إيران واحتمالات الاحتجاجات
بقلم: سعد بن طفلة العجمي

أكبر خسائر النظام هي تلك الأخلاقية كحامي المستضعفين والمدافع عن المظلومين

النشرة الدولية –

كثير من المتابعين لشؤون المنطقة وبينهم كاتب هذا المقالة، يظن أن مصير الاحتجاجات الشعبية الإيرانية المشتعلة حالياً كمصير سابقاتها، مثل “الثورة الخضراء” عام 2009 و”احتجاجات 2019″ التي كان مصيرها الإخماد الدموي والقمع الشرس من قبل قوات النظام، لكن الاحتجاجات الإيرانية الشعبية التي تجتاح إيران اليوم مختلفة عن سابقاتها فهي الأطول، إذ إنها اندلعت منذ منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي ولا تزال تتصاعد يوماً بعد يوم، وهي الأكثر شمولية إذ غطت معظم مناطق إيران، ولم تنحصر كسابقاتها بمناطق محددة، وهي الأكثر دموية فمنظمات حقوق الإنسان الدولية تتحدث عن 400 قتيل و14 ألف معتقل، وهي الأكثر بطشاً من قبل قوات النظام فقد نشرت تقارير حقوقية وتوثيقية تعرّض المعتقلين من النساء والرجال إلى الاغتصاب والتعذيب في مراكز الأمن والاستخبارات، ولعل أكبر خسائر النظام حتى الآن هي الخسارة الأخلاقية، فمن يقتلهم هم من المستضعفين، ومن يقمعهم هم في الغالب الشيعة الثائرون، مما يفقد النظام الشعار الفارغ بأنه حامي المستضعفين ونصير الشيعة المظلومين.

وهناك مؤشرات على شعور النظام بالخطر لاتساع رقعة الاحتجاجات التي بدأ مؤيدوها يسمونها ثورة، ولعل من أهمها الدعوة إلى الاضرابات العامة ومشاركة المشاهير في الاحتجاجات كل بطريقته، فممثلون وممثلات لهم شعبية عارمة عبروا عن تضامنهم مع المحتجين، ورياضيون أشهرهم أسطورة كرة القدم الإيرانية علي دائي الذي أعلن مقاطعته كأس العالم وطالب بمقاطعة منتخب بلاده للبطولة، فالمنتخب الذي يسمى ” تيم ملي” أي فريق الشعب، وهي تسمية رمزية تجمع قلوب كل الإيرانيين باختلافاتهم، لم يردد فريق الشعب النشيد الوطني لإيران خلال مباراته الافتتاحية مع إنجلترا، ووصفت صحيفة “غارديان” البريطانية صمتهم بأنه “أبلغ من الكلام”، بل إن بعض الجماهير رفعوا العلم الإمبراطوري وأنشدوا النشيد الأمبراطوري وقت الشاه، وقد انتهت المباراة بفوز إنجلترا بستة أهداف في مقابل هدفين، ولعل افتتاحية صحيفة “كيهان” القريبة من مكتب المرشد علي خامنئي في يوم هزيمة المنتخب تعكس الضيق والإفلاس لدى النظام، فقد عنونت صفحتها بالتالي:

“إيران 2 وإنجلترا والسعودية وإسرائيل وخونة الداخل والخارج 6”.

والسؤال هنا أين يمكن أن تتجه التطورات على الساحة الإيرانية؟

السيناريو الأول أن ينجح النظام في قمعها بوحشية تؤدي إلى تلاشيها شيئاً فشيئاً، ثم تخمد كلياً حتى إشعار آخر، والسيناريو الثاني أن تتصاعد وتتسع الاحتجاجات وتنذر بسقوط النظام، وهذا السيناريو هو السيناريو المرعب الذي سيحاول النظام تلافيه بكل وسيلة مهما كانت دموية وقاسية، ومن بين هذه الوسائل محاولة تصدير الأزمات التي يعيشها النظام للخارج، ومحاولة تعزيز فكرة المؤامرة الدولية لتأجيج الاحتجاجات، وما لوم السعودية على خسارة المنتخب الإيراني أمام إنجلترا إلا واحدة من بين هذه الذرائع الواهية، كما يستمر النظام في قصف شمال العراق بحجة أن هناك مصدر تأجيج الاحتجاجات وتمويلها والتحريض عليها، والاستمرار في التعرض للملاحة الدولية في الخليج العربي وبحر العرب، وزيادة تخصيب اليورانيوم كمحاولة للظهور بمظهر النظام القوي الذي يتحدى العالم من أجل التطور النووي الإيراني، أملاً في كسب قلوب الجماهير واستمالتهم إليه، وقد يقوم النظام بحماقات أخرى باستخدام أوراق التنظيمات التابعة له في العراق بتهديد الكويت، وفي اليمن بخرق الهدنة بين المتحاربين اليمنيين والتصعيد ضد جيران اليمن، وقد يوعز لعملائه من الفلسطينيين بالتحرش بإسرائيل التي غالباً ما يكون رد فعلها مدمراً ووحشياً ضد الفلسطينيين العُزل، وكل ذلك لمحاولة صد الانتباه عن مأزق النظام الداخلي المتمثل في الثورة الداخلية الشعبية ضده.

وعلى دول الخليج التحرك الدبلوماسي الباكر لشرح مثل هذه التوقعات، والانتباه الدفاعي المشروع لأسوأ الاحتمالات، فإن وصلت السكين لعظم النظام الإيراني فسيكون حاله كحال “أنا الغريق فما خوفي من البلل”، وقد يلجأ إلى حلول الجنون التي يشهد التاريخ على اللجوء إليها ممن ضاقت بهم السبل من الأنظمة المتوحشة والدكتاتورية.

زر الذهاب إلى الأعلى