ارتفاعات السوق الهابطة .. ظاهرة مخادعة تزعج المستثمرين وتثير حيرة المحللين

النشرة الدولية –

كثيرا ما ترتفع السوق بشكل مؤقت خلال مسار عام هابط، مما يمثل أحد أبرز مظاهر الخداع والتي تؤدي لانزعاج المستثمرين وحيرتهم ما بين كون الارتفاع مؤقتا أم أنه بشائر بلوغ ذروة النزول وبدء الصعود، وما بين كونه مجرد حركة تصحيح لها أسبابها وسرعان ما تستأنف السوق هبوطها وهو ما يحير المحللين أيضا في ظل انقسام بينهم حول جدوى الدخول إلى السوق خلال الارتفاع المؤقت أو تجاهله.

ارتفاع السوق الهابطة هو تحرك صعودي في سوق تشهد اتجاها هبوطيا قويا. يعتبر بعض الخبراء أن ارتفاع السوق بنسبة 5% أو أكثر هو ارتفاع في السوق الهابطة، ومع ذلك فإن الحركة هي مجرد ارتداد مؤقت في الأسعار قبل استمرار الاتجاه الهبوطي الأكبر في المعتاد.

لفهم أسباب ذلك الارتفاع، من المهم معرفة ماهية السوق الهابطة، والتي عادة يتم تعريفها على أنها انخفاض مستمر في السوق بنسبة 20% أو أكثر في أسعار الأسهم. تمتد الأسواق الهابطة لفترات زمنية مختلفة بناء على قوة الحركة، ومن الممكن أن تكون مصحوبة بركود أو تباطؤ اقتصادي، وفي بعض الأحيان قد يستغرق التعافي من السوق المنخفضة سنوات.

من الطبيعي أن تحدث ارتفاعات خلال انخفاض السوق، وما لم ترتفع المؤشرات بأكثر من 20% مرة أخرى، فإننا من الناحية الفنية ما زلنا أمام سوق هابطة. ويرى الخبراء أن ارتفاعات السوق الهابطة جزء أساسي من دورة السوق، لأنها تشير إلى تغيرات في معنويات المستثمرين، ومع ذلك نادرا ما تستمر هذه الارتفاعات لفترات أطول من أيام أو أسابيع حتى يحدث تصحيح في السوق.

ما أسباب ارتفاعات السوق الهابطة؟

عادة ما تتكون ارتفاعات السوق الهابطة نتيجة عمليات شراء الأسهم المنخفضة أو ما يطلق عليه “الصيد في القاع” وهو مصطلح يصف المستثمرين الذين يراقبون بفارغ الصبر انخفاض أسعار الأسهم وفي انتظار إشارات على تكون سوق صاعدة وشيكة.

هذا هو السبب في أن ارتفاعات السوق الهابطة تعتبر محفوفة بالمخاطر لأن الإشارات الخاطئة يمكن أن تتسبب في اندفاع المستثمرين إلى تكوين مراكز شراء، اعتقادا منهم أنه بات بمقدورهم تعويض بعض الخسائر التي تكبدوها خلال تراجع السوق. ولكن مع مواصلة السوق هبوطها، فإن خسائر أولئك المستثمرين ستتفاقم فحسب. هذا هو السبب في أن ارتفاعات السوق الهابطة يطلق عليها “فخاخ الثيران”.

يرى أغلب المحللين أن ارتفاعات السوق الهابطة هي ببساطة نمط من أنماط الاستمرارية، فهي توقف مؤقت في اتجاه أوسع سيهيمن في نهاية المطاف على السوق ككل. عادة ما يستمر تراجع السوق بمجرد عودة رأس المال الكافي إليه مجددا، مما يتمخض عن ظهور إشارات على مغالاة في عمليات الشراء ما يقود السوق إلى موجة ثانية من ضغوط البيع.

بالطبع الارتباك الذي يمكن أن تسببه تلك الارتفاعات أمر خطير، خاصة بالنسبة للمتعاملين أو المستثمرين الجدد في السوق، كما أنها يمكن أن تؤدي إلى تحرك بعقلية القطيع، هذا عندما يتبع الناس الشائعات والأخبار التي يميلون إليها فقط بدلا من تحليلهم الخاص.

ماذا يجب أن تفعل خلال ارتفاع السوق؟

بشكل عام، يعتمد رد فعلك تجاه ارتفاع السوق على نمط الارتفاع نفسه. أثناء ارتفاع السوق الصاعدة، قد تقرر تكوين المزيد من مراكز الشراء وقد تتحمل قدرا أكبر من المخاطر. بينما عليك خلال ارتفاع السوق الهابطة توخي الحذر والتفكير في البيع على المكشوف. وبالطبع يختلف رد فعل المستثمرين بشكل أساسي اعتمادا على ما إذا كانوا مستثمرين في الأجل الطويل أم مجرد متعاملين في الأجل القصير.

إذا كنت متعاملا، فإن تحديد ارتفاع السوق الهابطة يمكن أن يكون فرصة كبيرة في المشتقات، مثل تداول العقود مقابل الفروقات (CFD)، ما يسمح للمستثمر بالمضاربة على ارتفاع الأسعار وهبوطها. لذلك، يمكنك الاستفادة من تحركات السوق الصاعدة والهابطة بشرط أن تكون لديك استراتيجية متكاملة لدخول السوق والخروج منها وخطة لإدارة المخاطر.

كيف يمكن التمييز بين ارتفاع السوق الهابطة عن السوق الصاعدة؟

لا تأتي ارتفاعات السوق الهابطة وهي تحمل لافتة كبيرة كتب في أعلاها “هذا صعود لسوق هابطة، من فضلك تجاهلها”.

هناك بعض الاختلافات الرئيسية بين الأسواق الهابطة والأسواق الصاعدة والتي يمكن أن تساعدك على تحديد الاتجاه وإلى أين يمكن أن تتحرك.

الزخم: إذ عادة يمكن تمييز موجة صعود تفتقر إلى الزخم عبر سلسلة مستمرة من أسعار الإغلاق المنخفضة. في حين أن الارتفاع يكتسب زخما مميزا عبر أسعار إغلاق أعلى بشكل آخذ في التزايد، أو مستويات مرتفعة أكبر. بخلاف الزخم، فإن هناك أدوات أكثر شيوعا مثل مؤشر القوة النسبية الذي يقيس مدى سرعة وحركة تغيرات الأسعار، والمتوسط المتحرك.

الحجم: انخراط عدد أقل من المتعاملين في السوق خلال اتجاه معين مؤشر على أن حركة السوق ضعيفة، في حين أن حجم الشراء المرتفع يمكن أن يشير إلى اتجاه قوي. تقتفي مؤشرات الحجم أثر عدد الصفقات المنفذة والتغيرات السعرية لتحديد ما إذا كان ثمة زخم في السوق أم لا، ومن الأمثلة عليها مؤشر تدفق الأموال.

التقلب: على الرغم من أن مؤشرات التقلب “الخوف”، مثل مؤشر “في آي إكس” في بورصة الأسهم الأمريكية، لا تحمل الكثير من المعلومات عن حركة السوق، فإن مراقبة سرعة تحرك الأسعار يمكن أن تكون مؤشرا على معنويات السوق.

الأخبار: من غير المعقول أن تستخدم الأخبار الحالية كأداة تحليل وحيدة، لكن ورود عدد كبير من الأخبار الإيجابية يمكن أن يكون مؤشرا للحركة في المستقبل. وإذا كان هناك القليل من الأخبار الإيجابية على نحو متزايد سواء على مستوى الاقتصاد الكلي أو الشركات فقد يشير ذلك إلى تراجع عكسي في حركة السوق.

 مثال عملي

في منتصف أكتوبر تقريبا، واجهنا أحد تلك الارتفاعات التي تحدثنا عنها، ففي 13 أكتوبر، سجل المؤشر “إس آند بي 500” الأمريكي مكسبا يوميا كبيرا بارتفاعه 2.6% بعد تقلبات عنيفة خلال الجلسة حين انخفض 2.4% لتقترب الأسهم من مستويات القاع التي بلغتها في مارس 2020. ويوم الجمعة 16 أكتوبر، ذهب معظم ذلك الارتفاع أدراج الرياح حين هوى المؤشر أكثر من 2%.

لا أحد عادة يقدم تفسيرا جيدا لتلك التحركات الكبيرة للأسعار، وتتراوح التفسيرات بين تغطية مراكز بيع، وبلوغ مستويات مهمة من الناحية النفسية بالنسبة للخبراء الفنيين في السوق ووصول خيارات بيع إلى نقطة السداد، لكن لا يمكن الجزم بصحة أي منها.

من المؤكد أن العوامل الأساسية لا تقدم تفسيرا، لأن الأخبار المهمة كانت أن التضخم أسرع من المتوقع، مما أدى إلى ارتفاع عوائد السندات وتراجع أسعار الأسهم في البداية.

إذا نظرنا إلى الأمر بعمق وروية، فإن الارتدادات اليومية الكبيرة للسوق خلال فترة الوباء مثلا كانت مؤشرا على أن السوق ترغب في الارتفاع. كان المستثمرون وقتها شديدي التشاؤم، لذلك فإن أي شخص كان من المرجح أن يبيع أسهمه باعها بالفعل، وعندما دخل المشترون إلى السوق فإنهم تغلبوا على البائعين المتبقين.

المستثمرون مرة أخرى متشائمون للغاية في الوقت الحالي. في الوقت نفسه، فإن حجم انخفاض الأسعار جعل الكثيرين يناقشون بحماس متى سيكون الوقت المناسب للشراء، إذ إن المؤشر “إس آند بي 500” مع حلول 13 أكتوبر سجل انخفاضا 26.7% منذ بداية العام. إن الجمع بين التشاؤم والاستعداد للشراء يزيد من احتمالية أن تبدأ السوق الصعود مرة أخرى قبل أن يتضح أن رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي لأسعار الفائدة، وهو التهديد الواضح لأسعار الأسهم، قد انتهى.

بهذا المنطق، اعتقد شخص ما أن انخفاض يوم 13 أكتوبر يعني أن الأسعار متراجعة بدرجة كافية لبدء الشراء. وفور أن بدأت الأسعار في الارتفاع، شعر آخرون كانوا ينتظرون بالفعل بلوغ القاع بالقلق من احتمال أن يفوتوا فرصة الدخول في الوقت المناسب، وبالتالي تدافعوا للشراء، بعضهم ربما كان مدفوعا بعوامل فنية، مثل الأداء الفني للمؤشر، والبعض الآخر لجني ربح من خيارات البيع أو الرهانات قصيرة الأجل التي تدر دخلا حين تنخفض الأسعار.

هذه قصة متكررة، لكن إذا عدنا إلى الوراء عبر التاريخ فسوف نرى أن الارتفاعات اليومية المماثلة لم تشر إلى بلوغ القاع في كثير من الأحيان، وقد تخطئ القاع الحقيقي بعدة أشهر.

منذ عام 1990، جاء أكبر ارتداد خلال الجلسة بعد تراجع في ظل الاضطرابات التي أعقبت انهيار بنك ليمان براذرز في عام 2008. وتبعته ارتفاعات كبيرة للسوق الهابطة سرعان ما تلاشت. بالطبع اعترى الندم المستثمرين الذين اشتروا في تلك المرحلة أسهما واحتفظوا بها بحلول وقت بلوغ القاع في مارس 2009.

كانت هناك ارتفاعات مؤقتة لكنها كبيرة بعد القفزات الكبيرة للسوق خلال جلسة واحدة في كل من أكتوبر 1997، وأغسطس 1998، وأبريل 2000، ويناير 2001، ويوليو 2002، ومايو 2010، وأغسطس 2011، وهي آخر موجة قصيرة من التفاؤل بعد تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة.

النبأ السيئ وفقا لرؤية “جونجان بانيرجي” المختص بالأسواق لدى صحيفة “وول ستريت جورنال”، أنه من بين جميع حالات الارتداد الكبيرة المماثلة خلال الجلسة منذ 1990 والتي كانت على الأقل كبيرة مثل ارتفاع 13 أكتوبر في وول ستريت، استمرت اثنتان فقط وهما في مارس 2020 وأكتوبر 1997. واستمرت الحالات الأخرى ثلاثة أشهر كحد أقصى قبل أن تسجل السوق قاعا جديدة.

أما النبأ الجيد فهو أنه باستثناء حالتي الارتفاع في 2001 و2008، فإن المستويات المنخفضة الجديدة لم تكن أدنى بكثير من المستوى المنخفض الذي وصلت إليه السوق بالفعل خلال نفس الجلسة التي تلاها ارتفاع كبير.

يقول “بانيرجي” إن المكاسب الكبيرة في ظل حالة من سلبية المعنويات ربما تشير إلى أننا نقترب من القاع في بعض الحالات.

 

Back to top button