حين يغيب الهلال
بقلم: فارعة السقاف

النشرة الدولية –

الجريدة الكويتية –

حين يغيب الهلال تضيع البدايات، ولا يبقى لنا طريق.

حين يغيب الهلال تتشابه الأيام ولا يصبح لأسمائها معنى.

حين يغيب الهلال تحتجب الأعياد ولا يعود للعيد بهجة.

غادر الهلال، غادر بعد أن قضى إجازته السنوية المعتادة مع صحبه في الصيد.

غادر الحياة مبتهجًا كما عاشها.

كان الباشا هلال مشاري المطيري (وهو لقب قديم أطلقه عليه أصدقاؤه منذ كان طالباً) راقيًا في كل منحى من مناحي الحياة.

كان كريما، مضيافًا مبهرًا، أكثر ما كان يسعده ويبهجه هو أن يستضيف الناس في بيته ويحتفي بهم.

أتقن فن الاحتفاء بالحياة وبالناس وبالفن وبالشعر وبكل ما هو جميل.

كان مثقفاً واسع الاطلاع يحفظ الكثير من الشعر، وخصوصًا للمتنبي، متذوقاً خبيرًا بالفن وبالطرب الأصيل، لم يمنعه عشقه للغة العربية من إتقان «الإنكليزية» و«الفرنسية» فحاز اللقبين، الباشا واللورد معاً.

كان أبو خالد إنسانًا ممتناً يعدّد النعم ويجلّها إلى أبعد الحدود، فمهما حملت له الأيام من تحديات تجده مبتسماً متصالحاً مع الحياة، ينظر إلى الجزء المليء من الكأس دون تذمّر أو شكوى. لديه عين ترى الجمال وتقدّره دائماً أينما وجد.

يقولون إن أبا خالد يبالغ في مدح الناس الذين يحبهم والأماكن والأشياء التي تعجبه، ولكن مبالغته منبعها الامتنان والكرم معاً، فالممتن يُظهر امتنانه بالإطراء والحمد، والكريم يجزل العطاء في كل شيء بالمال والعاطفة والكلمة الطيبة والتشجيع.

 

هو يدرك أهمية الكلمة وأثرها على الإنسان، لذلك تجده سخياً في إشادته بأي عمل متقن أو أي إنسان نبيل.

كان اللورد باشا محباً حنوناً مفعماً بالعاطفة، وفيّاً ساعياً لعمل الخير، يتبرع بسخاء فيغطي بكرمه مئات الأسر العربية.

كان يعرف أن الثقافة سلوك وليست تنظيراً، وأكثر ما كان يعكس ثقافة اللورد الراقية هو تقديره واحترامه للمرأة، فهو يؤمن إيماناً حقيقياً بدورها، بل إن للمرأة مكانة تكاد تكون مقدّسة في قلبه، بدءاً بوالدته، أم هلال، يرحمها الله، إلى زوجته العظيمة المتفانية تماضر، أم خالد إلى ابنته الغالية ليلى.

عرفتُ أبا خالد مُذ تزوجت فيصل النصف، أي منذ أكثر من 26 عاماً، ولم تكن معرفتي به وبأسرته عادية، بل كانت أسرة هلال المطيري وأسرتنا عائلة واحدة، ليس بالقرابة والمصاهرة فحسب، وإنّما كنا أصدقاء. كنا نكتشف العالَم معاً نسافر كل عام الى بلد جديد، وفي السفر يتعرف الأصدقاء على بعضهم أكثر، وتتقلص مساحة المجاملات الفاصلة بينهم، بل تختفي تماماً.

كان أبو خالد بشوشاً سهل المعشر، خفيف الظل، سريع البديهة، النكتة حاضرة لديه، ولأنه اللورد هلال، فإن التجربة التي نخوضها بصحبته لا بدّ أن تكون مبهجة واستثنائية جودةً ونكهةً ومذاقاً.

في مجلسه كنّا نضحك حتى يرهقنا الضحك وتفيض دموعنا، وكانت حكاياته كحكايات ألف ليلة وليلة تأخذنا إلى دول وأزمنة متباينة.

ليرحمك الله يا أبا خالد، فهمت الدنيا فغلبتها ولم تغلبك، شكرت وقنعت فزادك المولى عز وجلّ من نعمه.

كان رحيلك سهلاً سريعاً، رحلت بهدوء ورشاقة، كطائر الفلامنغو لامست سطح الماء وغادرت، لكنّك تركت لنا حكاية بثراء حكاية علاء الدين، مليئة بالمغامرات والفرح تُحكى عن اللورد باشا الذي عاش ومات مبتهجاً، فجعل للموت وللعزاء معنىً جديداً مفعماً بالحياة.

اللهم ارحم هلال مشاري المطيري، واجعل مثواه الجنة، وألهمنا وأهله وصحبه الصبر والسلوان.

زر الذهاب إلى الأعلى