هل ردت سوريا الجميل لإيران على حساب شركات الاتصالات؟
تحقيق يكشف عن ارتباط "وفا تيليكوم" بـ"الحرس الثوري" وكيانات وهمية لتخفيف أثر العقوبات عن طهران
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
قال محللون إن سوريا لديها دافع قوي لإظهار امتنانها لإيران بعد أن ساعدت الأسد في تجنب مصير نظرائه بالمنطقة (إعلام سوري)
كشف تحقيق أعده كل من “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية” و”مؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد” (OCCRP)، عن أن شركة ماليزية هي صاحبة الأغلبية في ملكية المشغل الثالث للهواتف المحمولة داخل سوريا هي “وفا تيليكوم”.
وبحسب التحقيق، الذي نشر بتاريخ التاسع من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، فإن الشركة لها صلات متعددة بـ”الحرس الثوري”، وحتى عام 2019 كانت مملوكة مباشرة لضابط إيراني خاضع للعقوبات بسبب تسهيل عمليات بيع نفط لصالح “الحرس الثوري”.
كما يرتبط اثنان من مسؤوليها الماليزيين بشركات فرضت عليهم عقوبات لدعمهم “الحرس الثوري، مما يدحض رواية النظام السوري بأن الشركة “وطنية بالكامل”.
وكان وزير الاتصالات والثقافة السوري إياد الخطيب أعلن في فبراير (شباط) الماضي منح ترخيص لمشغل ثالث للهواتف المحمولة في سوريا “طال انتظاره”، مؤكداً أنه “وطني بامتياز”.
وبدا لافتاً في إعلان الخطيب، الذي منح “وفا تيليكوم” الحقوق الحصرية لإدخال الجيل الخامس “5G” لمدة سنتين، الطلب من شركتي “سيريتل” و”إم تي إن” تأمين المعدات والأجهزة اللازمة لتفعيل هذه التقنية، والسماح للمشغل الجديد باستخدام أبراج الشركتين الموجودتين حالياً للعمل على التجوال المحلي وتقديم خدماتها.
الأمر الذي اعتبر حينها إيعازاً بانتهاء حقبة “سيريتل” وتسلطها على قطاع الاتصالات منذ عام 2000، وكما هو معروف فإن الشركة كانت ملك رامي مخلوف ابن خال رئيس النظام بشار الأسد، قبل أن تضع يدها عليها زارة الاتصالات في مايو (أيار) الماضي.
و”سيريتل” هي الشركة الأكثر انتشاراً في أنحاء سوريا، مقارنة بالشركة الثانية “MTN” ذات الملكية اللبنانية السورية المشتركة، التي استحوذت عليها شركة “Tele Invest” عام 2021 بموجب قرار قضائي.
“وفا تيليكوم”
وفقاً لمطلعين حينها على نص الترخيص، أكدوا غياب البنية التحتية الخاصة بالشركة المستحدثة وعدم كفاءتها لإطلاق الخدمة الجديدة، مما يعني عدم تحملها أي تكاليف مالية خلال العامين المقبلين على الأقل.
فيما تحدث آخرون عن أن مشروع القرار لا يعدو كونه تغييراً لاسم الشركات السابقة، التي كان يترأسها رجل الأعمال رامي مخلوف إلى المالك الجديد متمثلاً في شركة “وفا” التابعة لأسماء الأسد زوجة الرئيس السوري.
وكان أعلن رأسمال “وفا تيليكوم” رسمياً، ويبلغ 10 مليارات ليرة سورية، بعدد أسهم يبلغ 100 مليون سهم، قيمة كل منها 100 ليرة سورية، وهذا المبلغ وعند مقارنته برأسمال شركتي الاتصالات الهواتف غير المحمولة في سوريا، الأولى “سيريتل” والثانية “إم تي إن” يتضح أنه لا يساوي شيئاً، كما أن قيمته قليلة جداً بالنظر إلى مسار العملة السورية أمام الدولار الأميركي.
وكان يتلقى خدمات الشركتين قبل عام 2011 نحو 10 ملايين مستخدم، بحسب أرقام وزارة الاتصالات السورية، وأعطيت “وفا تيليكوم” حينها مدة ترخيص لـ22 عاماً قابلة للتجديد.
وتتكون الشركة من تحالف سبع شركات سورية حديثة الإنشاء مؤسسة في أعوام 2017 و2019 و2020، وهي “ABC” و”LBC advanced”، و”LBC Technonlogy”، و”LBC Telecom”، و”Wafa Invest”، و”Tele Space”، و”You Tell”، وفقاً لتقارير إعلامية نشرت في ذلك الوقت.
وبحسب حصة الشركات المساهمة في تأسيس المشغل، يتضح أن خمساً من أصل سبع شركات قدمت إسهامات مالية وحصلت على 50 سهماً بقيمة ألف ليرة لكل شركة من أصل 100 مليون سهم، فيما يبدو أنها واجهات اقتصادية أو أسماء شكلية ليس أكثر، بينما تتشارك “ABC” وWafa Invest”” الشركة ككل، وتتقارب فيها حصصهما، مع ارتفاع حصة “ABC” التي تشكل نحو 52 مليون سهم.
فرصة جاذبة لإيران
عام 2010 طلبت سوريا عروضاً للمرة الأولى لإدخال ترخيص ثالث للهاتف المحمول، وكان من المفترض أن تكون لحظة تحرير الاقتصاد الخاضع لهيمنة النظام منذ فترة طويلة.
وتقدمت شركات دولية عملاقة بعروضها، بما في ذلك “فرانس تيليكوم” و”اتصالات الإماراتية”، وشركة “تامكو” الإيرانية، لكن الشركة تم سحبها من المناقصة.
وبحسب ما أفاد به اقتصاديون سوريون وتقارير إعلامية فإن “تامكو” مسمى يعكس اسم ائتلاف “موبين ترست” (Mobin Trust Consortium)، المفروضة عليها عقوبات اقتصادية من قبل بريطانيا والاتحاد الأوروبي، ووصفوها بأنها شركة يسيطر عليها “الحرس الثوري”.
وقبل أن ترسي المناقصة على شركة من أصحاب العروض، اندلعت الحرب السورية في مارس (آذار) 2011، وتم تعليق الترخيص إلى أجل غير مسمى.
وكانت إيران ومنذ اندلاع الحرب قدمت مساعدات مالية وعسكرية كبيرة وما زالت إلى النظام السوري، بمليارات الدولارات. وعلى رغم الأزمة الاقتصادية التي مرت بها سوريا، بقي قطاع الاتصالات مستمراً جني الأموال، وتحقيق الأرباح.
عام 2021، دفعت شركتا التشغيل الحاليتين في البلاد، “سيريتل” و”إم تي إن سوريا” للحكومة مبلغاً إجمالياً قدره 130 مليار ليرة سورية (نحو 37 مليون دولار بمعدل سعر السوق السوداء) باعتباره “حصة الدولة” من الإيرادات، وجعل قطاع الاتصالات فرصة جاذبة لإيران.
قال المسؤولون صراحة إنهم يتوقعون رد الجميل لدعمهم، حيث صرح في مايو 2020، النائب الإيراني البارز حشمت الله فلاحت بيشه بأن الكلفة الإجمالية لدعم إيران لسوريا تراوحت بين 20 إلى 30 مليار دولار، وإنهم يتوقعون أن يتم سدادها.
وبحسب تحقيق (OCCRP)، فإنه وفي يناير (كانون الثاني) 2017 زار رئيس الوزراء السوري عماد خميس إيران ووقع مذكرة تفاهم لمنح رخصة الهاتف المحمول الثالثة لشركة الاتصالات المتنقلة الإيرانية أو “MCI”، التي كانت حتى عام 2018 مملوكة جزئياً لـ”الحرس الثوري” من خلال ائتلاف “موبين”، لكن لأسباب غير واضحة وقتها لم ير ذلك الاتفاق النور.
وقال المسؤولون السوريون إنهم ما زالوا يبحثون في الخيارات، ولم يقدموا سبباً، وأخبر اثنان من رجال الأعمال السوريين معدي التحقيق أن مخلوف قاوم منح “MCI” الترخيص، لأنه لا يريدهم أن يقتطعوا حصة “سيريتل” في السوق، أو يستخدموا نظام التجوال الوطني الخاص بها.
وبعد فترة وجيزة تحركت حكومة الأسد، التي تعاني ضائقة مالية، لتأكيد سيطرتها على المشغلين الحاليين، وابتداء من منتصف عام 2020، اتهمت السلطات شركتي “سيريتل” و”إم تي إن سوريا” بأنهما مدينتان بعشرات الملايين من الدولارات كضرائب متأخرة، وعندما رفضت الدفع وضعتهما تحت سيطرة “الأوصياء” المعينين من قبل الدولة.
وفي أعقاب تأسيس شركة المشغل الجديد عام 2017، كانت نحو 48 في المئة من أسهمها مملوكة لشركة سورية تدعى “وفا إنفست”، شارك في تأسيسها مساعد الأسد يسار إبراهيم (39 سنة)، الذي قالت صحيفة “واشنطن بوست” إنه لعب دوراً رئيساً في الاستحواذ “الشبيه بأسلوب المافيا” على مشغلي الاتصالات في سوريا.
وفرضت الولايات المتحدة، كما الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، عقوبات على إبراهيم بسبب عمله كوكيل مالي للأسد، وكان موقع “الحل” السوري، قد ذكر في مايو 2021، أن شركة “وفا للاتصالات” أسست عام 2017، على يد مدير الدائرة الاقتصادية في القصر الجمهوري يسار إبراهيم، إضافة إلى شخصين آخرين.
كما أشار الموقع إلى حضور اسم علي إبراهيم في تأسيس أربع شركات اتصالات عام 2020، وهي “تيلي سبيس” و”سبيس تيل” و”البرج الذهبي”، إضافة إلى إسهامه في “وفا تيليكوم” عبر شركة “تيلي سبيس” عام 2021.
وتم خفض حصة “وفا إنفست” إلى 28 في المئة، وتم منح 20 في المئة منها لشركة الاتصالات السورية المملوكة للدولة، مما يجعل الحكومة السورية شريكاً مباشراً في المشروع.
أما نسبة 52 في المئة المتبقية فكانت في حوزة شركة مبهمة تدعى “أرابيان بيزنس كومباني” (ABC)، التي أنشئت في أغسطس 2020 بمنطقة التجارة الحرة في دمشق.
ورفض مسؤولون سوريون الكشف عن هوية مالك شركة “إيه بي سي”، وفي تصريحات علنية وصفوها بأنها “شركة وطنية”، مما يعني ضمناً أنها مملوكة لسوريين من دون أن يقولوا مزيداً.
لكن وثيقة التسجيل التي حصل عليها معدو التحقيق، تظهر أن تلك التصريحات كانت “مضللة”، للوهلة الأولى لا يعطي تسجيل شركة “ABC”، الذي تم الحصول عليه من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية مؤشراً يذكر على تورط إيران، بينما مساهموها المدرجون هم رجل أعمال سوري وشركة ماليزية تدعى “تيومان جولدن تريجر” (Tioman Golden Treasure)، تأسست في فبراير 2013.
ويكشف التحقيق أن الشركة الماليزية ليست متخصصة في الاستثمار بمجال الاتصالات، ولديها صلات متعددة بـ”الحرس الثوري”.
كما تظهر السجلات الماليزية، التي أوردها المعدون، أنه حتى أغسطس 2019، أي قبل نحو عام من تسجيل “إيه بي سي”، كانت 99 في المئة من أسهم شركة “تيومان” مملوكة لضابط في “الحرس الثوري” يخضع لعقوبات أميركية يدعى عظيم مونزاوي.
وتصف الولايات المتحدة، في بيان العقوبات الصادر في مايو 2022 بحق مونزاوي، بأنه “مسؤول في الحرس الثوري الإيراني يسهل مبيعات النفط نيابة عن الحرس الثوري الإيراني”، بما في ذلك تحديد مدفوعات النفط من شركة الطاقة المملوكة للدولة في فنزويلا “”PDVSA، ويملك واحد في المئة المتبقية من أسهم تيومان، شخص ماليزي، وهو أيضاً مالك لشركة نفط.
يذكر أنه في يناير 2017، قالت صحيفة “الوطن” القريبة من النظام السوري، إن شركة “MCI” الإيرانية حصلت على رخصة المشغل الثالث للخلوي، لكن وزير الاتصالات نفى ذلك في سبتمبر (أيلول) 2019.
وقال الخطيب حينها، إن مشغل الاتصالات الخلوية الثالث في سوريا سيكون من نصيب شركة وطنية، نافياً في الوقت نفسه خلال حديث لموقع “الاقتصادي” المحلي، أن تكون الشركة من نصيب الاستثمار الإيراني.
واجهة ماليزية
عام 2013 فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركة “بتروجرين” لعملها كـ”وكيل مشتريات رئيس” لشركة خاتم الأنبياء، وهي تكتل هندسي إيراني يسيطر عليه “الحرس الثوري”.
وهناك سجل منفصل يدرج ماليزياً آخر سكرتيراً لشركة “تيومان”، كما تم إدراج سكرتيراً لشركة “بتروغرين”، وكذلك لشركة ماليزية أخرى تسمى “غرين ويف للاتصالات”.
عام 2015، اتهمت محكمة مقاطعة مينيسوتا الأميركية شركة “غرين ويف” بالحصول على “تكنولوجيا حساسة خاضعة للمراقبة” من الولايات المتحدة لإيران.
في وقت لاحق، قال أحد المتهمين بالجريمة إن هذه التكنولوجيا أرسلت عبر ماليزيا إلى شركة “فانا موج” (Fana Moj)، وهي شركة فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات لتقديمها الدعم لـ”لحرس الثوري”.
وتمت معاقبة شركة “غرين ويف” نفسها عام 2018. وقالت ضابطة الاستخبارات السابقة في وزارة الخزانة الأميركية إيرين كينيون، مديرة تقييم المخاطر حالياً بشركة “فايف باي سوليوشنز” الاستشارية، إن “تيومان” لديها عديد من السمات المميزة لشركة وهمية أو شركة واجهة كلاسيكية.
وأوضحت “هدف تجاري غامض، وعناوين متداخلة، وحضور ضئيل على الإنترنت لمسؤوليها الرئيسين، وتتضمن عدداً قليلاً من الموظفين، على رغم مرور ما يقرب من عقد من الزمان على تأسيسها”.
وأضافت كينيون أن كل هذه الصفات مجتمعة تظهر بشكل واضح أنها “شركة وهمية أو شركة واجهة”، في حين أن الروابط المتعددة بين مالكيها مع مونزاوي وغيرها من الكيانات الخاضعة للعقوبات تظهر تورط إيران على الأقل، إن لم يكن “الحرس الثوري”.
إخفاء العمليات
أوضح الخبير الاقتصادي ورئيس تحرير النشرة الاقتصادية “The Syrian Report” جهاد يازجي أنه “بشكل عام لم يتحدث الحرس الثوري الإيراني، على حد علمي، علناً عن أي مشروع يشارك فيه في سوريا، وبشكل عام يحرص الإيرانيون على إخفاء أجزاء من عملياتهم في سوريا”.
وقال مسؤول حكومي سابق على معرفة بقطاع الاتصالات، طلب عدم الكشف عن هويته خوفاً على سلامته، إن شركة “ABC” المالكة للأغلبية في شركة “وفا تيليكوم” قد أنشئت في منطقة التجارة الحرة بدمشق جزئياً لإخفاء تورط طهران، أضاف “لقد فعلوا كل ما يمكن فعله لإخفاء الملكية الإيرانية”.
ويرى المحللون أن أسباباً عدة قد تجعل السلطات الإيرانية حريصة على إخفاء أي استثمار في قطاع الاتصالات السوري، تكمن في تجنب جذب انتباه فارضي العقوبات أو حتى لا تخيف العملاء، الذين قد يكونون حذرين، من استخدام شبكة هاتف تابعة لقوة عسكرية أجنبية.
وقالوا إن سوريا لديها دافع قوي لإظهار امتنانها لإيران بعد أن ساعدت الأسد في تجنب مصير نظرائه في تونس وليبيا واليمن ومصر.
وبحسب التحقيق، قال فهد درويش رئيس غرفة التجارة السورية – الإيرانية، لقناة تلفزيونية تديرها الدولة في مايو من هذا العام، إن “شقيقتنا إيران هي شقيقة في كل شيء”.
وأضاف درويش “عندما كنا في حال حرب قاتلنا معاً، لقد وقفوا معنا طوال الحرب وساندونا في وضعنا الاقتصادي، ومن الطبيعي أن يحصلوا على الأفضلية والأولوية من حيث المشاركة في الاستثمارات”.
وعلى رغم أن إيران أقامت مصالح اقتصادية في سوريا، إلا أن المشاركة الأعمق قد تمت إعاقتها بسبب العقوبات الغربية والصراع والمنافسة مع الداعم الرئيس الآخر للأسد روسيا، للحصول على عقود واستثمارات.