خلافات بين قيادات “فتح” تؤدي لتسريب وثائق التحقيق في وفاة عرفات
كشفت عن اتهام مسؤولين فلسطينيين "بتهيئة الظروف" السياسية لإسرائيل للتخلص منه
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية – خليل موسى –
عادت قضية وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات إلى التداول من جديد وذلك بعد مضي 18 عاماً عليها و12 عاماً على بدء التحقيق بظروفها.
ولم تكن تلك العودة بسبب الكشف عن خيوط جديدة في ظروف وفاته التي يتهم الفلسطينيون إسرائيل بالوقوف خلفها، ولكن بسبب تسريب وثائق التحقيق بوفاته.
وتأتي تلك التسريبات في ظل خلافات حادة بين رئيس لجنة التحقيق توفيق الطيرواي وحسين الشيخ الرجل النافذ في حركة “فتح” ومنظمة التحرير الفلسطينية والمقرب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وتسببت تلك الخلافات التي استخدمت فيها تسجيلات صوتية يتهجم فيها الطيرواي على الشيخ، بإقالة الأول من رئاسة مجلس أمناء جامعة الاستقلال، ومن مفوضية المنظمات الشعبية في حركة “فتح”.
ومع أن الطيرواي أقر في حوار مع “اندبندنت عربية” بتسريب تلك الوثائق لكنه أشار إلى أنه “جرى قرصنتها من الحاسوب المخزنة فيه”.
واتهم من وصفهم بـ”أعوان الاحتلال الإسرائيلي بالوقوف وراء هجمة منظمة مشبوهة تهدف إلى اغتيال سمعته السياسية ومصداقيته، وضرب عمل لجنة التحقيق ومنعها من الوصول إلى الحقيقة الكاملة”.
وحول متابعة الأمن الفلسطيني لقضية قرصنة وتسريب وثائق التحقيق، رفض الطيرواي وصفه بـ”غير الجدي”، مع أنه أشار إلى أن الأمن لم يبدأ بالتحقيق حتى الآن”، وذلك بعد مُضي أكثر من أسبوعين على بدء التسريب.
صراع داخلي وراء التسريب
ووصف ناصر القدوة القيادي في حركة فتح وابن شقيقة ياسر عرفات تسريب الوثائق بأنه “عمل سخيف ولا علاقة له بالتحقيق”، مشيراً إلى “عدم وجود جدية رسمية فلسطينية في تشكيل لجنة تحقيق رسمية” للتوصل إلى المتورطين في وفاة الزعيم الفلسطيني.
وكانت اللجنة المركزية لحركة “فتح” شكلت لجنة التحقيق في وفاة عرفات عام 2010، وليس الدولة بأجهزتها الرسمية. وقال القدوة لـ”اندبندنت عربية” إن “التسريبات جزء من الصراع الداخلي بين قيادات حركة فتح” خصوصاً بين توفيق الطيرواي وحسين الشيخ.
وشدد على أن “إسرائيل تتحمل المسؤولية الجنائية باغتيال عرفات عبر دسها مادة البولونيوم 210 السامة في جسده”.
وأوضح القدوة الذي فصلته حركة “فتح” من عضوية لجنتها المركزية أن هناك “أدلة وبراهين ثتبث تورط إسرائيل في اغتيال عرفات، مشيراً إلى أنها “اتخذت مرتين قراراً بالتخلص منه”. وتابع أن المطلوب “توجيه اتهام جنائي لإسرائيل باغتياله، والتحرك دولياً لإدانتها، ومحاكمتها”.
لكن الطيرواي رفض الاتهام بالتأخر في التوصل إلى المتورطين بوفاة عرفات، مشيراً إلى أن “اغتيال الزعماء السياسيين يحتاج إلى سنوات طويلة للتوصل إلى الفاعلين الأساسيين وأدواتهم”.
وقال إن تلك الاغتيالات “تحتاج إلى وقت طويل للتوصل إلى نتائج حاسمة؛ فالمحرك الأساسي لاغتيال الرئيس الأميركي الأسبق جون كيندي غير معروف حتى الآن”.
نفي إسرائيلي
وأضاف الطيرواي إلى أن ظروف عمل لجنة التحقيق “صعبة للغاية بسبب تحكم إسرائيل في كل شيء واحتلالها للضفة الغربية، وإمكانية وصولها إلى ملفات التحقيق”.
وأشار إلى أن اللجنة “متأكدة مئة في المئة من وقوف إسرائيل وراء الاغتيال لكنها تبحث عن أداة الجريمة ومنفذيها”.
ونفت تل أبيب مراراً أي تورط لها في القضية، وقال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية في عهد رئيس الوزراء أرئيل شارون رعنان غيسين، إن شارون “أعطى أوامر” بعدم قتل الزعيم الفلسطيني”.
وكشفت وثائق التحقيق المسربة عن اتهام مسؤولين فلسطينيين رفيعي المستوى “بتهيئة الظروف السياسية لإسرائيل للتخلص من عرفات”. وأظهرت أيضاً شهادات مسؤولين فلسطينيين أمام لجنة التحقيق الفلسطينية حول وفاته “السعي للتخلص منه ووجود تقصير أمني في حراسته”.
وبعد اتهامه بالتحريض على العنف خلال الانتفاضة الثانية التي بدأت عام 2000، حاصر الجيش الإسرائيلي عرفات داخل مقر الرئاسة برام الله في مارس (آذار) من عام 2002.
ودمرت الدبابات الإسرائيلية حينها أجزاء من مقر الرئاسة، ومنعت عرفات من السفر لحضور القمة العربية في بيروت عام 2002.
وتحت الحصار، تدهورت الحالة الصحية لعرفات، ونقل إلى مستشفى بيرسي العسكري الفرنسي قرب باريس أواخر شهر أكتوبر (تشرين الأول) من 2004، قبل أن يفارق الحياة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني).
ودُفن الزعيم الفلسطيني، في مقر الرئاسة برام الله، بعد أن رفضت إسرائيل أن يُدفن في مسقط رأسه في القدس.
وكشف حكم بلعاوي القيادي في حركة “فتح” ووزير الداخلية في عهد حكومة أحمد قريع الثانية أن “الخلافات الفتحاوية الداخلية هيأت الظروف لإزاحة الرئيس عرفات”.
خلافات عباس وعرفات
وخلال شهادته أمام لجنة التحقيق، قال بلعاوي إن عباس “أول من له مصلحة في إزاحة عرفات”، مشيراً إلى أنه “شكل حلفاً ضد عرفات يضم رمزي خوري ونبيل شعث والطيب عبدالرحيم”.
وكشف بلعاوي عن اجتماع في مبنى سكني برام الله خلال حصار عرفات اتخذ فيه قرار “تنفيذ مؤامرة على أبو عمار وتهميشه، وسحب البساط من تحت قدميه”.
وشارك في ذلك الاجتماع، بحسب اللواء غازي مهنا مدير المكتب العسكري لعرفات، رئيس وزراء الاسرائيلي حينها أرئيل شارون، ومحمود عباس ومحمد دحلان، وزهير مناصرة واللواء نصر يوسف.
وأوضح مهنا أن رد فعل عرفات على الاجتماع “كان عنيفاً جداً عندما علم به” ، مشيراً إلى الاجتماع “مثل حجر الأساس في عملية التخلص من الرئيس عرفات”.
كما كشف عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” جمال محيسن أمام لجنة التحقيق أن “عباس كان يتحرك بسيارة تابعة للارتباط الإسرائيلي خلال فترة حصار عرفات”.
وحول العلاقة بين عباس وعرفات، قال محيسن إن “خلافات عميقة جداً كانت بينهما؛ الحقيقة الكاملة بخصوص الخلاف مع أبوعمار محرجة ومخزية، وأنا أرجوكم أن نتجاوز هذه المرحلة”.
صراع على السلطة
وقال مدير مركز القدس للدراسات عريب الرنتاوي، إن تسريب الوثائق يأتي في ظل “احتدام الصراع على السلطة بين أقطاب حركة فتح”، مستبعداً “وجود قرصنة لها، لكن جرى تسريبها بشكل متعمد”.
وأوضح أن تلك التسريبات تكفي لمحاكمة مجموعة كبيرة من أبرز القيادات الفلسطينية بسبب دورهم في خلق بيئة مكنت إسرائيل الاستفراد بعرفات واغتياله”.
وقلل الرنتاوي من شأن من وضع السم لعرفات، مشيراً إلى “أن أي شخص يمكنه أن يدس السم له”، مشدداً على أن “القضية المركزية هو الجو التآمري حينها على الزعيم الفلسطيني من أقرب مقربيه الذين أتاحوا الفرصة لإسرائيل للتخلص منه”.
شهادات عامة
بدوره، قلل المحلل السياسي محمد هواش من تداعيات تسريب الوثائق، لكنه أشار إلى أنها تهدف إلى “الشوشرة على مكانة السلطة الفلسطينية باعتبارها تتسرب منها معلومات بصرف النظر عن أهميتها وتأثيرها”.
ووأضح أن ما جرى تسريبه “مجرد شهادات عامة لمسؤولين فلسطينيين، وآرائهم في نظرائهم وليست جزءاً من التحقيق”.
وحول علاقة تلك التسريبات بتصارع التيارات داخل حركة “فتح”، نفى هواش وجود تلك الصراعات، قائلاً “إنه من الطبيعي أن تبدأ قيادات فلسطينية بالاستعداد لوراثة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في حال غيابه”.
ومع ذلك فإن هواش، أوضح أن الرأي العام الفلسطيني يتوقع أن يكون التنافس بين تلك الشخصيات بشكل هادئ وواضح بسبب وقوع الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال”.
هذا ويرى الكاتب والمحلل السياسي جهاد حرب أن الغاية من “تسريب الوثائق تصفية حسابات بين قيادة حركة فتح، وصراع على النفوذ والمكانة لإثبات القدرة على النفاذ والإبقاء على الذات”. وقال حرب إن “هذه التسريبات “موجهة لتكوين اتهامات محددة لأشخاص بعينهم”.