عندما يتمنى القاضي لو كان مُستخدماً في “أوجيرو”!
بقلم: غادة حلاوي
النشرة الدولية –
نداء الوطن –
ما يقارب الخمسة أشهر والبلد من دون سلطة قضائية. ليس مفهوماً أي دولة تلك التي تستمر بينما قضاتها متوقفون عن العمل ولا تقف على معالجة قضاياهم وتعالج مشاكلهم تسييراً لقضايا الناس والموقوفين وإحقاقاً للحق. وليس مفهوماً كيف لم تُحرك ساكناً بما يتجاوز الدعوة عبر وسائل الإعلام لعودة القضاة الى ممارسة عملهم. الداخل الى قصر العدل يخاله مهجوراً، فارغاً الّا من قلة قليلة حضرت لتسيير الضروري والملحّ فيما آخرون يتغيّبون إحتجاجاً على تردي أوضاعهم المعيشية.
كان يفترض أن يعقد مجلس القضاء الأعلى إجتماعه أمس للبت بإعتكاف القضاة عن العمل لكن الإجتماع لم يعقد لعدم إكتمال النصاب. وتقول المعلومات القضائية إنّ رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود كان بصدد إتخاذ إجراء يتعلّق بقضية التحقيق في ملف مرفأ بيروت وبالقاضي الرديف فتقصّد بعض القضاة التغيّب منعاً لإتخاذ قرار بهذا الشأن.
بإجتماع أو من دون إجتماع ومنذ اعتكاف القضاة ومجلس القضاء الأعلى يرفع الصوت مطالباً القضاة بالعودة الى ممارسة عملهم كالمعتاد. العلاقة بين المجلس والقضاة ومنذ الشروع بالإعتكاف ليست على خير ما يرام. ملاحظاتهم على أدائه في ما يتعلق بحقوقهم لم ترق إلى المستوى المطلوب أو المفروض. منذ تمّ التراجع عن صرف رواتب القضاة على سعر صرف 8000 ليرة للدولار لم يبذل مجلس القضاء الأعلى جهداً يعول عليه وسط شائعات متداولة في أروقة العدلية تتهم بعض كبار القضاة في مجلس القضاء برفض صيغة تسوية راتب القضاة وفق ما اقترحها الحاكم كي لا يظهر الموضوع على أنّه تمييز للقضاة عن غيرهم بينما هؤلاء يتقاضون راتبهم على أساس الصيغة التي رفضوا إقرارها لغيرهم.
ملّ القضاة وعوداً متراكمة من دون خطوات عملية تفي بالغرض وسط إجماع غالبيتهم على عدم تعليق الإعتكاف عن العمل الى حين إعادة النظر بأوضاعهم.
ويأسف القضاة لتعاطي الدولة مع مطالبهم باتباع سياسة اللامبالاة بينما تعطى الأولوية لعمال ومستخدمي مؤسسة أوجيرو ويصرف جزء من راتبهم بالفريش دولار ما جعل القاضي يتمنى لو كان مستخدماً في أوجيرو.
منذ أربعة أشهر لم يكن القضاة أولوية في سلم إهتمام الدولة والحكومة، وفي آخر الوعود التي تبلغوها أن يتم شمول القضاة بمبدأ الراتب مضروباً بثلاثة لكن شرط هذا الإجراء، وهو للقطاع العام، ألا يتخطى سقف 12 مليون ليرة بما لا يتناسب وراتب القاضي لأن قيمة الفرق لن تكون كبيرة. صيغة أخرى قيد الدرس تقضي أن يتم إحتساب أحد الرواتب الثلاثة على أساس قيمة 1500 ليرة مضروبة بـ8000 تصرف عن طريق المصرف المركزي وليس عن طريق خزينة الدولة. يحاذر قضاة من أن يكون مصير هذه الصيغة كسابقاتها وهم يتجنبون الحديث عن تفاصيلها.
شكّل عدم إكتمال نصاب مجلس القضاء وسيلة لهروب المجلس من مسؤولياته تجاه القضاة، لكن المجلس ليس بعيداً عن إتخاذ خطوات لمعالجة موضوع بالغ الحساسية لسلطة مؤتمنة على أرزاق الناس ورقابهم.
خمسة أشهر بلا سلطة قضائية من دون أن يحرك المسؤولون ساكناً علماً أنّ استمرار القضاء في القيام بواجبه هو استمرارية لمفهوم الدولة والقانون فكيف لبلد أن يسيّر شؤونه والعدل فيه معلق؟ وكيف ترضى السلطة السياسية ووزير العدل باستمرار مثل هذا الواقع؟
مصادر قضائية ورداً على سؤال يتعلق بدور وزير العدل قالت إنّ الوزير المعني كان رفض التوقيع على كتاب رياض سلامة بتعديل أساس راتب القضاة ولكن حين بات اسمه من الأسماء المتداولة في التغيير الوزاري إستدرك الأمر ووقع على الكتاب!
ينتظر القضاة «فرج الله» لمعاودة عملهم وتؤكد مصادر قضائية رفيعة الإستمرار في الإعتكاف إلى حين تسوية أوضاع القضاة المعيشية وتجاوز حجة مساواة السلك القضائي بغيره من القطاعات العامة لأنّ لا تماثل ما بين القضاء وسائر القطاع العام، فالقضاء سلطة في الدستور وهو يخضع لنظام القضاء العدلي الخاص به.
ليست الدولة وحدها المتآمرة على القضاء والتي لا تنتصر لحقوق قضاة العدل فيه بل إنّ الظلم هو من ذوي القربى. السلك القضائي ليس بخير. المسألة ليست مسألة تحسين راتب وتعديل قيمته. المسألة مسألة فساد لم يعد يستثني إلا القلة القليلة. في القضاء حتى كبار القوم يتآمرون على صغاره. فكيف لعدل أن يسود وغالبية الناطقين به ليسوا من أهل العدل؟