رئاسة الهند لمجموعة العشرين 2023: هل هي فرصة لتحويل العالم الى عائلة واحدة؟
بقلم: إيمان درنيقة الكمالي
النشرة الدولية –
“اليوم لسنا بحاجة للقتال من أجل بقائنا – لا يمكن أن يكون عصرنا عصر حرب، ولا يجب أن يكون واحدًا”.
هذا ما قاله رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي لدى اجتماع كان له مع بوتين في سبتنمبر الماضي، وقد شقّت هذه الكلمة طريقها إلى البيان الختامي لقمّة بالي.
لا شك، أنّ عالمنا اليوم يمرّ بمرحلة صعبة مليئة بالتحديات الجيوسياسية و الجيواقتصادية، ولا بدّ من إعادة إجراء التقييم الصحيح لطرق التصدّي لهذه المخاطر على نحو فعّال.
فمع انتشار القضايا العابرة للحدود كمشاكل تغيّر المناخ والارهاب والأوبئة وغيرها، أصبحنا بحاجة ، أكثر من أي مضى ، الى تعاون متعدّد الأطراف يعمل على ضمان المساواة بين الجميع وتحقيق التنمية، ويتيح إحلال السلام العالمي.
لقد فشلنا عندما اعتقدنا أنّ النصر والتقدم لأي دولة يتحقق عندما تتقاتل هذه الدولة مع غيرها على الأراضي والموارد وتسعى لتخزين الحاجات لشعوبها؛ بينما تعيش مليارات الشعوب الأخرى في حالة خطر.
لقد فشلنا عندما امتنعنا عن التدخّل الانساني في حروبٍ ومجازر ، متذرّعين بسيادة الدول، دون أن نعلم أنّ السيادة مسؤولية انسانية وعالمية قبل أي شيء اخر.
ومن ناحية ثانية، لقد فشلت الأمم المتحدة أن توقف الحروب وتمنع الصراعات، لأنّها وللأسف، بقيت سلطةً بيد الدول، لا سلطة فوق الدول التي رفضت أن تتنازل عن سيادتها لسيادة أعلى منها.
واليوم تسعى المؤسسات المتعدّدة الأطراف للعمل على قلب الصورة و تغيير قواعد اللعبة في هذا السيناريو المظلم .
ومن بين جميع المنتديات الحكومية، فان المجموعة 20 تشكل من دون أدنى شك منصةً فريدة من نوعها.
وقد تم تشكيل ال G20في عام 1999 على خلفية الأزمة المالية التي ضربت شرق آسيا وجنوب شرق آسيا في أواخر التسعينيات، وذلك بهدف تأمين الاستقرار المالي العالمي من خلال إشراك البلدان المتوسطة الدخل.
وتضم المجموعة ٢٠ كأعضاء الأرجنتين ، أستراليا ، البرازيل ، كندا ، الصين، فرنسا، ألمانيا، الهند، إندونيسيا، إيطاليا، اليابان، جمهورية كوريا، المكسيك ، روسيا، المملكة العربية السعودية ، جنوب إفريقيا، تركيا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي.
وتمثل 85 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و 75 في المائة من التجارة الدولية و60 بالمائة من سكان العالم .
وتتناوب رئاسة مجموعة العشرين كل عام بين الأعضاء ، وتشكل الدولة التي تتولى الرئاسة ، مع الرئيس السابق والقادم ما يسمى بـ “الترويكا”.
وهذه السنة، تتولى الهند رئاسة المجموعة ٢٠ حتى نهاية ديسمبر ٢.٢٣ ، وهي ستعقد خلال شهر أيلول اكثر من ٢٠٠ اجتماع مع قادة الدول والحكومات للتكاتف مع الجميع ولجعل رئاستها لـ جي20 رئاسة مداواة للجراح والآلام وتحقيق للتقدم والامن العالمي.
فهل فعلا يمكن للهند الغاء منطق الحروب والنزاعات المتجذر في عالمنا ؟ وهل يمكنها ايضا دفع العالم إلى خلق نظام اقتصادي عادل؟ وهل يمكنها التحول نحو منطق التعاون والعمل معا لصالح البشرية أجمعها؟
يقول الرئيس مودي: “مخطئ من يعتقد أنّ الحقد و الجشع متجذِّران في الطبيعة البشرية، فلو كان البشر أنانيين بطبيعتهم، فما الذي يفسر الجاذبية الدائمة للعديد من التقاليد الروحية التي تدافع عن الوحدة الأساسية بين الناس جميعًا “؟
إضافة الى ذلك، لقد عملت الهند جاهدة الى تأمين تمثيل أوسع للبلدان النامية والاقتصادات الناشئة في المؤسسات المتعددة الأطراف، وقد أثارت عدّة مرات نيابة عن الجنوب العالمي في المنتديات متعددة الأطراف المشاكل والمظالم التي يتعرض اليها عالم الجنوب. وهي ستستفيد حتما من رئاستها خلال هذا العام لتسليط الضوء على القضايا التي تهم الدول النامية و الاقتصادات الناشئة في العالم الجنوبي، وذلك من خلال طرحها على الطاولة العليا لمجموعة العشرين.
لقد اختارت الهند زهرة اللوتس، التي تمثل تاريخ الثقافة الهندية، لتصميم شعار المجموعة عشرين 2023، الذي صممته من ألوان الزعفران والأبيض والأخضر والأزرق ، ألوان العلم الوطني الهندي . وجعلت من البتلات السبعة في الشعار اشارة إلى البحار السبعة ، وتلاقي القارات السبعة في المجموعة عشرين للهند 2023، كما واظهرت ضرورة الجلوس حول زهرة اللوتس ، ورؤية الهند للعالم كعائلة واحدة ، وهذا هو النهج الذي سوف تتبعه الهند لتُخرج الانسانية منتصرةً من تحدياتها .
ومن هنا استمدت الهند عنوان مجموعة العشرين 2023: “ أرض واحدة ، عائلة واحدة ، مستقبل واحد” , الذي يتطابق مع العبارة السنسكريتية “Vasudhaiva Kutumbakam” التي تعني “العالم عائلة واحدة”، الموجودة في النصوص الهندوسية والمنقوشة على مدخل قاعة برلمان الهند، والذي يراه الرئيس مودي انه ليس مجرد عنوان بل هو رسالة ومسؤولية، مسؤولية الهند في معالجة ما تعتبره قضايا ملحّة في العالم ، بما في ذلك تغير المناخ ، والأمن الغذائي ، والرعاية الصحية ، والتكنولوجيا. وعلى هذا الاساس ، تؤكد الهند انه، وكما في العائلة نبدأ بتلبية احتياجات الصغير والضعيف ونجعلها همّنا الاول ، فسيكون الاتجاه الاول في أجندة G20 للهند ، لأولئك الذين تكون احتياجاتهم أكثر.
وفي المقلب الآخر، ان استضافة الهند للرئيس الصيني شي جين بينغ في نيودلهي العام المقبل ستشكل خطوة نحو السلام ، خاصة ان العلاقات بين الصين والهند هي في حالة جمود حاليا بسبب خلافاتهما على حدودهما المشتركة في جبال الهيمالايا .
كذلك، إنَّ اللقاء المتوقَّع بين رئيسي روسيا واوكرانيا فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي في نيودلهي على هامش قمة المجموعة عشرين هو مناسبة لخلق جسر التلاقي بين الدول المتحاربة من خلال الدبلوماسية والحوار.
نهاية، في ظل السياق الجيوسياسي الحالي الحافل بالتحديات والتوتّرات المتزايدة بين الدول ، وازاء أزمة المصداقية التي تواجه المؤسسات متعددة الأطراف، فإن مهمة الهند صعبة، و صعبة جدا.
ويبقى على الهند ، التي تشكّل مصغّرا عن العالم لاحتوائها سدس سكان العالم والتي استطاعت بحكمة المهاتما غاندي أن تنمو لتصبح أكبر ديمقراطية وخامس أكبر اقتصاد في العالم ، أن تثبت ما اذا كان تولّيها لرئاسة المجموعة 20 هو مجرد تغيير روتيني للحراسة في هيئة دولية، أم أنّه فرصة ذهبيّة لتحويل العالم الى عائلة واحدة؟؟