هل يكون عام 2024 نهاية للأزمات السياسية والاقتصادية في لبنان؟
النشرة الدولية
لبنان 24 – نوال الأشقر –
مع بداية عام جديد، يتطلع اللبنانيون إلى نهاية أزماتهم السياسية والاقتصادية، وإبعاد شبح الحرب عن بلدهم، ربطًا بحرب غزة وويلاتها على الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض للإبادة الجماعيّة والتهجير القسري. التحديات كبيرة ومتشعّبة في بلد الـ 10452 كلم2، الواقع على خطوط التصدّع الجيوسياسي في الشرق الأوسط، ومجريات إعادة رسم خرائط المنطقة بالدم والنار. من هنا لا يمكن فصل المسارين السياسي والإقتصادي في لبنان عام 2024، عن السيناريو العسكري الدائر في المنطقة، بدءًا من غزة، مرورًا بالحدود اللبنانية جنوبًا، وصولًا إلى الممرات المائيّة في البحر الأحمر.
حتميّة الحلول في منطقة واعدة بالثروات
المنطقة التي دخلت مدار تبعات الحرب على غزة، لا يمكن لها تتجاوز مجريات غزة من دون إيجاد حلول جذريّة للمعضلة القديمة المتجددة في فلسطين، والتي أعادتها إلى الواجهة عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول الماضي، يقول عميد كلية الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا البروفسور بيار الخوري في حديث لـ “لبنان24″، منطلقًا من مشهدية اقتصادية عالمية لا تحتمل تبعات نشوب حرب شاملة في المنطقة.
ففي نهاية المطاف، ستقف آلة القتل الإسرائيلية وتنتهي الحرب “خصوصًا أنّ عواصم القرار ليس لديها مصلحة في استمرار النزاع في توقيت اقتصادي عالمي حرج، وعينها على منطقة الشرق الأوسط الزاخرة بالإمكانات والثروات الواعدة والقابلة لاستقطاب الرساميل العالميّة والتكنولوجيّة الحديثة. من هنا نرى أنّ الكل بانتظار اتجاه الأمور ما بعد حرب غزة، ورهاني أنّ المنطقة ستأخذ لبنان واقتصاده إلى مكان آخر.
والعام 2024 لا بدّ أن يشهد بداية مسار مختلف، لاسيّما وأنّ مجريات ما يحصل في غزة هو مسار معقّد يضرب في التاريخ والأديان والحضارات، ويأتي اختزالًا لتراكمات عميقة تفجّرت دفعة واحدة. وعندما تصل الأمور إلى الحدّ الذي وصلته من التأزم، يستحيل معه حصول انفراج من دون الذهاب إلى حلّ نهائي”.
في سياق الحديث عن النتائج السياسية للعدوان على غزة، يلفت الخوري إلى استقطاب قويّ بين نوعين من الحلول، المتطرف المطروح من قبل اليمين الإسرائيلي، مقابل التوجه الدولي لتطويق هذا الطرح، والذهاب نحو حلّ للقضية”.
انتخاب رئيس بداية مسار في المنطقة
“يأتي لبنان في قائمة الدول المتأثّرة وغير المؤثّرة بما يحصل، خلافًا للدول الأخرى، خصوصًا دول الخليج العربي المؤثّرة، وفي الوقت نفسه غير المنعزلة عن الإطار الجيوسياسي المعرقل لمشاريعها المستقبليّة، التى ظهرت في الرؤى الإقتصادية، لاسيما رؤية 2030 للمملكة العربية السعودية، والإتفاقات المرتبطة بطريق الحرير، التي عقدت في القمم العربية الثلاث آواخر العام 2022، والتوافق الإيراني السعودي، وإيقاف حرب اليمن من ضمن استراتيجية المملكة في تصفير المشاكل، والتقدم نحو التطبيع وربطه بقيام دولة فلسطينية مستقلة”. كل ذلك الاتجاه، وفق مقاربة الخوري، بات محكومًا بنتائج الوضع التاريخي في فلسطين، ونتائج الحرب الدائرة منذ ثلاثة أشهر.
لبنان الفاقد للمناعة الإقتصادية، والسياسية أيضًا بفعل صراع مكوناته، عاجز عن إعادة إنتاج نفسه من الداخل، وبات مندرجًا في خارطة الحل النهائي في المنطقة، يلفت الخوري “مؤخّرًا عاد الحديث عن تحريك الملف الرئاسي، وتزخيم السعي لانتخاب رئيس للجمهورية في الربع الأول من العام الجديد، وتطبيق القرار 1701. هذا المسار لن يتم بمعزل عن المنطقة، وفي حال حصل خرق رئاسي، فهو يؤشّر الى ما هو أكبر لا زال خلف الستارة الدولية، ومن شأنه أن يتبلور شيئًا فشيئًا، لجهة بداية انطلاق المسار التسووي في المنطقة”.
اقتصاد لبنان 2024 رهن حلول الخارج وتجاوب الداخل
اقتصاديًا، يعاني لبنان من أزمة حادّة منذ أكثر من أربع سنوات، وصّفها البنك الدولي بإحدى أشدّ ثلاث أزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، نتج عنها انهيار العملة الوطنية وتبخر الودائع وانهيار القدرة الشرائية. ورغم استمرار الأزمة، عجز لبنان عن إتمام الخطوات المطلوبة منه في مسار التعافي، كالإصلاح المالي وحوكمة القطاع العام، بفعل الشلل المؤسساتي، واقتصر العمل على خطوات يتيمة أتت بمعزل عن خطة شاملة “وهي وقف تمويل مصرف لبنان للحكومة، ووقف تذويب الليرة وهيركات الودائع الذي كان حاصلًا بموجب التعميم 158 ودولرة الأسعار.
أّما على صعيد القطاع الخاص فحصلت مبادرات من المقيمين والمغتربين أدّت إلى حركة اقتصادية شهدناها عام 2023 “. التحديات الإقتصادية في لبنان ستنسحب على العام الجديد، والخروج من الأزمة المالية، لن يكون بمعزل عن حلّ سياسي، أولى مؤشراته تتبلور في انتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة تنجز مع السلطة التشريعية المنظومة الإصلاحية المطلوبة.
غزة نحو حل؟
الحديث في الكواليس الدولية يتجاوز وقف إطلاق النار في غزة، إلى كيفية حصوله وما سيليه في اليوم التالي، خصوصًا أنّ اسرائيل، وعلى مدى تسعين يومًا من العدوان، فشلت في تحقيق أيّ هدف كانت قد أعلنته في بداية حربها “فرغم التدمير والإبادة لم تتمكن من القضاء على حماس أو حتى استعادة المحتجزين” يلفت الخوري معتبرًا أنّ الوضع في المنطقة أضحى أمام احتمالين، الخراب والحرب الشاملة، أو الذهاب نحو حلّ “والاحتمال الثاني أكثر ترجيحًا، انطلاقًا من أنّ الفوضى لا تخدم الجهات المقررة، خصوصًا أنّ مستقبل الإقتصاد العالمي بات يقف على الشرق الأوسط، بعدما اختنقت نقاط الإستثمار عبر العالم. فأوروبا التي كانت تعيش على الغاز الروسي الرخيص، تعاني اليوم من ارتفاع أكلاف الإنتاج، ولم تعد قادرة على إشغال موقع وسط العالم الإقتصادي، بحيث باتت البيئة الاستثمارية في دولها منعدمة بفعل ارتفاع سعر الغاز، من هنا بات ضروريًا البحث عن منافذ أخرى في العالم، وهذه المساحة تبدأ بفارس وتنتهي بالعالم العربي الزاخر بالقوة العاملة الرخيصة والماهرة في آن، وبالثروات، معطوفة على قيادة عربية جديدة أظهرت مشروعها النهضوي الاقتصادي التنموي”.
“يبقى الرهان أساسيًّا على وقف حرب غزة والذهاب نحو حلّ نهائي للقضية الفلسطينية على قاعدة حق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلّة قابلة للحياة، وهو عنوان كبير في المنطقة، وأيّ مؤتمر دولي أو إقليمي سيشكل بداية له” أما لبنان فهو أصغر من أن يحدد مصيره، ولن يسير منعزلًا عن المنطقة” وفق الخوري.
بأيّ حال، ستقف آلة الإجرام الإسرائيلية مهما غالت في وحشيتها، لتبدأ بعدها مرحلة الترجمة السياسية لنتائج الميدان الغزاوي، الذي شهد أعنف وحشية بريرية عبر التاريخ الحديث من محتل تجاه أهل الأرض لاقتلاعهم من جذورهم، مقابل مقاومة شجاعة باسلة وإثمان جسيمة. إلى أن يحين زمن البحث عن تسوية في المنطقة، حري باللبنانيين تجهيز أنفسهم، خصوصًا أنّ الترسيم البري الذي استحضرته تبعات الحرب، يتطلب وجود مؤسسات دستورية فاعلة، فهل نشهد في الربع الأول من العام الجديد تنازلات الطامعين والطامحين كمدخل لانتخاب رئيس للبلاد وتقديم مصلحة البلاد والعباد على مصالحهم الضيقة؟