذلك كثير لا يمكن إغفاله، ووقف الانفجار السكاني فلا يمكن لأي دولة أن تخطط لطرقها وبناها التحتية وللتعليم والإسكان والصحة والأمن وحاجات سوق العمل من دون ربط ذلك بتوقعات لأعداد السكان، فسكان مصر اليوم تجاوزوا 100 مليون وتشير التوقعات إلى بلوغ عدد السكان 124 مليوناً عام 2032، وما لم يكن هناك تنظيم أسري وديموغرافي لأعداد السكان، فلن تستطيع أي حكومة أن تخطط لمستقبل شعبها ورفاهيته وازدهاره.

نادراً ما يكرر زائر القاهرة زيارة الأماكن السياحية التقليدية كالأهرام، فغالباً ما يكتفي بزيارة واحدة لها، وكم من زوار باريس أو نيويورك كرروا زيارة برج إيفيل أو تمثال الحرية مثلاً؟ لكن زيارة القاهرة بالنسبة لي تستوجب طقوساً في كل مرة، مكتبة مدبولي والحسين. فللمكتبة حنين ورقي جميل، وفي الحسين ترى أهل القاهرة وتلقائية الناس الطيبين. يعج المكان بالسياح من كل مكان. أعجبتني نظافة حواري الحسين وأزقتها، لم تكن كذلك في زيارتي الماضية لها. جلسنا في المقهى الذي كان يجلس فيه نجيب محفوظ وسمي باسمه، له عبق مميز ونكهة خاصة.

سهرة التخت الشرقي في القاهرة من ضرورات زيارتها، وكانت هذه المرة في بيت أحد الأصدقاء الكرماء، “إمتى الزمان يسمح يا جميل واسهر معاك على شط النيل” و”ليه يا بنفسج بتبهج وانت زهر حزين”، وكلثوميات مختصرة وفن خالد لا تمحوه أجيال البوب والسح الدح امبو وبوس الواوا وبحبك يا حمار.

جرى حوار مع ثلة من المثقفين المصريين حول نظرة متابع خليجي، كاتب هذه المقالة، للأحداث، خصوصاً النظرة الخليجية إلى مصر. وجدت احتراماً للاختلاف وحساسية أقل من نظرة الآخر إلى مصر، وإن لم تعجبهم. وهو أمر يعكس الثقة بالناقد أو الناصح الخليجي لأن المصريين يدركون أن الخليجي هو الناقد الناصح المحب، وليس الشامت أو الحاقد على مصر وأهلها وما أكثرهم. قد تسمع، حتى في أوساط المثقفين، من يقول بنبرة فيها منّة، “إحنا حررنا الكويت، فليه الكويت ما تساعدش مصر؟”.

إن من ينكر دور مصر في تحرير الكويت وإرادتها وموقفها واحتضانها لآلاف الكويتيين أيام محنة احتلال بلادهم عام 1990، هو ناكر وجاحد، ولكن من ينكر دعم الكويت، ودول الخليج كافة بلا منة، لمصر في أزماتها الاقتصادية فهو جاهل أو جاحد، لكن يبقى التساؤل في أوساط متخذي القرار الخليجي منطقياً، كم المطلوب من دول الخليج كي تتعافى مصر اقتصادياً؟ فالعطاء بلا حدود رومانسية في الأفلام وليس في العلاقات بين الدول، وليس من المعقول في عالم الاقتصاد والمال والأرقام أن يعطي طرف طرفاً آخر بلا أرقام، وليس من المنطق الاقتصادي أن تطلب دولة ما الدعم بلا خطط وبرامج وموازنات وأرقام محددة، أو في الأقل متوقعة، وهذا من أبجديات علم الاقتصاد.

إن الارتباط المصيري والعضوي بين دول الخليج ومصر مسألة لا جدال فيها، فالتغيرات الجيوسياسية في المنطقة وفي العالم تتطلب تعزيزاً لهذه العلاقة. فمصيرنا مرتبط بمصير مصر، ومصر ترتبط ارتباطاً وثيقاً بدول الخليج، وهناك من يتمنى بيننا بل يعمل على نهوض مصر وأمنها واستقرارها، وهناك من يتمنى لها أن تنوخ ولا تقوم لها قائمة.

 

تحيا مصر!

زر الذهاب إلى الأعلى