السياحة التجميلية… رحلة محفوفة بالمخاطر والعودة قد تكون حزينة
العروض التي يطلقها الأطباء في حملاتهم الترويجية حول العالم تلقى رواجاً من مهووسي التجميل
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية – أسماء السيد –
خط مستقيم ظهر على شاشة الجهاز الطبي المتصل بجسد الإنجليزية “ف. ك” ليعلن توقف دقات قلبها، إذ توفت على الفور وهي في العقد الثالث من عمرها بغرفة الرعاية المركزة، في أحد مستشفيات تركيا، عقب إجرائها جراحة تجميل فاشلة، وذلك إثر ثلاث نوبات قلبية عقب الجراحة، بحسب ما رصدته صحيفة “مترو” البريطانية.
البداية كانت بإعلان دعائي على “فيسبوك”، ظهر أمامها فجأة في منتصف ديسمبر الماضي (كانون الأول)، ليغريها بتحقيق حلمها في الحصول على جسد مثالي في مقابل سعر زهيد مقارنة بالأسعار المعروفة عالمياً، ليس ذلك فحسب، بل يشمل العرض جولة سياحية مجانية في تركيا.
كيف يروج الأطباء لجراحات التجميل؟
كان من اللافت ترويج الأطباء لجراحات التجميل في تركيا بأغرب الطرق التي لا تستخدم عادة في المجال الطبي، إذ تتضمن عروض الجراحات التجميلية بكبرى العيادات جولة سياحية مجانية في أكثر المناطق سحراً وجمالاً، واستغلال الطبيعة الخلابة التي تشتهر بها في إغراء العملاء، فلا تتوقف أساليب الجذب على التخفيضات الكبيرة والأسعار المغرية للجراحات، بل في تحقيق حلم السفر والسياحة من دون مقابل.
وترى رحاب زكريا، أستاذة الجراحات التجميلية، وعضو الجمعية البريطانية لجراحي التجميل، أن هذا النوع من الإعلانات هو الأبرز من بين طرق الأطباء في الترويج لجراحات التجميل، مشيرة إلى أن اندفاع كثيرين نحو تلك العروض من دون ترو يدل على نجاحه الفعلي، لكنها تؤكد أن المؤسسات الدولية تحفظ للمرضى حقهم الكامل في العلم بماهية ما سيخضعون له من جراحات وما يتبعها تفصيلاً من نتائج سلبية وإيجابية.
وحذرت زكريا من الانسياق وراء الإعلانات من دون البحث المفصل عن المؤسسة الطبية وتاريخها ومراجعة آراء من خضعوا لجراحات تجميلية بها، منوهة بأنه أصبح من السهل الآن الحصول على تلك المعلومات من خلال الإنترنت.
أما محمد الناظر، استشاري الجلدية والتجميل، فيؤكد أن أساليب ترويج الأطباء لجراحات التجميل لا تتوقف على العروض السياحية فحسب، بل ضخ مبالغ كبيرة لمشاهير “السوشيال ميديا” للترويج لخدماتهم، سواء قاموا بتجربة الخدمة أم لا، مشيراً إلى أن هذا النوع من الترويج مشروع، لكن وفق ضوابط يجب التزام الجميع بها، وهي تجربة المنتج أولاً لمدة تسمح بالحكم عليه وإعطاء رأي حيادي تجاهه من حيث سلبياته وإيجابياته وذكرها على السواء، وكذلك الحال مع الخدمات الطبية كجراحات التجميل.
وينصح الناظر بضرورة طلب “الباركود” للمواد التجميلية التي يجري حقنها في الوجه أو الجسد والدخول على الموقع الرسمي للشركة المنتجة والتأكد من أن المادة للشركة المصنعة نفسها والاطمئنان أنه منتج سليم، لأن الأنواع المقلدة من تلك المنتجات أصبحت تغزو الأسواق بشكل مخيف.
تركيا أرخص الوجهات
وتتربع تركيا كواحدة من الدول العشر الأولى، التي تجري الجراحات التجميلية الأكثر شعبية بالعالم والأرخص كلفة، وعلى رأسها جراحات تكبير الثدي وشد الجفون ثم جراحات شد البطن وشفط الدهون وتجميل الأنف.
وجذبت تركيا نحو 600 ألف شخص في النصف الأول من 2022، وفقاً للإحصاءات الرسمية للحكومة التركية، لتصبح الوجهة الأشهر للسياحة العلاجية في السنوات الأخيرة، وتحل الولايات المتحدة الأميركية على رأس قائمة الدول الأكثر نجاحاً في إجراء جراحات التجميل، لكنها لا تحظى بهذا الإقبال، نظراً إلى الكلفة الباهظة التي لا تتناسب مع شرائح الطبقة المتوسطة.
وتتصدر أميركا القائمة بأربعة ملايين عملية تجميل، وذلك وفقاً لتقرير الجمعية الدولية لجراحة التجميل (ISAPS)، إذ تم إجراء 17.5 في المئة من إجمالي جراحات التجميل التي شهدها العالم في الولايات المتحدة، بينما جرى إجراء 14.3 في المئة منها في البرازيل، وسجلت الصين 12.7 في المئة، تليها الهند بنسبة 5.2 في المئة، إذ تستفيد الدول من السياحة التجميلية استفادة كبرى بضخ مبالغ ضخمة في القطاع الطبي والسياحي معاً، ليصل الأمر إلى تدخل الحكومات مثل تركيا في تسهيل هذا النوع من السياحة ودعمه لزيادة الإقبال عليه.
المكسيك وكوريا الجنوبية واليونان والهند وإيران يأتون في الترتيب بعد الدول الثلاث بالصدارة، لتصبح تركيا في ذيل قائمة الأكثر نجاحاً، لكنها على رغم ذلك تتصدر قائمة الدول الأكثر إقبالاً، فوفقاً لآخر الإحصاءات تستقبل سنوياً 250 ألف حالة جراحة تجميل من خارج الدولة، وتعتبر تركيا جاذبة للسياح من شتى بلاد العالم بخاصة البريطانيات، لتتربع على عرش السياحة التجميلية، إذ تنخفض كلفة إجراء جراحات التجميل عن إجرائها في إنجلترا بنسبة تصل إلى 50 في المئة تقريباً.
الرجال يدخلون على خط التجميل
الرجال أيضاً يدخلون السباق جنباً إلى جنب مع النساء بزيادة كبيرة في السنوات الأخيرة، حتى وإن ظلت النساء يتربعن على عرش الإحصاءات حول العالم، فيؤكد محمد خلف اختصاصي مصري في جراحات التجميل، أن الرجال الذين أجروا جراحات تجميل أخيراً وصلت نسبتهم إلى الثلث تقريباً من الرقم الإجمالي، ويأتي على رأسها جراحات تصغير الثدي وشد الترهلات الزائدة بالجلد، وجراحات زراعة الشعر وشفط الدهون، وأحدث صيحات التجميل لدى الرجال تغيير الصوت، للسعي في تحويله لصوت أجش.
أما النساء، فبحسب التقرير الدولي الصادر عن الجمعية الدولية لجراحة التجميل، فإن أكثر الجراحات المرغوبة هي عملية تكبير الثدي، حيث بلغ عددها 1.8 مليون عملية على مستوى العالم خلال عام 2019، أي 15.8 في المئة من إجمالي مجموع الجراحات التجميلية، بينما حصدت عملية شفط الدهون المركز الثاني لأكثر الجراحات شيوعاً، حيث جرى إجراؤها 1.7 مليون مرة، وجاءت جراحة الجفون في المرتبة الثالثة بأقل من 1.3 مليون عملية، بينما وصلت جراحات تجميل الأنف قرابة المليون جراحة بـ8.1 في المئة، بينما بلغ عدد جراحات شد البطن 820.890 جراحة تجميلية بنسبة 7.2 في المئة.
العروض التي يطلقها الأطباء في حملاتهم الترويجية حول العالم تلقى رواجاً من عدد ضخم من المهووسين بالتجميل، إذ قد تدفعهم إغراءاتها إلى الاستدانة والاقتراض لتحقيق حلم الجمال، تحكي البريطانية “د. ك”، القاطنة بمقاطعة ويلز، البالغة من العمر 29 سنة، قصتها المأسوية مع جراحة فاشلة خاضتها، مؤكدة أنها عقب إجرائها الجراحة في مستشفى خاص بتركيا، كانت النتائج كارثية إذ ظهرت التهابات، وقالت “كنت سعيدة بجسدي في الماضي، إلا أنني اقترضت مبالغ مالية للظهور بشكل يشبه إحدى المشاهير وكانت النتيجة محزنة للغاية”.
ويبدو أن جراحات التجميل لا تتوقف أخطارها عند التشوهات الخطرة فحسب، بل تصل المضاعفات إلى الوفاة، وذلك وفقاً للتقارير الرسمية للجمعية الدولية لجراحة التجميل، كما أطلقت الجمعية البريطانية لجراحي التجميل حملات تحذيرية عقب تكرار تلك الحوادث لتوعية مواطنيها من هذا النوع من الجراحات التي تجري خارج إنجلترا بتكاليف منخفضة، مستندة في تحذيراتها إلى دراسة تؤكد أن حالة من كل ثلاثة آلاف حالة لجراحات تكبير الأرداف تتوفى بسبب المضاعفات الناتجة من الجراحة، التي تجري من خلال شفط الدهون من جزء في الجسم، وحقنها مرة أخرى في الأرداف.
ماذا يقول القانون؟
اتخذت معظم التشريعات موقفاً صارماً في ما يخص مسؤولية الطبيب حين وقوع ضرر في جراحات التجميل، خلافاً للوضع في مختلف أنواع الجراحات الأخرى، فهناك مسؤولية جنائية كبيرة تقع على عاتق جراحي التجميل حول العالم، ليكون التصنيف القانوني للخطأ الطبي إما جناية أو جنحة أو مخالفة.
وأول المسؤوليات التي تتحتم على طبيب التجميل أن يكون مجازاً في مزاولة الجراحة التجميلية، فلا يكفي أن يكون مجازاً كممارس في الطب العام، وهناك عدد من القوانين والتشريعات الدولية تشترط خبرة كبيرة تختلف مدتها وعدد السنوات التي تتطلبها ممارسة المهنة من تشريع إلى آخر.
وفي حال مخالفة جراحي التجميل فإنهم يتعرضون للعقاب جنائياً على ممارسة الأعمال الطبية من دون إجازة. فبحسب دراسة حديثة، دانت محكمة جنح باريس طبيباً بالمسؤولية الجنائية والمدنية لإجراء جراحات تجميل من دون استيفاء الشروط المنصوص عليها.