إضاءة على مشهدٍ في فلسطين المُتجدِّدة إنها ذكرى، نُحييها ونَبكيها
بقلم: الدكتور سمير محمد ايوب

النشرة الدولية –

زلزال الأولمبياد، وفَّر لفلسطين ضابطة الايقاع، احتضانا اجتاح أمةً تبحث عن كرامةٍ نادرة، وأربك أصحاب اللغة الخشبية المُساوِمَة، وفتح شهية  المؤمنين بان العدو لا تُهْزَم بضربة حظٍّ قاضية، للتساؤل عن جدوى وصوابية تكرار الاحتفال بالفاتح من يناير 1965، كذروةٍ مِنْ ذُرى حركة التحرر الوطني العربية التي تحمل بصمة فلسطينية، وكفضاء نضالي جامع وأداة سياسية جاذبة، بعد أن تم عبر مستنقع اوسلو، تخريب ذاك الفضاء بالتزييف والتبديد، والانقلاب على الأوزان النسبية لأطرافة الرئيسة، حتى بات وهو يوائم نفسه وفق دفتر شروط العدو المحتل، هجينا يتأرجح بين العنفوان والانكسار والخنوع.

مفاعيل الرصاصة الأولى رُحِّلَتْ بعيدا عما قُصِد بها وخُطِّطَ لها، وأُبْقِيت عاريةً أمام احتمالاتٍ لا نفع منها، سوى تعزيز العظمة الشخصية لبعض أصنام أوسلو وأراملها وأيتامها، الذين لا يملكون إلا طباعا استحواذية فردية. ولعل أكثر الأمثلة إفصاحا فيما يجري، هي التي استبدلت بخفة مَقيتة، مُوجبات السلاح زينة للرجال، بتبعات التكاذب السياسي المتجاوز للاصول ، وبالزنا المناضل غير المسبوق.

هذا اليوم المجيد، الذي تتراص مفرداته ووقائعه بوقار في حياة الفلسطيني، لا يحتاج لمن يُقدّمه، خاصة وانه عبر ذُرى الدّم الجاد والرصاص الطاهر ووضوح النوايا وآلاف الأسرى، بجدارة ووضوح قد فسَّر الأسباب والضرورات والدوافع والأهداف التي كان من الممكن تحقيقها، وبيَّن السياق والمنهجية لذلك، فاجتاحت مُقوِّماته المُخيَّلة العربية الفلسطينية.

لأن للأول من يناير 1965، رمزية تكفي لتأسيس أكثر من أسطورة بزمان ومكان، كواحد من الغرقى في قيعان الواقع وحكاياته، الباحثين عن هداية توصلهم ألى شواطئ تعيد لهم الحياة في المكان والزمان الصحيحين، أفضل التواضع بالابتعاد عن محاولات التفسير أو التوضيح أو التبرير للنشأة، بعد أن امتدت بجذورها عميقا في حياة امة العرب، والفلسطينيين في الطليعة منهم.

الأول من يناير كل عام، فرصة نضالية غرائبية، يتم فيها مقاربة صفحات مشرقة من ماض النضال، كما يتم فيها وسم الواقع البائس للأوسلويين، وكشف لحظات التحول المتعمد في الثوابت وتسارعاتها، وتلمس كيفيات الانحراف، ورصد الكتل البشرية التي سبقت ولحقت بكل هذا العبث والعلاقات التي أنتجتها استراتيجيات إدارته والتحكم فيه، وآليات الضبط بالإجبار الناعم أوالقسري العاري.

هذه الظرفية من توقف الزمن ثابتا بلا هدف، ومناخ الكره الشعبي لأوسلو وأصحابها، والموجات المُتجددة من البطولات الفردية، تحرض على مناشدة كل مدرك لمصلحة فلسطين، على إطلاق سراح أسئلته المعتقلة حتى الان، عما في ثقافة الفاتح من كل يناير، يمكن الاحتفال به والمحافظة عليه في مواجهة الاحتلال وتبعاته الموجعة من المعاناة. فالفلسطيني ينام ما بين قلق عاجز وتصميم متعثر، وأحلامه تتقافز داخله نحو الرصاصة الاولى. فهي غنيمة حرب طاغية الحضور في الوجدان الجمعي العربي، لم تفقد الكثير من مكانتها فيه، بل باتت تركة ثقيلة مهيمنة محتكرة لاحلام هذا الوجدان،

التحدي الحقيقي لاسترجاع مكانتها كما كانت، هو أن تحمل مشروعاً للصمود والمقاومة، وأن تجعل من القوة رغم تعقد الظروف، لغة تحتضن الجميع كما كانت سابقا، وأن تبرهن على إمكانية متابعة التحدث بلهجة عربية فلسطينية، تماما كما فعلت تلك الرصاصة أمام جميع احرار العالم. فالوضع لن يدوم هكذا للابد، فإما أن تصبح القوة العربية الفلسطينية فضاءً للشراكة وإلا فالكل آيل للسقوط.

عند هذه اللحظة المركبة، رغم انف الذين لم يحسموا خياراتهم الوطنية بعد، باسم أطياف الجبارين، أقول لطيور الرعد: لا زلنا على العهد باقون، مشبعون بالأحلام الوجودية، مشتاقون للخنادق، تجاسروا وبأقصى سرعة عودوا، فالصبر قد تبدد والياس يتمدد، تعالوا وسيوف المعتصم بأيديكم، فجُلُّ أهلكم لم يعد يملك إلا شبهة جسارة، ووصمة خسارة، وحماقة أمل.

ولكن، واللصوصية الدولية تكرس التواطئ والاستكانة والتخاذل والصمت المريب على الاجواء، هل سننجو من الجحيم؟!

وعهد الله لن نرحل، باقون ومن كل شقوق الارض طالعون……

الاردن – 29/12/2022

Back to top button