مصدر إلهام ملحمة الأوديسة الشعرية لـ «هوميروس»… «جربة».. جزيرة الأحلام والسلام

النشرة الدولية –

النهار الكويتية – سميرة فريمش –

أهل جزيرة جربة التونسية يطلقون عليها اسم جزيرة الأحلام ويتغنون بها فيقولون:

جربة جميلة وارضها مجملها

يا سعد من يدخلها يحوس قدا زيتونها ونخلها

جربة بلاد سياحة بلاد ثيقة والهنا والراحة

يا وكل من يدخلها يندم على مرواحة

كنت استمع لهذه الاغنية ولم اكن اعلم حقيقة ما تضمنته من معانٍ حتى زرت جربة ضمن تغطية فعاليات القمة الفرانكوفونية في دورتها الـ 18 ولم استوعب قبل زياراتي هذه شغف الكثير من السياح لزيارتها والتمتع بهوائها وبحرها وحتى اسواقها.

فاثناء توجهي الى جربة تم توفير جميع التسهيلات الاعلامية لتغطية فعاليات القمة الفرالفراكوفوية رغم ما شهدته من طوابير طويلة لعبور البحر باتجاه جزيرة السلام والاحلام.

وعند وصولي ليلا الى الجزيرة متوجهة الى فندق اقامتي الذي يبعد عن المطار بـ 30 كلم لاحظت لافتة مكتوباً عليها شارع القدس عاصمة فلسطين الابدية وعند سؤالي عن هذه التسمية قيل لي ان اهالي المدينة هم من وضعوها لان ذلك الدوار به اتجاه نحو معبد الغريبة الذي يقصده آلاف اليهود لاحياء اعيادهم الدينية السنوية وهذا تاكيد

على دعم اهالي جربة للقضية الفلسطينية مثلهم مثل بقية الشعب التونسي ، فكانت تلك اللافتة اول ما شد انتباهي الا ان هذا لم يكن التعبير الوحيد لاهالي جربة عن حبهم لفلسطين فقد سطرت كلمات دعم للقضية على جدران بعض المنازل وتحمل هم سكان تلك المنطقة للقضية المركزية للوطن العربي وهي فلسطين.

ويعتقد أن جزيرة جربة، التي تتوفر بها قلاع القراصنة والمساجد التي تشبه القلاع الحصينة، أنها كانت مصدر إلهام ملحمة الأوديسة الشعرية التي وضعها هوميروس. ويربط الجزيرة بالبر الرئيسي طريق صممه الرومان في الأصل، يمكن الوصول إليه من جنوب تونس.

غابات النخيل

وتتميز «جربة» بعمارتها الفريدة ومساجدها المتميّزة، وتنتشر بها غابات النخيل والزيتون والبساتين، كما أن طقسها معتدل طوال العام، وهي تحتضن تاريخ ثلاثة آلاف

عام من الحضارات المتعاقبة، وبالجزيرة شواطئ رملية ساحرة، وبها استراحات للسياحة، تتميّز بطرقات عصرية وفنادق فخمة على أحدث طراز، ومنتجعات استشفائية مخصصة للسياحة العلاجية، وتحوط بها مجموعة من المتاحف

والأبراج القديمة، وقرية «كلالة» العتيقة بقبائها المتميزة.

وبها عدد من المعالم الأثرية والتاريخية، أبرزها برج ‹الغازي مصطفى›، الذي يعود تاريخه للقرن الخامس عشر الميلادي، حيث بناه السلطان الحفصي «أبو فارس عبدالعزيز»، الذي انتقل عام 1432هـ للجزيرة لمواجهة الحملة الإسبانية، التي كان يقودها الملك الأرجوني ألفونس الخامس.

ولا تقتصر روعة الجزيرة على شواطئها الخلابة فقط، بل تتميّز بكساء نباتي وجبال ذات طابع فريد ومتنوّع، وتصطف أشجار النخيل على جانب الطريق المؤدي للساحل الغربي لها، ويطل مسجد ‹سيدي جمور› الصغير بلونه الأبيض المميّز من بين تلال الجزيرة.

المنتجعات والفنادق

بجربة مطار دولي يستوعب ملايين المسافرين سنويا، كما يوجد قطار سريع بين المدن التونسية، مثل تونس والمرسى وقرطاج وسيدي بوزيد، وتمتد الخطوط الحديدية لتونس على مسافة ألفي كيلو متر، غير ان الحكومة التونسية تفكر في انشاء جسر مائي يربط تونس بجربة.

وتعتبر جزيرة جربة مثالا رائعا للاسترخاء، كونها تحضن الكثير من المنتجعات والفنادق الأكثر تميزا في تونس، كما تتمتع الجزيرة بمناخ جاف صيفا ومعتدل شتاء، المطر أمر نادر الحدوث والمعدل اليومي لأشعة الشمس هو ثماني ساعات في فصل الشتاء وإحدى عشرة في الصيف، ومعظم الفنادق لديها شاطئ خاص مع مظلات للتشمس، وتشمل الخدمات على شواطئ جربة مرافق الرياضات المائية وركوب الجمال، ومشاهدة الحدائق الخلابة، وبعض الأماكن الأثرية التي يرى فيها الشائح تاريخًا شاملًا لجربة وثقافتها الجميلة، مع إمكانية ركوب الدراجات الرباعية على طول البحر عبر الكثبان الرملية، كما يوجد مراكز الغوص، لأي شخص يحب الغوص مُنفردًا، أو بجوار الدولفين الأزرق.

كما يوجد على جزيرة جربة أكثر من عشرة آلاف من أشجار النخيل الواقعة، قبالة الساحل الجنوبي الشرقي من البر التونسي، وتُعتبر الجزيرة مقصداً سياحيا بالنسبة للفرنسيين

والألمان الإيطاليين والتشيك، والانكليز وحتى العرب خصوصا الجزائريين والليبيين للاستمتاع بصيف حار وشتاء مُعتدل، لاسيما وأن البنية التحتية لأماكن الإقامة في الفنادق متنوّعة، سواء في الفنادق أو المنتجعات على طول 15 كيلو مترا

من الشاطئ الشمالي الشرقي من الجزيرة إلى حومة السوق المزدحم بالسياح والسكان المحليين لشراء السلع.

سحر جربة وجاذبيتها

تعتبر جزيرة الأحلام جربة، أحد أهم عناوين هذا الارتباط الوثيق بين تونس وبحرها المتوسطي لما لهذا البحر من تأثير في تاريخ المدينة وعلى سلوك وعادات ساكنتها، فإن كانت تونس هي هبة المتوسط إلى العالم فإن جربة بسحرها وجاذبيتها وإقبال الناس على زيارتها للتنعم بجمالها الآسر هي هبة المتوسط إلى تونس. في جزيرة الأحلام التونسية وجد عرائس البحر الأسطورية تنشد أغاني ساحرة وعذبة بأصوات لم يُسمع أعذب

منها، وكان من يقترب من عرائس البحر لا يستطيع أن يبتعد عنهن حتى يوافيه الأجل ويفارق الحياة، فقام أوديسيوس بوضع الشمع في آذان بحارته، وربط نفسه إلى الصاري كي لا يجبر على الذهاب إليهن، وهن ينشدن بتـلك الأصــوات الســاحرة، وهكذا كانت حيلته للنجاة. اما جربة اليوم هي جزيرة ومدينة سياحية هامة تضم مدنا صغيرة ولها مطارها الخاص، «جرجيس الدولي»، الذي كان له الفضل في نقل رعايا البلدان الأجنبية المقيمين في ليبيا إلى بلدانهم كلما اشتعل الاقتتال بين الفرقاء الليبيين.

تنوع ثقافي وحضاري

وإضافة إلى المذهب السني المالكي الغالب على تونس وبلاد المغرب عموما، يتواجد في جربة المذهب الإباضي كما تضم جربة أقلية يهودية لها معبد شهير في تلك الربوع هو معبد الغريبة، ويقال ان تواجد هذه الأقلية بالجزيرة يعود إلى زمن السبي البابلي في المشرق. فقد فر يهود من نبوخذ نصر عبر المتوسط ونزلوا بالجزيرة التونسية المتوسطية الخلابة وقبلهم أهلها ووفروا لهم الملاذ الآمن.

وقد أورثت هذه الطوائف جزيرة أوديسيوس موروثا ثقافيا وحضاريا هاما وتقاليد وأعرافاً راسخة في القدم تميز جربة عن سائر مناطق البلاد التونسية وتطبعها بطابع خاص. فاللباس الجربي بالنسبة للرجال والنساء متميز، وكذا الأكل والمعمار الأبيض اللون في عمومه من بيوت ومساجد بسيطة البناء وقلاع حصون.

وتعرف جربة أنشطة ثقافية متنوعة ومهرجانات أهمها مهرجان أوليس (أوديسيوس) ومهرجان فرحات يامون للمسرح والفنون الركحية، ومهرجان الفيلم التاريخي والأسطوري باعتبار الأساطير التي نسجت حول الجزيرة. وهناك أيضا مهرجان الفخار الذي يحتفى فيه بصناعة الأواني من الطين، وللجرابة من أبناء قلالة باع في هذا المجال وتشهد منتوجاتهم إقبالا من السياح الأجانب والمحليين.

ومن اهم معالم جربة قرية التماسيح بقرية التماسيح التي تأسّست عام 2002، بعدما جمعت 400 تمساح أفريقي، أغلبها من مدغشقروبعد مرور20 عاما على عمر القرية والتماسيح فيها، تكاثرت، حتى فاق عددها 800 تمساح ما بين صغير وكبير وذكر وانثى يعنى بهم بشكل يومي، فاصبح المكان قبلة للزوار ويمكن للزوار التنقل بين بركها وأحواضها المائية بسلام لمتابعة تحركات التماسيح وسباحتهم، وحتى أوقات تناول طعامهم. في القرية أيضاً أنواع أخرى من الزواحف بينها الأفاعي والسحالى… وهي تمثّل معلماً سياحياً وبيئياً متميزاً في تونس وحوض البحر الأبيض المتوسط.

حومة السوق

التي تعني حرفيا حي السوق، هي مدينة رئيسة، ومن أهم مدن السياحة في جربة التي تشتهر بأسواقها التقليدية المُدهشة. والمدينة كما هي اليوم أُنشئت على أنقاض مدينة رومانية قديمة تسمى جربة، والتي تعاقبت عليها العديد من الحضارات، وبعض القراصنة حيث يختلف طابع المدينة المعماري عن طابع بقية الجزيرة، حيث تتضمن العديد من المباني الحديثة التي تقف جنباً إلى جنب من المواقع الأثرية والدينية، وأهمها البرج الكبير.

متحف كلالة

عبارة عن مركب ثقافي ضخم، ويهتم بالفنون التقليدية والصناعات اليدوية والعادات الشعبية والكنوز التراثية، وتبلغ مساحته أربعة آلاف متر مربع، ويتكوّن من مجموعة من الأجنحة، يحتضن كل جناح محوراً، يهتم بالأفراح التونسية والأساطير والخرافات والفسيفساء، وتتوزّع المعروضات داخل كل جناح على سلسلة ضخمة من المشاهد المتكاملة.

مهرجان «الفخار»

تنظّم الجزيرة مهرجانات عِدة سنوية، منها مهرجان «الفخار»، الذي يقام في منطقة «قلالة»، التي تعد واحدة من أهم القرى التونسية المتخصصة في صناعة الفخار بمختلف أحجامه وألوانه، ومهرجان الغوص لتصوير الأحياء المائية في أعماق البحر بمنطقة «أجيم» بالجزيرة، كما يوجد مهرجانات للسفن الشراعية والتزحلق على الماء.

زر الذهاب إلى الأعلى