تبّاً للمنطق
بقلم: فارس خشان
النشرة الدولية –
يؤكّد منطق الأمور أنّ العام 2023 سوف يكون أسوأ من العام 2022، إذ إنّ حروباً قد تضاف الى الحروب التي يشهدها، واقتصاديات قد تشهد انهيارات خطرة، وأنظمة معتدلة سوف تسقط لمصلحة المتطرّفين، والاضطهاد سوف يتضاعف، والهجرة غير الشرعية سوف ترتفع، والكوارث الطبيعية سوف تنمو والأوبئة سوف تحتدم.
في الحسابات الباردة، لا شيء يسمح بالتفاؤل، إذ إنّ الغزو الروسي لأوكرانيا يتحضر للانتقال الى المرحلة الأكثر دمويّة وتدميراً وخطورة، وسط تصاعد القوميات الأوروبيّة الحليفة لروسيا مستفيدة من أكبر تضخم تعرفه اقتصادياتها منذ عقود، والنظام الإيراني يتّجه إلى تشدّد أكبر في ظلّ الخوف على نفسه من الشعب الإيراني الذي أثبت، في ضوء “انتفاضة الحجاب”، أنّ أكثريّته معارضة، والشرق الأوسط سوف يشهد تصعيدًا كبيرًا مع تلاقي “صقور العرب” وبنيامين نتنياهو على التصدي للتصعيد الإيراني بتصعيد مقابل، والقضية الفلسطينية سوف تكون أمام خيار انتفاضة جديدة أو انسحاق غير مسبوق، ولبنان سوف يكون أمام تطاحن الإرادات بين قوى “محور الممانعة” والقوى المناوئة، والشعوب في سوريا والعراق واليمن سوف تسقط أكثر فأكثر في الجحيم المستعر، والدول المأزومة مثل مصر والأردن، سوف تشهد اضطرابات كبيرة إذا لم تسارع الدول الغنية التي تحالفها الى مدّها بعون كبير وحاسم، والتنافس الصيني- الأميركي بدأ يهزّ الاستقرار ليس في آسيا فحسب بل على امتداد العالم، أيضاً.
هذا ما يعد به المنطق، فتبّاً له!
تعالوا، أقلّه، في اليوم الأوّل من السنة الجديدة نتخيّل العالم، كما يحلو لنا، بعيداً من الحسابات الباردة.
يحلو لنا أن نتخيّل أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد ألهمته المبادئ المسيحيّة التي يزعم تعلّقه بها والدفاع عنها، فسارع الى إعلاء راية السلام، وبادر إلى أن يجتمع مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ليجدا أرضية مشتركة، وفق ما يفعل “قيصر الكرملين” ليجمع الأعداء في أذربيجيان وأرمينيا وتركيا وسوريا.
ويحلو لنا أن نتخيّل أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن قد اقتنع بطروحات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، فوافق على تقديم ضمانات – ولو على قاعدة حفظ ماء الوجه-لروسيا التي تلتزم أمام مجلس الامن الدولي، بعدم غزو أوكرانيا، ثانية.
وإذا حصل ما نتخيّل، فأسعار الغاز تعود الى معقوليّتها ومعها يعود الإنتاج الى طبيعته، فيبدأ التضخم بالضمور ويستعيد الأوروبيون القدرة الشرائية التي فقدوها فيما تبدأ مالية الدول في التعافي، بعد تعرّضها لكارثتي كورونا وأوكرانيا، وحينها يفقد التطرّف عوامل قوّته الشعبية، فيعود الى أحجامه التقليديّة.
وتعالوا نتخيّل أيضًا أنّ النظام الإيراني قد فهم الرسالة القوية التي أوصلها اليه شعبه، منذ السادس عشر من أيلول (سبتمبر) الماضي، فقرّر أن يسلك درباً مختلفة، بحيث يعيد الحريّات البديهيّة الى شعبه، بالتزامن مع تعويم علاقاته بجيرانه، فيضع حدّاً للأجندة التصعيديّة التي تتولّاها أذرعه في المنطقة، لأنّه ثبت أنّها لن تنتج له الهيمنة التي يتوخّاها، بل هي ترفع منسوب العداء له إلى مستوى أصبح معه أمثال بنيامين نتنياهو “ملائكة”.
وفي حال حصل ما نتخيّل، فإنّ رفاهيّة الشعب الإيراني تعود أولويّة إيرانيّة فيما تجد أذرع إيران نفسها مضطرة الى إعادة تموضعها في الأوطان التي تنشط فيها، وفي مثل هذه الحالة يتخلّص العراق من عبء كبير، ويتجه اليمن الى سلام غال، ويبدأ لبنان في الخروج من مأزق وجودي كبير، ويجد النظام السوري نفسه ملزمًا بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الذي يعيد صياغة النظام ليصبح نظامًا للجميع وليس لعائلة، وحينها تنتهي مشكلة النزوح التي تحوّلت الى كارثة كبيرة على الدول المضيفة.
وفي حال لم تُلهم “السماء” النظام الإيراني محبّة السلام، فحينها لنتخيّل حصول اتّحاد بين أحرار لبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران، بحيث ينتفضون دفعة واحدة في كل هذه الدول لتحريرها من سطوة النظام الإيراني، من خلال الدفع نحو إخراج الطبقة السياسية المتواطئة من السلطة، على أن تنهض جالياتهم في الخارج نهضة رجل واحد، ممّا يدفع دول أوروبا والغرب الى الوقوف بقوة الى جانب الشارع المنتفض.
كلّ ما أتخيّله ليس منطقياً، ولكن، أقلّه دعونا ولو في اليوم الأوّل من السنة الجديدة، نقول: “تبًّاً للمنطق”!