محمد العدساني والمستشار الذي غيّر رأيه
بقلم: أ.د. غانم النجار

النشرة الدولية –

عندما اخترت موضوع التثمين لبحث الدكتوراه في الاقتصاد السياسي وصنع القرار، كنت أظنّها سياسة عامة أخرى، وكنت كلما اقتربت أكثر من التفاصيل، اكتشفت أنها وأعراضها الجانبية الأخرى، مثل حد الملكية الخاصة، قد تسببت في إعاقة القدرة على التفكير للخروج من مآزق البلاد المتنوعة.

وقد شملت تداعيات الاستمرار بسياسة التثمين كلّ ما هو مختل في الخيال السياسي والتنموي والاقتصادي، وجعلت من المجتمع برمّته كالعربة المتهالكة، المصبوغة بأصباغ زاهية من الخارج، أما في الداخل فلا قدرة على الحركة.

سلسلة المقالات هذه تغطي فقط حقبة قصيرة جداً، إلا أنها الأكثر كشفاً لمعضلة القرار في البلاد، وهي من 1964 إلى 1966، والتي ترأّس محمد العدساني خلالها المجلس البلدي، تبياناً وتقديراً لما بذله – مع رحيله يرحمه الله – بمنهجية علمية مدروسة، لإنقاذ البلاد من الهاوية، إلّا أن أصحاب القرار وحلفاء النفوذ أصروا على جرّ البلاد إلى حفرة بلا قرار، وما نراه الآن ليس إلا نتاجاً لما جرى حينذاك.

كانت الحلول التي حاول العدساني أن يطبّقها، متعددة المشارب، ومنها الحد من استملاك قطع كبيرة لأفراد محدودين، واستبدالها بأراضٍ متعددة الملكية، لأشخاص لم يسبق لهم الحصول على أموال التثمين. كان ذلك يعني جواز إلغاء صيغة نزع الملكية بعد صدورها، وهو مبدأ يهدد مصالح نفر قليل متنفذ في المجتمع.

تصدر صيغة نزع الملكية للمنفعة العامة جبرياً، أي أنّ صاحب العقار المثمن له لا يمكن أن يرفض استملاكها، وله أن يعترض على السعر عند لجنة الاعتراضات، والتي عادة ما ترفع السعر.

يقول العدساني: «أثناء بحثي في الصيغ، اكتشفت أن صيغة كانت قد صدرت لشخص واحد، بأرض كبيرة لإقامة مدرسة بمنطقة العضيلية، فخاطبت وزارة التربية، التي وافقت على نقل الموقع المقترح إلى خيطان، به ملّاك كثيرون، حيازاتهم صغيرة، أغلبهم لم يحصلوا على أموال من التثمين سابقاً، وبالتالي ستتوزع الفائدة على عدد أكبر، بدلاً من شخص واحد، فخاطبنا (الفتوى والتشريع) إن كان بالإمكان إلغاء صيغة نزع الملكية في حال انتفاء المنفعة العامة؟ وجاء الجواب من المستشار مذيّلاً بتوقيعه، وأحتفظ بنسخ منه، واضحاً، بجواز الإلغاء وبتبريرات وأسانيد قوية».

ويكمل: «ما إن قمنا بإجراءات الإلغاء، حتى فُتحت علينا أبواب الجحيم من الهجوم الشرس»، فما إن تمّ حل المجلس البلدي، حتى قامت البلدية بمخاطبة المستشار نفسه، فجاء ردّه مناقضاً لرأيه السابق، مؤكداً أنه لا يجوز إلغاء صيغة نزع الملكية، بتبريرات وأسانيد قوية، فصار دارجاً تسميته «المستشار الذي غيّر رأيه»، ذلك التغيير الذي صار نموذجاً متبعاً ربما حتى يومنا هذا… وللحديث بقية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى