عام 2023… كوارث طبيعيّة تُنذر بكارثة أكبر في 2024
النشرة الدولية –
الديار – شانتال عاصي –
على سجل تاريخ كوكبنا، يبرز عام 2023 شاهداً على التحديات البيئية الجسيمة التي شهدها العالم. فبدءاً من التحولات المناخية المستمرة مروراً بالفقدان المروع للتنوع البيولوجي، وصولاً إلى شبح التلوث الشامل واستنزاف مواردنا الطبيعية المقلق، يحمل هذا العام في طياته بقايا قضايا بيئية ملحة ومتعددة الأوجه. وفي خضم نسيج الزمن، ظهر عام 2023 كفصل محوري، يؤكد على الحاجة الماسة إلى تعاون عالمي منسق لمعالجة وتصحيح هذه التحديات الهائلة التي تواجه بيتنا المشترك، الأرض.
التغير المناخي يفتك بكوكب الأرض
لقد كان صيف 2023 تاريخياً، حيث تعاقبت خلاله ثلاثة أشهر هي الأكثر سخونة في التاريخ المسجّل.شهدت منطقة الشرق الأوسط موجات حر شديدة بلغت مستويات قياسية في بعض البلدان وأدت إلى نشوب حرائق غابات واسعة النطاق في لبنان وسوريا والمغرب. وفي 23 تموز، ارتفعت درجات الحرارة في الجزائر وتونس إلى 48.7 و49 درجة مئوية على التوالي. ومن المثير للاهتمام أنه على الرغم من الظروف الحارقة على طول الساحل، مع تجاوز درجات الحرارة 49 درجة مئوية في مناطق الغابات الكثيفة والرياح الجافة التي تصل سرعتها إلى 65 كيلومترا في الساعة، فإن حرائق الغابات في الجزائر كانت أقل حدة نسبيا وغطت مساحات أصغر مقارنة بالسنوات السابقة.
حرائق مخيفة!
تصدرت حرائق الغابات المشهد، وهي تلطخ تاريخ العام بمساحات سوداء ورائحة الرماد ودخان الحزن، فتحوّل 400 مليون هكتار إلى رماد. لم تكن مجرد أشجار وشجيرات تحترق، بل كانت أنظمة بيئية بأكملها تُمحى.
وإلى جانب الخسائر البشرية الفادحة، انبعثت كارثة أخرى من جحيم الحرائق، وهي 6.5 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون، الذي أُطلق في قلب الغلاف الجوي، ليسرع وتيرة الاحتباس الحراري.
عانت مناطق مثل كاليفورنيا وكندا والأمازون واليونان وسوريا والمغرب وجزر الكناري بشكل خاص، حيث اجتاحت الحرائق مساحات شاسعة.
وكان العام 2023 الأكثر حصدا للأرواح في القرن الحادي والعشرين جراء حرائق الغابات وفق قاعدة البيانات الدولية للكوارث التابعة لجامعة لوفان، مع تسجيلها 250 قتيلا على الأقل.
هذا ويعاد امتصاص حوالى 80 في المئة من الكربون الناجم عن حرائق الغابات من النبات الذي ينمو مجددا في الموسم التالي. أما النسبة المتبقية، فتساهم في تعزيز تراكم ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وهو أمر من شأنه مفاقمة احترار المناخ.
ارتفاع درجة حرارة العالم 1.4 درجة
شهد عام 2023 ارتفاعا في درجة حرارة الأرض بنحو 1.4 درجة مئوية فوق مستويات عصر ما قبل الثورة الصناعية، ما يمثل رقما قياسيا جديدا يكسره المناخ.
ويؤكد تقرير المنظمة الأولي عن حالة المناخ العالمي أن عام 2023 سيكون العام الأكثر دفئا على الإطلاق وبفارق كبير، ليحل محل الرقم القياسي السابق المسجل في عام 2016، عندما كان العالم أكثردفئا بنحو 1.2 درجة مئوية عن متوسط ما قبل الثورة الصناعية.
هذا ووصلت مساحة الجليد البحري في القطب الجنوبي هذا العام إلى أدنى مستوى لها في فصل الشتاء على الإطلاق، كما فقدت الأنهار الجليدية السويسرية فقدت نحو 10% من حجمها المتبقي خلال العامين الماضيين.
خطوات عاجلة
بحسب الخبير والبروفيسور البيئي، “ضومط كامل”، إنّ مواجهة عواقب تغير المناخ الخطير تقتضي تحركًا عاجلًا وشاملًا على جبهات متعددة، أبرزها:
– التحول إلى الطاقة المتجددة: الانتقال السريع من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة كالشمسية والرياح والطاقة الكهرومائية أمر ملح. فالاستثمار في تقنيات أنظف وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة كثيفة الكربون أمر ضروري.
– الحياد الكربوني: يجب على الحكومات والقطاعات الصناعية والأفراد الالتزام بتحقيق الحياد الكربوني. يشمل ذلك تقليل انبعاثات الكربون وتعويض الانبعاثات غير القابلة للتفادي من خلال إعادة التشجير أو التقاط الكربون أو حلول مبتكرة أخرى.
– الاستدامة وإعادة التشجير: حماية واستعادة النظم البيئية، بما في ذلك الغابات والأراضي الرطبة والموائل البحرية، أمرٌ حاسم. فتلعب جهود إعادة التشجير وحماية التنوع البيولوجي دورًا مهمًا في عزل الكربون والحفاظ على التوازن البيئي.
– استراتيجيات التكيف: تنفيذ إجراءات للتكيف مع تأثيرات تغير المناخ أمر ضروري. يشمل ذلك ترقية البنية التحتية لتحمل أحداث الطقس المتطرف، وتحسين الممارسات الزراعية للمناخات المتغيرة، ودعم المجتمعات الضعيفة.
– التعاون الدولي: التعاون بين الدول أمر أساسي. تحتاج اتفاقيات مثل اتفاقية باريس إلى تعزيز ومشاركة من جميع البلدان لضمان الجهود العالمية نحو التخفيف من تغير المناخ.
– التوعية العامة والتعليم: رفع الوعي وتثقيف الجمهور حول حدة تغير المناخ أمر محوري. تشجيع الممارسات المستدامة وتقليل النفايات وتعزيز السلوكيات الواعية بالبيئة يمكن أن يؤدي إلى تأثير جماعي كبير.
– السياسات والتشريعات: يجب على الحكومات وضع وإنفاذ سياسات ولوائح صارمة تحفز الاستدامة وتعاقب الممارسات الضارة بالبيئة. ويشمل ذلك تدابير مثل تسعير الكربون ومعايير الانبعاثات.
– الابتكار والبحث: الاستثمار المستمر في البحث والتطوير في مجال التقنيات الخضراء والبنية التحتية المقاومة للمناخ والممارسات المستدامة أمر حاسم للحصول على حلول طويلة الأجل.
إذاً، عام 2023 لن يُشطب كعام عابر في سجل التاريخ، بل سيُحفر بعمق في ذاكرتنا كعام صرخ فيه كوكبنا ممزقًا بالألم. فهل نتعلم من حكاية حرائق 2023 ونبني مستقبلًا مختلفًا، حيث لا تغزو النيران عالمنا، بل يزهو بحياة تنبض بكل حيويتها؟