تجربة الإجازة لثلاثة أيام في الأسبوع بين الإيجابيات والسلبيات

بدأ التقليل التدريجي في عدد ساعات العمل منذ أواخر القرن الـ19

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية –

في شهر أبريل (نيسان) الماضي أعلنت الولايات المتحدة وكندا عن بدء تجربة عمل جديدة استمرت ستة أشهر، انتهت في سبتمبر (أيلول) 2022، واستهدفت هذه التجربة آلية العمل لأربعة أيام أسبوعياً. وشاركت 38 شركة من الولايات المتحدة وكندا في تلك التجربة التي أطلقتها جامعة أكسفورد، واستهدفت مساعدة الشركات على قياس أبرز سمات العمل لمدة أربعة أيام في الأسبوع. وتراوحت الشركات الأميركية التي شاركت في البرنامج التجريبي بين شركات ناشئة تضم 25 شخصاً إلى مؤسسات كبيرة تضم عدة مئات من الموظفين. ويكثر النقاش أخيراً عن الفوائد العديدة للعمل أربعة أيام فقط أسبوعياً بدلاً من خمسة أيام، وكيف يمكن أن يسهم العمل لمدة 32 ساعة فقط بدلاً من 40 ساعة في تحسين رفاهية الموظفين، من دون التأثير على الإنتاجية. ومن المفترض، وبحسب الباحثين أن يكون العمل أربعة أيام أسبوعياً بمزايا العمل نفسه لمدة خمسة أيام، بما في ذلك الرواتب والإنتاجية. وقد يعمل جميع الأشخاص من الإثنين إلى الخميس، أو يتم السماح لكل موظف باختيار يوم عطلته الإضافي.

سوسن مهنا

وأشارت بعض الدراسات إلى أن غالبية الموظفين كانوا أكثر ارتياحاً تجاه حياتهم وعملهم مع تخفيض عدد أيام أسبوع العمل. وتقول كاث بلاكهام الرئيسة التنفيذية لشركة “فيرسا” للتسويق الرقمي في أستراليا، إنها قلصت عدد أيام العمل أسبوعياً في يوليو (تموز) 2018، وارتفعت بذلك عائداتها السنوية بنسبة 46 في المئة، وتضاعفت أرباحها نحو ثلاث مرات. واقترحت بلاكهام تقليص أسبوع العمل إلى أربعة أيام بعدما جربت الشركة أنظمة عدة للدوام على مدى 10 سنوات، وأقنعت بلاكهام كبار المديرين بالشركة بتجربة نظام عطلة منتصف الأسبوع، وتعهدت إلغاءه في حال باء بالفشل. وكان قرار بلاكهام منح الموظفين إجازة في منتصف الأسبوع (تحديداً يوم الأربعاء)، يهدف إلى تجديد نشاطهم مرتين أسبوعياً، بدلاً من تمديد عطلة نهاية الأسبوع، لأنها كانت تخشى أن يستغلها الشباب تحديداً للحصول على عطلة أطول. ولاحظت أن إعطاء الموظف الحرية لاختيار أيام العطلات التي تناسبه قد يؤثر على إنتاجية الشركة لأن الموظفين الآخرين أو العملاء قد يلتبس عليهم الأمر ولا يعرفون الأيام التي يوجد فيها الموظف.

الفكرة ليست جديدة

فكرة إنجاز مزيد من العمل في وقت أقل ليست بالفكرة الجديدة، إذ إنه بهذه الطريقة تستطيع الشركات أن توفر بعض الكلف، كالكهرباء والمواصلات، كما تتيح للموظفين الفرصة لارتياد صالة الألعاب الرياضية وإنهاء الأعمال المنزلية اليومية، ورعاية الأطفال، وتنظيم مواعيدهم، والعمل في مشروعاتهم الخاصة، أو حتى مشاهدة التلفاز، وهي بذلك تقوم باستثمار ناجح من خلال تحسين معنويات الموظفين، مما يساعد على زيادة الإنتاج. وبدأ التقليل التدريجي في عدد ساعات العمل خلال أسبوع العمل المعتاد منذ أواخر القرن الـ19. وفي عام 1890 قدرت حكومة الولايات المتحدة أن الموظف بدوام كامل داخل مصانع التصنيع يعمل بمعدل 100 ساعة في الأسبوع. وبحلول منتصف القرن الـ20 كان موظفو التصنيع يعملون 40 ساعة فقط في الأسبوع. إذاً، إن تقليل أسبوع العمل الحالي إلى 28 ساعة ليس بالأمر الجديد جذرياً. وبدأت شركة “فورد” الأميركية تطبيق سياسة أسبوع العمل لمدة خمسة أيام بدلاً من ستة في بعض مصانعها في شهر يوليو من عام 1926، وأصبح ذلك بمثابة سياسة عامة للشركة بحلول شهر سبتمبر من العام نفسه. وفي عام 1938 صدر قانون فيدرالي حدد ساعات العمل بـ44 ساعة أسبوعياً، وفي عام 1940 حدد القانون ساعات العمل بـ40 ساعة أسبوعياً. ومنذ تسعينيات القرن الماضي بدأت بعض الأماكن في الولايات المتحدة الأميركية تجرب العمل لمدة أربعة أيام فقط أسبوعياً. وبدأت شركة “وايلدبيت” (Wildbit)، وهي شركة برمجيات صغيرة تأسست في فيلادلفيا عام 1999، تطبيق نظام العمل أربعة أيام أسبوعياً في عام 2017. وتمكنت الشركة من تطبيق هذا النظام بنجاح من خلال التركيز على الجودة والنتائج وليس الكم، والتركيز على العمل العميق بدلاً من ساعات العمل. وفي شهر يونيو (حزيران) 2021 أعلنت شركة “مايكروسوفت” عن نتائج تجربة تضمنت إعطاء الموظفين في فروعها باليابان يوم عطلة إضافي بحيث يعملون أربعة أيام فقط أسبوعياً. تلك التجربة التي بوشر بتنفيذها منذ شهر أغسطس (آب) 2019، والتي جاءت لتقول إن معدل الإنتاجية ارتفع بقيمة نحو 40 في المئة مع مزايا أخرى إضافية كتخفيض حجم الورق المطبوع بقيمة 60 في المئة، وانخفاض نفقات الكهرباء بقيمة 23 في المئة، وذلك من خلال محاولة تطبيق برنامج “Work-Life Choice Challenge” الذي يوازن بين حياة الناس وعملها. أما في جمهورية غامبيا، فطبق الرئيس يحيى جامع منظومة عمل حكومية يعمل الموظفون بها من الإثنين إلى الخميس، وبدأ العمل بتلك المنظومة في عام 2013، لكن خلفه، الرئيس آدم بارو، غير المنظومة مرة أخرى في عام 2017 ليعمل الموظفون خمسة أيام في الأسبوع. وفي نيوزيلندا قال أندرو بارنز مالك شركة تضم أكثر من 200 عامل إن موظفيه انتقلوا إلى أسبوع عمل لمدة أربعة أيام منذ عام 2018. وأوضح بارنز أن التحول جعل موظفيه “أكثر سعادة وإنتاجية”، مشيراً إلى أن “هذا النظام له أيضاً فوائد للصحة العقلية والبدنية والبيئة والحياة الأسرية والاجتماعية”. وكانت رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن طالبت أصحاب العمل في مايو (أيار) 2020، النظر في أسبوع عمل مدته أربعة أيام مع إعطاء العمال خيارات عمل مرنة لخلق توازن بين العمل والحياة اليومية، وذلك بعد تفشي وباء “كوفيد-19”. وقالت أرديرن، “سمعت كثيراً من الناس يقترحون أن يكون لدينا أسبوع عمل مدته أربعة أيام. في النهاية هذا راجع للاتفاق بين أصحاب العمل والموظفين. لقد تعلمنا كثيراً من أزمة كورونا، والمرونة أثبتت جدواها”. وأضافت، “أشجع الناس حقاً على التفكير في ذلك، خصوصاً إذا كنت صاحب عمل يسمح له الوضع بذلك. وإذا كان هذا الشيء ممكناً، فإنه بالتأكيد سيساعد السياحة في جميع أنحاء البلاد”. وبحسب شبكة “بي بي سي” في تقرير لها في مايو 2019 تدرس رابطة الاتحادات التجارية في المملكة المتحدة والاتحاد التجاري في إيرلندا والحزب الوطني الاسكتلندي وحزب العمال البريطاني مدى جدوى تقليص أسبوع العمل إلى أربعة أيام. وخفضت بعض الأقاليم في السويد ساعات العمل اليومي أو أيام العمل الأسبوعي، لكن بعض تجارب تقليص ساعات العمل لم تحقق النجاح المنشود، فعندما جربت دور الرعاية الصحية الحكومية في مدينة غوتنبرغ بالسويد تقليص ساعات العمل إلى ست ساعات يومياً، زادت المصروفات بسبب احتياجها لتعيين مزيد من الموظفين.

وفي ما يلي تجارب لدول خفضت عدد ساعات العمل الأسبوعي.

المملكة المتحدة

في المملكة المتحدة تم إطلاق برنامج تجريبي مدته ستة أشهر في يناير الماضي تعتمد من خلاله شركات متخصصة لدراسة تأثير ساعات العمل بأيام دوام أقل أسبوعياً على إنتاجية الشركات ورفاهية عمالها، فضلاً عن التأثير في البيئة والمساواة بين الجنسين.

أيسلندا

من جهة أخرى، قالت مراكز بحثية أيسلندية وبريطانية إن أكبر تجربة لخفض عدد أيام العمل الأسبوعي في العالم، والتي انتهجتها أيسلندا أظهرت نجاحاً كبيراً. وشارك أكثر من 2500 أيسلندي في التجربة التي خفضت ساعات العمل أسبوعياً إلى ما بين 35 و36 ساعة (أربعة أيام من العمل الأسبوعي) خلال الفترة ما بين عامي 2015 و2019 دون خفض رواتبهم.

بلجيكا

وأعلنت بلجيكا في 15 فبراير (شباط) 2022 سلسلة قوانين جديدة خاصة بالعمل من بينها إعطاء الحق للعامل في العمل أربعة أيام أسبوعياً بدلاً من خمسة.

السويد

في السويد تم اختبار أسبوع العمل لمدة أربعة أيام بأجر كامل في عام 2015.

إسبانيا

من ناحية ثانية، وافقت الحكومة الإسبانية في مارس (آذار) 2021 على إطلاق مشروع تجريبي للشركات المهتمة بتطبيق الأسبوع المكون من 4 أيام عمل فقط (32 ساعة).

تجربة الدول العربية

في شهر أغسطس (آب) من العام الحالي، أعلنت سلطات إمارة الشارقة في الإمارات العربية المتحدة نتائج التقييم الذي أجراه المجلس التنفيذي للإمارة في شأن العمل أربعة أيام في الأسبوع بدلاً من خمسة في الدوائر الرسمية. وبحسب دراسة أجراها المجلس التنفيذي لإمارة الشارقة، أسهم نظام العمل المطبق حديثاً “في ارتفاع عدد من المؤشرات والعوامل الإيجابية المتعلقة ببيئة العمل والإنتاجية للموظفين”، بحسب ما نقلت وكالة أنباء الإمارات الرسمية (وام)، حينها. وارتفعت مؤشرات كل من جودة العمل والكفاءة والإنتاجية وسرعة الإنجاز ومستويات رضا الموظفين والمتعاملين خلال الدراسة التي شملت عدداً من الجهات الحكومية، منها قطاع الشرطة والبيئة والموارد البشرية والقطاع المالي. ووفقاً للدراسة، انخفضت الحوادث المرورية والوفيات مقارنةً مع الربع الأول لعام 2021، بنسبة تصل إلى 40 في المئة،‎ إضافة إلى انخفاض الإصابات البليغة. وأسهم نظام العمل الجديد في تحسين الأداء المالي للجهات الحكومية، وذلك وفق التحليل المالي ومقارنة المصروفات والإيرادات، وغيرها من العوامل المالية، وفقاً لـ”وام”. وكان المجلس التنفيذي لحكومة الشارقة قد اعتمد تغيير نظام العمل الأسبوعي تماشياً مع رؤية الدولة ليصبح أربعة أيام عملاً، ابتداءً من يوم الاثنين وحتى يوم الخميس، وتصبح عطلة نهاية الأسبوع أيام الجمعة والسبت والأحد، وذلك ابتداءً من الأول من يناير (كانون الثاني) 2022، لتكون الشارقة الأولى عربياً في تطبيق ثلاثة أيام عطلة أسبوعية. وفي فبراير (شباط) الماضي، بتت وزارة الموارد البشرية السعودية بقضية تغيير نظام العمل لأربعة أيام، وأن تكون عطلة نهاية الأسبوع ثلاثة أيام، وذلك بعد التفاعل بين نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي. ونقلت قناة “الإخبارية” السعودية في بيان عن الوزارة أنه “لا صحة لما تم تداوله في وسائل الإعلام حول عزم الوزارة دراسة موضوع تقليص أيام العمل”، مضيفةً أن “ما تدرسه الوزارة هو نظام العمل وتقوم بمراجعة دورية للأنظمة المعمول بها بهدف زيادة استحداث الوظائف ورفع جاذبية السوق للاستثمارات المحلية والدولية”.

فوائد وسلبيات الإجازة 3 أيام

بالنسبة لآيدن هاربر، أحد مؤلفي كتاب يروج للعمل لمدة أربعة أيام  (The Case for a Four Day Week) تتمتع الدول التي تعتمد هذا النظام بإنتاجية أكبر. ويشرح أن “اليونان هي واحدة من الدول الأوروبية التي تعتمد أطول ساعات عمل مقابل إنتاجية ضعيفة”. ويرى فيل مكبرلاين، مؤسس منصة “4dayweek.io” المتخصصة في العمل المرن والوظائف القائمة على أربعة أيام في الأسبوع، أن “أسبوع عمل أقصر هو خيار مربح للمؤسسات والعمال على حد سواء”. ويتحدث عن “قدرة خارقة على التوظيف”. وتؤكد هذه المنصة أن عدد الشركات الراغبة في التوظيف على أساس العمل أربعة أيام زاد أربعة أضعاف خلال العامين الماضيين، مما يعكس اعتماد نظام العمل الهجين بصورة متزايدة والسعي إلى تحسين نوعية الحياة بعد سنتين من وباء “كوفيد-19″، بحسب ما نقلت “وكالة الأنباء الفرنسية” في مايو الماضي. ويقول راي كوبر، وهو باحث في مجال علاقات العمل بجامعة سيدني، إن “تخفيض عدد أيام العمل الأسبوعي يعالج قضية أخرى ذات أهمية بالغة، وهي الحفاظ على المرأة التي تتمتع بخبرة ومهارة في سوق العمل”. ويضيف، “معظم الأمهات في أستراليا يضعن طفلهن الأول في مستهل الثلاثينيات، أي عندما يصل الموظف إلى ذروة نشاطه وتطوره المهني ويتضاعف دخله وإنتاجيته، وفي هذه السن تضطر النساء إلى ترك سوق العمل لأنهن لا يتمكن من التوفيق بين متطلبات الطفل واحتياجات العمل”.

وفي حين أن هناك عديداً من الفوائد لأسبوع العمل لمدة أربعة أيام، لكن أيضاً هناك بعض العيوب، إذ بدأت شركة هندسة البرمجيات والبيانات “إيليفانت فانتشرز” Elephant Ventures، ومقرها في مدينة نيويورك، في اختبار أسبوع العمل لمدة أربعة أيام في أغسطس للمساعدة على منع إرهاق الموظفين والحفاظ على التوازن بين العمل والحياة أثناء الوباء. وكانت الخطة هي تجربة أيام عمل لمدة 10 ساعات من الإثنين إلى الخميس لمدة شهرين. ولمعرفة رأي العمال في الجدول الجديد، استطلعت الشركة آراء الموظفين حول التحول، قبل وأثناء وفي نهاية تلك الفترة التجريبية. وقال مؤسس الشركة ومديرها، “عليك أن تركز حقاً على تمكين الفريق واتخاذ القرار معاً لأن على الجميع إجراء تعديلات على حياتهم، حيث استغرق الأمر من الموظفين نحو ثلاثة إلى أربعة أسابيع للتكيف. بعد أيام عطلة نهاية الأسبوع الثلاثة الأولى، وعاد العمال وهم يشعرون بالراحة أكثر مع مزيد من الحماس لاستئناف العمل، لكن في نهاية ذلك الأسبوع شعروا بعبء الأيام الأطول والتكيف مع روتينهم المعتاد. في النهاية، تم استقبال أسبوع العمل المضغوط بشكل جيد، لدرجة أن الشركة اعتمدت الجدول بشكل دائم”.

Back to top button