لبنان بين ثروة مائية مستدامة وغاز يحترق
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
سيبقى «ملف المياه والسدود والندرة» يزاحم ما عداه من قضايا مستعصية يواجهها لبنان في نكباته المتتالية، صحيح أن هذا البلد قد ينعم بثروة نفطية وغازية منتظرة، لكن الأكيد أن هذه الثروة يمكن أن تتبدد في غير مصالح اللبنانيين كشعب ودولة، وتوزع مغانمها على «زعماء الطوائف» والجاثمين على صدر هذا الشعب إلى يوم غير معلوم.
المياه سلعة استراتيجية ومورد حيوي للشعب وللحياة، وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان، إنما المشكلة بإدارة هذا المورد ومستوى الأداء الذي تقوم به الأجهزة الرسمية للحكومة، والواضح أن «منظومة الفساد والطوائف» فشلت في معالجة ملفات أخرى أوصلت لبنان إلى قاع البئر، وبالرغم من الانتكاسات المتكررة والوصول إلى حافة المجاعة والخيبة الكبرى من عدم التوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يبقى ملف المياه الأكثر سخونة وإلحاحاً على أصحاب القرار بالسعي إلى إيقاف النزف والهدر والفساد كي لا نسقط جميعاً في البئر؟
لكن لماذا هذا التشاؤم؟
الجواب وجدته في تقارير ومداخلات خبير المياه الجوفية د. سمير زعاطيطي الذي لا يكلّ ولا يملّ من الحديث عن المياه ووضع اليد والعين على الجرح النازف منذ زمن، فماذا يقول: «إن الثروة المائية المهمة المعروفة والمدروسة لبلد صغير بالشرق الأوسط (محاط بدول قليلة المياه) لم نحسن إدارته، بل أسأنا لهذه الثروة، حيث لم نأخذ بالتوصيات العلمية، ولم نطور مشاريع أبحاث علمية، بل نحن غائبون عنها منذ عام 1975».
وبعد عام 2010 ازداد سوء إدارة المياه بتسلم «تيار العتمة والتعطيش» وزارة الطاقة والمياه وظهور «الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه»، هذه السياسة المائية المشبوهة الفاشلة التي منعت اللبنانيين من الاستفادة من ثلثي الثروة المائية الجوفية، بمنع حفر الآبار الاستثمارية لا سيما في الجنوب اللبناني، وملاحقة حتى أصحاب الآبار القديمة وإجبارهم على دفع ثمن المياه الجوفية المستثمرة لري البساتين والحقول، والتغاضي عن جريان كامل نهر الوزاني نحو شمال فلسطين دون أية استفادة للقرى والبلدات المحيطة به، (بلدة الخيام لا تستفيد ولا بنقطة مياه من الوزاني وتعتمد على الآبار). إن التعامل السابق والحالي لأصحاب القرار مع الثروة المائية كان بهذا الفساد والجهل والإهمال ومنذ الاستقلال، فكيف لنا أن نتفاءل بثرواتنا البحرية النفطية التي تم التنازل عن قسم كبير منها بترك الخط 29 للعدو الصهيوني رغم حقوقنا الواضحة والمثبتة بالقوانين الدولية التي أظهرها بشجاعة وبكل مهنية الدكتور عصام خليفة والوفد العسكري اللبناني المفاوض.
البعض هنا يسأل: لماذا كانت الهجمة على بناء السدود؟
يقول الخبير اللبناني: ظهرت سياسة السدود فجأة سنة 2010 مع تسلم جبران باسيل وزارة الطاقة والمياه وتمت تسميتها «الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه»، سياسة لم يشارك في صنعها علماء أو باحثون حقيقيون بالثروة المائية لبلد المياه بالشرق الأوسط كما وصفته البعثة الجيولوجية الفرنسية لبنان، فكانت استراتيجيته الخرقاء تجميعاً لمشاريع هندسية مدنية لسدود صغيرة أو برك قائمة على أفكار بدائية قديمة تم التخلي عنها في أوروبا بعد تجربتها، لكلفة الكهرباء العالية ومردودها المائي الضئيل وتكاليف الصيانة الباهظة.
من ضمن هذه الأفكار القديمة البالية التي تم استحضارها من وزير التيار:
– إغلاق فجوات طبيعية في الجبال بجدران وتجميع المياه فيها.
– سد السواقي أو مجاري أنهار أو مجار شتوية لتجميع المياه.
هذه السياسة تم اعتمادها قصداً لأنها مكلفة ماليا وتساعد في تشغيل المقالع والكسارات ومعامل إسمنت الحلفاء والأزلام، ولأنه يمكن نهب وسرقة أموال كثيرة من مشاريع السدود، مقارنة بأكلاف ضئيلة ومتفرقة غير محرزة للسرقة بحفر آبار لاستثمار المياه الجوفية في المناطق، والمثل الصارخ على ذلك حالة نهر الليطاني ووضع بحيرة القرعون السيئة جدا، وتلوث معظم الأنهار والينابيع جرثوميا وكيميائيا.