جدل في ليبيا بعد تسليم متّهم رئيسي في قضية لوكربي إلى واشنطن

النشرة الدولية –

لم يمرّ تسليم السلطات الليبية أبو عجيلة مسعود، أحد المتهمين الرئيسيين في قضية لوكربي الشهيرة إلى السلطات الأميركية بهدوء، بل أثار جدلاً واسعاً حول تداعيات العملية، التي قد تصل الى إمكانية تسليم طرابلس متهمين ليبيين آخرين مستقبلاً.

ويشير أستاذ العلاقات الدولية في ليبيا خالد المنتصر إلى أن “قضية لوكربي أعادت فتح ملفاتها رسمياً، وقد لا يُكتفى بتسليم متهم واحد، بل قد تُفتح ملفات مشتبه بهم جدد، في خطوة لا يمكن تجنبها أو إيقافها مستقبلاً”.

ويضيف “واشنطن كعادتها لا تغلق بشكل كامل قضايا جنائية تخصها، وبالتالي ستظلّ بين فترة وأخرى تفتح دفاتر قديمة، والأمر قطعاً لا يخلو من توظيف سياسي للضغط على القادة الليبيين”.

وعن أسباب تسليم مسعود إلى واشنطن، يتابع “أعتقد أنه لا يمكن لأي سلطة سياسية في ليبيا أن تعارض فعلياً تسليمه إلى الولايات المتحدة أو الامتناع عن التسليم، وبالتالي يجب تفهّم العملية. إنها أمر حتمي”.

وأقرّ رئيس حكومة طرابلس عبد الحميد الدبيبة منتصف الشهر الجاري، بأن حكومته سلّمت واشنطن أبو عجيلة مسعود المتّهم بصنع القنبلة التي استخدمت لتفجير طائرة بانام الأميركية فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية في 1988 الذي أوقع 270 قتيلاً.

ونفى الدبيبة في مقابلة تلفزيونية الجمعة نية حكومته تسليم عبد الله السنوسي، صهر معمر القذافي ورئيس جهاز استخبارته السابق، إلى واشنطن. وقال تعليقاً على تقارير في هذا الإطار، “لن يتم تسليم السنوسي إلى الولايات المتحدة، وهو موجود في سجنه بطرابلس”.

ويرى المحلل السياسي عبد الله الرايس أن تسليم المتهم جاء ضمن “صفقة سياسية”.

 

ويضيف لفرانس برس “أراها صفقة سياسية بين طرابلس وواشنطن، ومحاولة لتغيير الموقف الأميركي بشأن ليبيا، وبشكّل يحسّن صورة بعض القادة السياسيين المدافعين عن التسليم، خصوصاً أن فرصة إجراء البلاد انتخابات عامة خلال العام 2023 باتت تتصاعد”.

وعن المبرّرات التي ساقتها الحكومة لتسليم أبو عجيلة، يقول “من وجهة نظري، فشلت في التبرير، وجعلت نفسها في مرمى الاتهام والخضوع للإرادة الاجنبية، وبالتالي كان يجب تقديم توضيحات بشكل مختلف عن الرواية التي ظهرت على لسان الحكومة والتي جعلت السلطة التنفيذية في موقف ضعف وخضوع”.

وشهد تسليم مسعود احتجاجات وانقساماً شعبياً وسياسياً في ليبيا لاسيّما أنّ ملفّ قضية لوكربي أغلق قبل نحو عشرين عاماً.

وبرّر الدبيبة قرار حكومته بالقول إن الخطوة جاءت “من أجل محو اسم الإرهاب عن الشعب الليبي”، مشدّداً على أنّ “التعاون تمّ وفق القواعد القانونية مع المتّهمين في قضايا خارج البلاد”.

وعن الأصوات الرافضة تسليمه، ذكر الدبيبة أن “ليبيا تورّطت في عمليات إرهابية حتى أصبحنا في عيون العالم ننتمي إلى دولة إرهابية”.

ويرى المحلّل السياسي المتخصّص في الشأن الليبي جلال الحرشاوي أن التسليم بمثابة “حملة إغواء” قام بها الدبيبة لدعم سلطته.

ويضيف “لاحظ الدبيبة الذي تتضاءل شعبيته في ليبيا بمرور الوقت، أن بعض الدول الأجنبية باتت تتصالح معه، ما يجعله مستمراً في السلطة من شهر لآخر”.

ويضيف “حملة الإغواء التي قامت بها حكومة الدبيبة، تبدو  حقيقية لا لبس فيها”.

وطمأنت الولايات المتحدة الليبيين بأن التسليم تنفيذ لتعميم الشرطة الدولية بجلب مسعود، مؤكدة بأن ملف لوكربي “أقفل تماماً” بعد إجراء التسوية ودفع ليبيا التعويضات لذوي الضحايا.

وقالت السفارة الأميركية في ليبيا في بيان “ألزمت الاتفاقية الولايات المتحدة بإنهاء الدعاوى الخاصة بالتعويض المالي ومنع رفع أي دعاوى مستقبلية، لكنها لا تقيّد بأي حال من الأحوال تعاوننا في إنفاذ القانون، أو يكون لها أي تأثير على التهم الجنائية ضد المسؤولين عن الهجوم”.

وأشار البيان إلى عدم إعادة النظر في “الاتفاقية المبرمة عام 2008 بين الولايات المتحدة وليبيا والتي حسمت مطالب الأميركيين ضد ليبيا والناجمة عن حوادث إرهابية بما في ذلك الهجوم على بان آم 103”.

كما شدّد الدبيبة رفضه إعادة فتح ملف قضية لوكربي، لكنه لفت إلى وجود “مسار جنائي” لا بدّ من استمرار التعاون فيه مع الولايات المتّحدة.

وكان نظام معمر القذافي دفع عام 2008 أكثر من ملياري دولار تعويضات لأهالي الضحايا لإقفال ملف قضية لوكربي.

وكشف محققون أميركيون وقت التفجير عن أدلة ضد أبو عجيلة مسعود، لكنّهم لم يتمكّنوا من تحديد مكانه.

وأدين شخص واحد حتى الآن في تفجير رحلة بان أميركان 103 في 21 كانون الأول (ديسمبر) 1988، في اعتداء هو الأكثر حصداً للأرواح شهدته الأراضي البريطانية.

وانفجرت الطائرة التي كانت متوجّهة إلى نيويورك بعد 38 دقيقة من إقلاعها من لندن، ما أدّى إلى سقوط هيكلها في بلدة لوكربي بينما تناثر الحطام على مساحة شاسعة.

وأسفر التفجير عن مقتل 259 شخصاً، بينهم 190 أميركياً، كانوا على متن الرحلة، إضافة إلى 11 شخصاً كانوا على الأرض.

وأمضى ضابط المخابرات الليبي السابق عبد الباسط المقرحي سبع سنوات في سجن اسكتلندي بعد إدانته في القضية عام 2001، وتوفي في ليبيا عام 2012. ولطالما دفع ببراءته.

زر الذهاب إلى الأعلى