سينمائيون سعوديون: الانفتاح الثقافي يظهر صورا حقيقية عن المجتمع في المملكة

النشرة الدولية

العرب – حنان مبروك –

تظهر المملكة العربية السعودية منذ سنوات قليلة انفتاحا غير مسبوق على القطاعات الفنية والثقافية، ومن بينها السينما التي صارت قطاعا حيويا من حيث إنتاج الأفلام وتنظيم المهرجانات والمشاركة فيها، وللعاملين في القطاع رأيهم الخاص في السينما السعودية وردهم أيضا على كل من يستغرب هذا الانفتاح الثقافي.

انتقلت السعودية خلال سنوات قليلة من بلد بلا سينما إلى بلد يضم أحد أكبر المهرجانات السينمائية ألا وهو مهرجان البحر الأحمر السينمائي وشعاره “السينما كل شيء”. والمملكة إلى جانب الفعاليات السينمائية المحلية، ترسل بفنانيها الموهوبين للمشاركة في المهرجانات العربية والعالمية والفعاليات الثقافية ليقدموا لمحة عن الانفتاح الثقافي الذي هو في حقيقة الأمر بعض من تركيبة المجتمع الذي ظل طيلة سنوات منغلقا على ذاته، بعيدا عن ممارسة أغلب الفنون.

وتفيد إحصائيات بأن قطاع السينما يشهد نموا متصاعدا، فالمملكة تسير في اتجاه دعم الحراك السينمائي وتطوير القطاع وبيئة الإنتاج المحلية. وتنظم الجمعيات السينمائية وشركات الإنتاج مدعومة من هيئة الأفلام (حكومية) ندوات متتالية تدرس فيها حاضر الإنتاج السينمائي ومستقبله، هدفها من ذلك تقديم السينما السعودية كهيئة رائدة وقادمة بقوة في مجال الإنتاج السينمائي، نظير ما تزخر به المملكة من مقومات بشرية وثقافية وفنية، وهو ما يجعلها مركزًا جديدًا وحاضنة لإنتاج الأفلام والسينما في المنطقة.

وللمزيد من فهم ملامح التجارب السينمائية السعودية ومدى ارتباطها بالواقع المحلي وتمثيلها له في الخارج، التقت “العرب” مجموعة من المخرجين السينمائيين السعوديين الذين تحظى تجاربهم بالكثير من الإشادة والتثمين ويحاولون منذ سنوات التعبير عن صور مختلفة من المجتمع السعودي تنقل للآخر خارج المملكة وجها غير مألوف عن الحياة في السعودية.

يرى المخرج السعودي علي سعيد أن التوصيف الدقيق والتاريخي لما يحدث من ازدهار في الفنون في السعودية هو نهضة بما تحمل الكلمة من معان.

ويقول المخرج لـ”العرب” “أجل السعودية تعيش نهضة ثقافية وفنية، نعيشها كل يوم ونحاول المشاركة فيها ومواكبتها. وبخصوص قطاع الأفلام فقد جرت بحوث ودراسات استمرت لأكثر من عامين تمخض عنها إطلاق إستراتيجية هيئة الأفلام والتي فتحت لنا الأفق للتفكير أبعد من إنتاج الأفلام فقط إلى المشاركة الفاعلة في الوصول إلى نشوء قطاع سينمائي مستدام في السعودية يؤثر في المنطقة العربية والعالم”.

والمخرج علي سعيد هو واحد من المخرجين النشطين جدا في السينما السعودية، وتحصد أعماله جوائز وترشيحات مهمة، ومنها فيلمه “رقم هاتف قديم” الذي كانت آخر الجوائز التي حصل عليها من مهرجان القدس السينمائي.

ويقول المخرج لـ”العرب” إن “البيئة الاجتماعية السعودية اليوم ليست هي قبل عشر أو عشرين سنة، فالمجتمع دخل طور الانفتاح، لدينا جيل كامل درس في الخارج وعاد برؤى منفتحة ولدينا المشروع الوطني الأكبر 2030 والذي جوهره هو الانفتاح على العالم. أجل، التحولات الثقافية والاجتماعية قد تحتاج وقتا لتتضح لكن بشكل عام هي تسير في طريق مشرق”.

ويتابع “المرأة السعودية هي الأخرى حاضرة ومتوهجة في مختلف المجالات الفنية، ليس لأنها مرأة بل لأنها أيضا صاحبة تجربة خاصة، هي شهدت التحولات، من تقييد حركتها إلى تمكين المرأة وهو أحد أكثر الشعارات تداولاً في السعودية الجديدة”.

وتوافقه المخرجة هند الفهاد الرأي، حيث تعتبر أن “السينما السعودية تشهد مرحلة ولادة جدية، وهي في حالة بناء لشكل الفيلم السعودي”.

وتقول الفهاد في تصريح لـ”العرب” “الآن نحن نشهد تحقيق الحلم الذي كان صعبا في السابق، حلم يتحقق بأكبر مما طمحنا إليه، وهو أكبر من أمنياتنا”.

وتتابع “نشهد تأسيس بيئة جدية لإنشاء سينما سعودية منظمة ومهيكلة وتطوير لمهرجان الأفلام السعودية الذي بدأ منذ بدايات الألفية الثانية وتوقف لسنوات ثم عاد من جديد بحلة وحضور وأهداف واضحة. والمرأة السعودية كانت حاضرة من قبل أن يكون لدينا إنتاج سينمائي واضح ومشرعن، بمشاركتها في مهرجانات عربية وعالمية، أمثال عهد كامل وهناء العمير وأسماء أخرى”.

وبالفعل، بدأت ملامح القطاع السينمائي في المملكة تتشكل وتتضح، حيث صار المخرجون يتخصصون في أنماط سينمائية مختلفة، منها أفلام  الأنميشن وأفلام الرعب أو الإثارة والغموض، وأفلام القصص العائلية، وكلها أفلام تقول للعالم “نحن هنا”.

وهند الفهاد، هي مخرجة سينمائية ومنتجة أفلام سعودية، بدأت رحلتها الإخراجية عام 2012، وأنتجت عددا من الأعمال منها “مقعد خلفي”، والفيلم الروائي القصير “بسطة”، وتحاول تقديم تجارب متنوعة تقوم في أساسها على الحكاية، حكاية ما يمكن أن يحصل في المجتمع السعودي والعلاقات المتشابكة بين أطرافه.

وترى المخرجة الشابة أن السعوديين “يشهدون عرسا سينمائيا، وولادة جادة لم تنضج حتى الآن ولكنها في طور اختصار سنوات كثيرة سبقنا العالم فيها إلى الفن السابع وحتى نكون في مصاف البيئات التي تحتضن أي إنتاج سينمائي وتكون بيئة محفزة”.

وتابعت “نحن في المملكة لدينا منجم من القصص والحكايات لم يفتح حتى الآن، سواء على صعيد القصص الإنسانية أو الثقافية أو حتى قصص المكان، وانفتاحنا جاء في الوقت المناسب لنحضر ثقافيا ونتفاعل مع الآخر فنيا”.

وعبرت الفهاد عن استغرابها ممن يستنكرون على المملكة انفتاحها الثقافي والفني الذي بات يظهر بوضوح خلال السنوات القليلة الماضية عبر المهرجانات والفعاليات السينمائية والثقافية والفنية، وتقول عن ذلك “هذه النظرة تجعلني حزينة جدا، فنحن بشر لا نختلف عن بقية العالم الآخر، فقط ما اختلف الآن أنه صار باستطاعتنا أن نشارك العالم قصصنا ونقدم لهم أعمالا توضح لهم من نحن وما هي هويتنا وثقافتنا، وما تملكه السعودية من إرث حضاري وثقافي”.

ولا يختلف رأي المخرج علي سعيد عن ذلك، فهو يفسر استنكار بعض الأفراد في المجتمعات العربية لانفتاح المجتمع السعودي على الفنون والتغيرات الكبرى بأنهم “ينظرون إلى السعودية فقط كمكة المكرمة والمدينة المنورة، أي منطقة للتطهر والعبادة، لكن السعودية ليست فقط هذا الجزء العزيز والمقدس من البلاد، السعودية مملكة مترامية، لها تاريخ وتراث وآثار وشعب لديه حاجات ثقافية وروحية وفنية وحب لمواكبة العالم والانفتاح عليه، وما يحدث في المملكة اليوم من انتعاش للفنون هو تلبية لتطلعاتنا الثقافية والإبداعية التي حلمنا بها كثيرا”.

ويضيف سعيد مستغربا “الفنان السعودي محمد عبده لم يولد خلال أعوام الصحوة الثقافية، هو موجود بفنه منذ خمسين عاما، حتى أنه صنف فنان العرب، ما حدث أن جاء التحول ليعطي الفنان السعودي المكانة التي تليق به داخل مجتمعه ويؤكد أن الثقافة والفنون هما الواجهة الحضارية الأسمى في المجتمع المعاصر”.

من جانبه، يرى المخرج السعودي عبدالعزيز الشلاحي أن المملكة تعيش أفضل المراحل التي “تساعدنا في إنتاج الأفلام بالمستوى الذي يمنحها وجودا عربيا ودوليا صحيحا، نسير في طريق منظم ومرتب، ونحن نعيش مرحلة صقل للتجارب السابقة التي كانت محدودة على مستوى العرض والحضور ومستويات الاشتغال عليها”.

ويوضح الشلاحي لـ”العرب” أن “القطاع السينمائي يشهد دعما خاصا ورسميا، من الجهات الربحية أو غير الربحية ونحن حاليا نتمتع بفرص جيدة من حيث التسهيلات والدعم، كل ذلك في سبيل أن يكون في المملكة إنتاج سينمائي سعودي”.

لكنه يستدرك “رغم ظهور العديد من التجارب السينمائية التي يمكن اعتبارها ناجحة، إلا أننا لا نزال ننتظر نزول الأفلام للعروض داخل الصالات وتحديدا خارج المهرجانات، ليصبح لدينا بالفعل ثقافة سينمائية لا تكتفي بعرض الأفلام ذات الغايات الربحية والتجارية وإنما أيضا الأفلام المنتجة خصيصا للمهرجانات”.

وعبدالعزيز الشلاحي هو مخرج سعودي حاصل على جائزة أفضل مخرج في مهرجان الأفلام السعودية عام 2016 وعلى جوائز أخرى، وله العديد من الأعمال والأفلام السينمائية التي شاركت في مهرجانات الأفلام في المملكة العربية السعودية وفي الخليج وفي كافة أنحاء العالم. واستطاعت أفلامه حصد العديد من الجوائز، ومن بينها فيلمه “حد الطار” الذي رشح لجائزة الأوسكار عن فئة أفضل فيلم أجنبي للعام 2022.

ويعتبر الشلاحي أن “السينما منحت للمرأة السعودية حضورا قويا، لدينا مخرجات اشتغلن في القطاع قبل حتى تنظيمه وهيكلته، مثل هيفاء المنصور، وحتى على مستوى التمثيل، لدينا ممثلات يقدمن أنفسهن بمستوى جيد، وينافسن في مهرجانات عربية”.

ويرى المخرج الشاب أن مشاركة المملكة في المهرجانات السينمائية والاحتفاء بها يؤديان بشكل حتمي إلى تعزيز السينما في المملكة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى