هل من أفق لحل الحرب بين روسيا واوكرانيا؟

النشرة الدولية –

منذ بداية الحرب في اوكرانيا، دخلت روسيا في أكبر مواجهة جيوسياسية مع المنظومة الغربية، ووقعت تحت أضخم قائمة عقوبات عرفها تاريخ العلاقات الدولية، أما الاقتصاد الروسي فوضع تحت ضغوط طالت كافة قطاعاته، بحسب خبراء الاقتصاد.

وحتى الساعة، لا تلوح في الأفق بوادر لحل سياسي أو حسم عسكري للحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في 24 من شباط الماضي وجاءت مخالفة لتوقعات أغلب الخبراء العسكريين والسياسيين.

وتعتبر “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا، كما تسميها موسكو، أول نزاع عسكري كبير خلال الـ30 عامًا الماضية، تخوضه قوات تستخدم ترسانة شبه كاملة من الوسائل المتاحة للحرب على الأرض وفي الجو والسماء، حتى مع استثناء الأسلحة النووية.

ووسط هذه المعطيات، برزت في روسيا مقاربة سياسية وعقائدية جديدة، تقوم على حتمية إقامة نظام دولي متعدد الأقطاب، بعد أن غيّرت نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 مسار ميزان القوى العالمي، حيث لم تجد موسكو مكانا لها في المؤسسات التابعة للمنظومة الغربية، ما أدى إلى انهيار مدو لرهان النخبة السياسية التي أدارت شؤون البلاد مع مطلع تسعيينيات القرن الماضي، ورسمت مسارات علاقاتها الخارجية وتوجهاتها الاقتصادية، والتي كانت غربية النزعة.

ومع دخول الحرب الروسية في أوكرانيا شهرها العاشر، وبقائها موضوع النقاش الرئيسي في أوساط الخبراء في مجال الأمن العالمي والسياسة العسكرية والعلاقات الدولية، ما تزال احتمالات نهاية الحرب بين روسيا وأوكرانيا غير بادية في الأفق، بل إن سيناريوهات تطورها أصبحت أكثر ترجيحا من أي وقت مضى.

يرى الخبير في الشؤون العسكرية، فيكتور ليتوفكين، أن الحرب تخللتها عدة مفاجآت، من بينها حصول أوكرانيا على أسلحة ومعدات عسكرية غربية نوعية، كالدبابات والمدفعية، وخاصة منظومة هيمارس الأميركية، والطائرات دون طيار “الانتحارية” التي أثرت في مراحل ومناطق مختلفة على مجريات العمليات العسكرية.

ورغم الدعم الغربي لأوكرانيا، تمكنت روسيا -وفق الخبير العسكري- من تحقيق أكبر نجاح جيوسياسي منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، تمثل في انضمام مناطق جديدة إلى جغرافيتها السياسية، ومنع القوات الأوكرانية من إحراز أي تقدم عملياتي يمكن أن يغير من الواقع الجغرافي والديمغرافي الجديد الذي أدى لتآكل مناطقها.

يعود ليتوفكين ليؤكد أنه من المبكر، إعطاء تقييم نهائي لمجريات الحرب أو موعد تقريبي لنهايتها، إذ إن القيادة الروسية لم تضع جدولا زمنيا لتحقيق الشعارات التي رفعتها كأهداف لها، فضلا عن أن الصراع -والكلام لليتوفكين- هو ليس مع أوكرانيا، بل مع المنظومة الغربية التي تقاتل روسيا بالوكالة.

ورغم أنه لا يوجد جواب قطعي أو حتى تقريبي لهذا السؤال لدى أغلب المراقبين السياسيين والعسكريين الروس، فإن المحلل السياسي ألكسندر فاسيليف يرجح أن تستمر العمليات العسكرية حتى عام 2024 على الأقل، إذ لا يمتلك أي من الطرفين القدرة في الظروف الحالية على شن هجوم ساحق ضد الخصم.

ويعتقد فاسيليف -في حديثه للجزيرة نت- أن الغرب لن يدخل في صراع مباشر مع روسيا، بل سيواصل شن حرب بالوكالة عبر أوكرانيا، من خلال تزويدها بالأسلحة والمستشارين العسكريين، موضحا أن التقديرات بخصوص نهاية الحرب تعتمد بشكل كبير على استفحال أزمة الطاقة في القارة الأوروبية التي ستؤثر عاجلا أم آجلا على القرار السياسي في أوروبا، وبالتالي الموقف من أطراف الحرب، بحسب تعبيره.

لا يستبعد فاسيليف في إجابته عن هذا السؤال، حصول انقسام سياسي داخل المنظومة الغربية كنتيجة للأزمة المتوقعة في أوروبا في مجال الطاقة، والتي قد تتحول، بحسبه، إلى أزمة ثقة بين مكوناتها، بما قد يؤدي إلى تحولها لعاصفة احتجاجات واضطرابات غير مسبوقة تعم الشارع الأوروبي، لا سيما مع حلول فصل الشتاء.

وعن المستقبل، يعلق بالقول “إن نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية لن تحدد فقط مستقبل البلدين، بل ومستقبل الأمن الأوروبي والنظام الدولي برمته، كونه صراعا عالميا من نوع جديد بين الكتل العسكرية والاقتصادية الكبرى”.

ولفت إلى أن العناصر التي يمكن أن تؤثر على مستقبل الحرب، إلى جانب الحسم العسكري، تتمثل بحصول تغير في البنية السياسية أو العسكرية (انقلاب) داخل أوكرانيا، يقوم على أساس أن البلاد لم تعد قادرة على الاستمرار في حرب استنزاف طويلة الأمد، ويجب التوصل إلى اتفاق سلام مع روسيا وإعادة ضبط العلاقات معها.

مثل الكثير من الخبراء الروس في مجال الاقتصاد، يرى الباحث في المدرسة العليا للاقتصاد فلاديمير أوليتشينكو، أن حسابات الغرب لم تتحقق بشأن تدمير الاقتصاد الروسي، لكنه لا ينفي إمكانية حصول أثر طويل المدى للعقوبات على الاقتصاد الروسي بالحد الأدنى، مثل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد على المدى الطويل الذي سيبلغ بحسب تقديرات أكاديمية بين 1-1.5% سنويا حتى عام 2030.

ويلتقي ما يقوله أوليتشينكو مع التوقعات التي خلص إليها معهد التنمية التابع للجامعة الوطنية للبحوث حول آفاق التنمية الاقتصادية حتى عام 2030 في ظروف العزلة والعقوبات والصدمات الخارجية، والتي تفيد بأن ديناميكيات دخل الأسرة ستكون أسوأ من ديناميكيات الناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب ارتفاع الأسعار ومعدلات البطالة.

في السياق، يقدر الخبراء أن حصة الصادرات الروسية ستنخفض بنسبة تقدر بين 5 إلى 7% بحلول عام 2030 مقارنة بالحصة الحالية في الناتج المحلي الإجمالي، مع الأخذ بالحسبان أن حصة صادرات السلع والخدمات في الناتج المحلي الإجمالي لروسيا قد تراوحت بين 25 إلى 30%، وفقًا لبيانات البنك الدولي.

ومن بين المخاطر الرئيسية الأخرى على المدى الطويل، والتي يحذر منها الخبراء، فقدان الاقتصاد الكلي والاستقرار الاجتماعي والتخلف التكنولوجي، فضلاً عن المشكلات الديموغرافية المتزايدة.

وفي الوقت نفسه يشير فيه خبراء إلى ما يمكن وصفه بـ”الفرص” التي تجلبها أزمة العقوبات، مثل إعادة التوجيه إلى مصادر أخرى للواردات ووجهات التصدير، فضلاً عن استبدال السلع الأكثر بساطة من الناحية التكنولوجية بالواردات.

Back to top button