احتلال الشعوب ب”المسخرة”
بقلم: صالح الراشد

النشرة الدولية –

تمر الأيام كالسحاب، وتنقضي السنون متسارعة، ولا نتذكر من هذه السنوات والأيام إلا لحظات النصر والفرح حتى نستعيد ثقتنا بأنفسنا في لحظات السكون والركود، وأحيانا نعود لذكريات الألم حتى نشكر الله ونحمده على وضعنا الحالي، ويُرافق الذكريات أحياناً “بس” نعم “بس” الفعل وليس الإسم، بموسيقاه الصاخبة ورقصاته المتعددة وملذاته، ويحضر أحياناً برُعبه وقتله وفتكه ودماره للسيطرة على الشعوب،  ويتقمص في بعض الأوقات دور الحامي مستخدماً قوته في الذود عن الأطفال والحوامل من الأرواح الشريرة والثعابين، “فبس” حالة متفردة بسبب التضارب في شخصيته، وهذا ما يحصل معنا في لحظات الشرود الفكري الذي يتنقل بنا من مكان لآخر ومن موقع لموقع، ونصبح تائهين ضائعين بين الصحو والهذيان بحثاً عن أي راحة وأمان، وبحثاً عن حقيقة غائبة في سراديب الزمان.

ويبدو ان الكثيرين يعشقون “بس” وأعني الإله الفرعوني “بس”، مسؤول الحرب والقتل في العصور المصرية القديمة ، ثم تطور استخدامه ليلعب دور محرر النفوس من الرعب والخوف، قبل أن يتحور في العصور الفرعونية الحديثة ويصبح المسؤول الأول عن المسخرة والهزل والرقص الماجن، واذا دققنا النظر نجد أن هذا التطور طبيعي في عملية السيطرة الشمولية على الشعوب التي تتغير حياتها مع التطورات المرحلية في حياتها،  ففي القديم سيطر “بس” كما الإنسان على العالم بالسيف،  ثم استغل قوة الإعلام ليظهر مرتدياً ثوب الرأفة والرحمة واليوم يسيطر على البشرية بقوة “المسخرة” التي تنقلها التكنولوجيا لكل بيت ومواطن، لنجد ان ما قام به الإله “بس” من خطوات يتبعها الإنسان الحالي بكل دقة وبأدق التفاصيل، مع تغير في الشخوص والشكل مع بقاء الجوهر.

ففي القرن الماضي كانت القوة بيد الاستعمار  والغلبة لقوة الرجال والسلاح، واحتلال الدول بحروب طاحنة أو إتفاقات مذلة ونهب خيراتها وثرواتها، ثم تطورت لتصبح تحت راية عمل الخير وتقديم المساعدات والذود عن الأطفال والنساء والمطالبة بحريتهم من القيود حتى من سيطرة الأب والزوج، ليكون السلاح هنا ناعم كالأفعى يقتل في ظُلمة الليل وفي وضح النهار على حد سواء، أما اليوم فقد تغير السلاح وطريقة تفعيله والتعامل معه، لتصبح “المسخرة” هي السلاح الأقوى للسيطرة على الشعوب التي فقدت جزء كبير من ثقافتها وهويتها في ظل العولمة والتكنولوجيا التي هزمت الأيدولوجيا، وبالتالي قامت الدول القوية اقتصاديا وفكرياً بصناعة أنواع لا تحصى من المسخرة والتي تحتفل بها شعوب العالم كل يوم.

ودعونا نحصي الشيء القليل مما تم تصنيعه لتنشغل به الشعوب أو ليستخرج ما بقي من أموال في جيوب أبنائها أو لتحويلهم لقطعان من الأتباع، فمهرجانات الرقص والفنون والسينما نوع من “المسخرة” على طريقة “بس”، وقد انتشرت بكثافة في جميع الدول وتحت مسميات مختلفة، كما انتشرت ثقافة الشذوذ وأعياده وحفلاته، وأصبحت صناعة الأفلام الخليعة تجارة رائجة، ثم تم التركيز على نشر ثقافة متابعة الرياضة وليس ممارستها كنوع من تمكين “المسخرة” من قدرات الاجيال، بل ومساهمة فعالة في جعل حواراتهم “مسخرة” ودون أي قيمة فكرية، كما تم تصنيع ألعاب الفيديو فألعاب الهاتف النقال ووسائل التواصل الاجتماعي، وهنا اكتملت حلقة التصنيع ونتشرت “المسخرة” بقوة وسيطر “بس” على عقول الشعوب وقدراتها الفكرية، لنشعر أن لا شيء يأتي صدفة أو انه اختراع جديد بل هي أساليب يتم تطوريها لتناسب مرحلة السيطرة والتحكم بالشعوب والأمم.

أخر الكلام:

“بس” إلاه عند المصريين وقد ارتدى عدة وجوه قبل أن ينتهي به المطاف بحمل لواء “المسخرة” ونقله للأجيال جيل بعد جيل حتى وصل للجيل الحالي، لنجد أن الأمم تجاوزت عصر التفاهة الذي نرتعب منه ووصلت إلى عصر ما بعد “المسخرة”، ويبقى القادم قاتم

زر الذهاب إلى الأعلى