“فاغنر” تتوسع وتخرج إلى العلن وعينها على تجنيد “المعتقلات”
أقرت المجموعة بتجنيد معتقلين في سجون روسية وبريغوجين يصف شاباً زامبياً سقط في أوكرانيا بـ"البطل"
النشرة الدولية
اندبندنت عربية –
يبدو أن الحرب الروسية – الأوكرانية لن يسدل الستار عليها قريباً، بل يزداد العالم أجمع انخراطاً بها يوماً بعد يوم، وعلى المستويات كافة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. في غضون ذلك، يحصي كلا الفريقين الروسي والأوكراني خسائره المادية والمعنوية والبشرية. وعندما كان الجيش الروسي يحاول في يونيو (حزيران) الماضي، أن يسيطر بشكل كامل على منطقة لوغانسك شرق أوكرانيا، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن بلاده تخسر ما بين “60 إلى 100 جندي في اليوم”. وفي نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلنت أوكرانيا على لسان المستشار الرئاسي ميخايلو بودولياك، مقتل ما يناهز 13 ألف جندي من قواتها منذ بدء الحرب في 24 فبراير (شباط) 2022. وقال بودولياك “لدينا تقديرات رسمية من هيئة الأركان العامة تراوح بين 10 آلاف و13 ألف قتيل”، مضيفاً أن رئيس البلاد سينشر البيانات الرسمية “عندما يحين الوقت”. أما في المعسكر الروسي فكان وزير الدفاع سيرغي شويغو وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، قد أعلن أن بلاده خسرت حوالى 5973 جندياً منذ بدء الحرب.
في شهر أغسطس (آب) الماضي، نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريراً سلط الضوء على مجموعة “فاغنر”، التي كانت قد نشرت لوحات إعلانية في مدينة إيكاترينبورغ الواقعة في جبال الأورال، تدعو مقاتلين إلى الالتحاق بصفوفها. تلك اللوحات الإعلانية وبحسب السكان المحليين يمكن رؤيتها في عديد من المدن الروسية، وتعتبر جزءاً من جهود المنظمة لتجنيد مقاتلين للذهاب إلى أوكرانيا. وذيلت إحدى الملصقات برقم هاتف وعنوان المنظمة على شبكة الإنترنت، وشعار “الوطن، الشرف، الدم، الشجاعة، فاغنر”.
اعتبرت الدعوة العلنية إلى التجنيد في صفوف “فاغنر” بمثابة تحول بارز في عمل المنظمة، منذ أن شنت موسكو الحرب. وهذا ما بدل عمل “فاغنر” من منظمة سرية للمرتزقة يكتنفها الغموض، إلى توسع علني متزايد للجهود العسكرية الروسية في أوكرانيا. وعلق الصحافي السابق دينيس كوروتكوف في “نوفايا غازيتا” وهو مراقب لـ “فاغنر” منذ فترة طويلة، “يبدو أنهم اتخذوا قرارهم بعدم إخفاء وجودهم بعد الآن… الآن يعرف الجميع من هم”.
من تلك المنظمة “الغامضة”؟
تأسست “فاغنر” في عام 2014 لدعم الانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا، وتقول الولايات المتحدة وآخرون إنها ممولة من قبل يفغيني بريغوجين، وهو رجل أعمال قوي وعلى ارتباط بشكل وثيق بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأصبح شخصية إعلامية على خلفية النزاع في أوكرانيا. ويخضع بريغوجين، المعروف بلقب “طباخ بوتين” على خلفية عقوده مع الكرملين في مجال الضيافة، لعقوبات أوروبية وأميركية. وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، كشف بريغوجين للمرة الأولى عن أنه أسس مجموعة فاغنر في عام 2014 للقتال في أوكرانيا، بعد سنوات من النفي والنكران، وأقر بوجودها في أفريقيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية. ولعبت المجموعة دوراً بارزاً في القتال إلى جانب الجيش الروسي في سوريا، عبر دعم رئيس النظام السوري بشار الأسد. وامتد عملها إلى أفريقيا حيث تم رصدها في عديد من الدول الأفريقية، إذ تمتلك روسيا مصالح استراتيجية واقتصادية. واتهمت بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان، والتورط بنزاعات عدة من أوكرانيا إلى مالي مروراً بليبيا، بخاصة بعدما كشفت صحيفة روسية عن هوية شخص كان نشر مقطع فيديو يتحدث خلاله باللغة الروسية، لعملية تعذيب وقتل سوري منذ عام 2017، ويظهِر المقطع رجالاً يرتدون ملابس عسكرية وهم يضربون سجيناً بمطرقة ثقيلة، ثم يقومون بقطع رأسه، وبتر ذراعيه بمجرفة قبل إشعال النار في جسده، وكان هؤلاء بحسب إعلام متابع ينتمون لمجموعة “فاغنر”. وعلى رغم انتشار المجموعة عالمياً، إلا أن كثيراً من أعمالها الداخلية بقيت سراً بالنسبة إلى العالم الخارجي. ويتأتى عن غموض هذه المنظمة أنها بقيت حتى شهر أكتوبر الماضي “شبحاً” في روسيا، حيث إنها غير مسجلة، ولا تتمتع بصفات شركة، ولا إقرارات ضريبية أو مخطط تنظيمي. وكانت القيادة الروسية نفت مراراً وتكراراً، بما في ذلك الرئيس بوتين، أية صلات بين “فاغنر” والدولة، في حين تعتبر الشركات العسكرية الخاصة محظورة رسمياً في روسيا. وتقول “الغارديان” إن الإطار شبه القانوني الذي تعمل بظله تلك المجموعة، يعني أن أفراد عائلات عملاء “فاغنر” المتوفين تعرضوا لضغوط في كثير من الأحيان لإسكاتهم، عند البحث أو السؤال عن معلومات عن أحبائهم. وتعرض الصحافيون الذين حققوا وتابعوا أعمال المجموعة، أمثال كوروتكوف للمضايقة، بسبب عملهم. وبقي أي ذكر للمجموعة من المحرمات إلى حد كبير في المجال العام. ولكن على ما يبدو أن الحرب الروسية في أوكرانيا أخرجت الجماعة من الظلام، فافتتحت بمناسبة “يوم الوحدة الوطنية الروسية” في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مقراً لها في مدينة سان بطرسبورغ، ثاني أكبر المدن الروسية، في أول ظهور علني رسمي لها.
“فاغنر” قد تجند معتقلات
من جهة أخرى نقلت وكالة “رويترز” عن المخابرات العسكرية البريطانية في شهر يوليو (تموز) الماضي، إن روسيا استعانت بشركة المتعاقدين العسكريين الخاصة “فاغنر” لتعزيز قواتها على الخطوط الأمامية في الصراع الأوكراني.
وذكرت وزارة الدفاع البريطانية في تحديث للمعلومات أن “فاغنر” تخفض معايير التجنيد وتوظف مدانين وأفراداً كانوا مدرجين على القوائم السوداء، مما قد يؤثر في فعالية الجيش الروسي. وكانت صحيفة “الغارديان” نقلت، وفقاً للمخابرات البريطانية، منذ شهر مارس (آذار) الماضي، أن حوالى 1000 مرتزق من “فاغنر” ذهبوا إلى أوكرانيا. واعترفت مجموعة فاغنر”، في أواخر نوفمبر، وعلى لسان بريغوجين، بمقتل طالب من الجنسية الزامبية تم تجنيده في السجن، على الجبهة في أوكرانيا، بعد أسبوعين من مطالبة لوساكا عاصمة زامبيا موسكو بإيضاحات بشأن ملابسات مقتل مواطنها.
وأعلن بريغوجين على مواقع التواصل الاجتماعي “كان لميخاني ناثان نيريندا من أوائل الذين اخترقوا خنادق العدو في 22 سبتمبر وأظهر بسالة وشجاعة”. وأكد بريغوجين أنه يتذكر جيداً هذا الشاب البالغ من العمر 23 سنة الذي “قضى في المعارك بطلاً”. واعترف بأن مجموعته جندت نيريندا، (المدان في روسيا) من سجن في منطقة تفير شمال غربي موسكو. وذكر رئيس “فاغنر” أن الشاب الزامبي تطوع في صفوف المجموعة للقتال في أوكرانيا. وبحسب الحكومة الزامبية، كان نيريندا طالباً في الهندسة النووية في معهد موسكو للهندسة الفيزيائية. وحكمت السلطات الروسية عليه بالسجن تسع سنوات وستة أشهر بعد إدانته بخرق القانون في أبريل (نيسان) 2020. وكانت أوكرانيا اتهمت بريغوجين بإرسال آلاف المقاتلين الذين جندوا مباشرة من السجون الروسية وأرسلوا إلى الجبهة، في مقابل وعد بالحصول على راتب وعفو، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. لكن جديد مجموعة “فاغنر” هو ما نقلته خدمة بريغوجين الإعلامية عبر منصة “تيليغرام”، عن تجنيد نساء معتقلات في السجون الروسية لإرسالهن للقتال في أوكرانيا. وقال بريغوجين “ليس للعمل كممرضات ومشغلات فحسب، بل أيضاً ضمن مجموعات تخريب أو فرق قناصة. ونعلم جميعاً أن الأمر قد سبق أن جرى على نطاق واسع”. وتنطوي تصريحات قائد “فاغنر” على ما يبدو على تلميح إلى النساء من رماة النخبة وهؤلاء اللاتي انتسبن إلى مجموعات المناصرين الذين حاربوا خلال الحرب العالمية الثانية واللاتي كن محط تركيز البروباغندا السوفياتية. وقال يفغيني بريغوجين، “نعمل في هذا الاتجاه. وهناك مقاومة لكنني أظن أننا سنتغلب عليها”، جاء ذلك في رد على رسالة لمسؤول روسي من منطقة الأورال جاء فيها أن نساء معتقلات في سجن في مدينة “نيجني تاغيل” طلبن منه إرسالهن إلى الجبهة الأوكرانية لمساعدة الجيش الروسي.
يذكر أن “المرأة السوفياتية” لعبت دوراً مهماً في الحرب العالمية الثانية، إذ خدمت معظمهن في مجالات الصناعة والنقل والزراعة والمجالات المدنية الأخرى، وعملن لفترتي عمل، ليتمكن الرجال من التفرغ للحرب والأعمال العسكرية، ولم يكتفين بذلك بل خدمت كثيرات منهن في الجيش، أغلبهن في الوحدات الصحية. وخدمت 800 ألف امرأة في القوات المسلحة السوفياتية، أي ما يعادل ثلاثة في المئة من العاملين بها، وتلقت 200 ألف امرأة أوسمة، و89 منهن تلقين جائزة “بطل الاتحاد السوفياتي” أعلى جوائز الاتحاد حينها. عملت بعضهن في الطيران والقناصة والمدفعية الآلية وأطقم الدبابات وأدوار مساعدة أخرى. وانضمت كثيرات منهن إلى الـ “بارتيزان السوفيات” وهو اسم أطلق على كثير من حركات المقاومة للجيشين النازي والفاشي أثناء الحرب العالمية، على رغم أن كثيراً من حركات المقاومة في أوروبا، كانت تقوم بالعمل نفسه، إلا أن كل مجموعة أطلق عليها تعريف يخصها، ولكنها جميعاً كانت تعمل سراً وتقاتل بأسلوب حرب العصابات، وكانت مهماتها تؤدى بالتنسيق مع قوات الحلفاء.