حان الوقت لوضع حد لدعاة التطرف والإرهاب
بقلم: ربى عايش
النشرة الدولية –
العرب –
ألم يحن الوقت لوقف هذا الاستنزاف الإنساني والمعنوي والفكري والمادي وانتشال أنفسنا من الحضيض بوضع حد لدعاة الرعب والجهل وللتطرف والظلمات والحروب وانتهاك حرية الناس وحقوقهم
المراقب للأحداث المتصاعدة في العالم اليوم، والمتابع للأخبار والأحداث المتسارعة عالميا، يجد هناك تصاعدا في العنف، وازديادا في الحروب، وتراجعا للحقوق الإنسانية في العديد من الدول سواء كانت عربية أو أفريقية أو غربية (المؤسسات الحقوقية العالمية تستطيع إثبات ذلك في رصدها لقضايا عدة في دول عديدة)، ناهيك عن قسوة الطبيعة في تأثيرها على المجتمعات البشرية مؤخرا.
من المؤسف اليوم مثلا، ترك النساء في أفغانستان يعانين وحدهن من ظلمات وسجن وتآكل في حقوقهن وحريتهن وتدمير لمستقبلهن وسط صمت عالمي مدقع. هذا إضافة إلى الأجيال التي تم تدمير مستقبلها والعبث بأحلامها وواقعها.
ألم يحن الوقت لوقف هذا الاستنزاف الإنساني، المعنوي والفكري والمادي، وانتشال أنفسنا من الحضيض، بوضع حد لدعاة الرعب والجهل، للتطرف والظلمات، للحروب ولانتهاك حرية الناس وحقوقهم، لأسر أصوات الناس الحرة وتكبيلها!
بعيدا عن التنظير الفلسفي والتحليل السياسي الهش وكل ما يقال في البيانات والتصريحات والمؤتمرات، بعيدا عن كل الحشو الذي يصيبنا بالصداع..
لكن، من سينقذ العالم من شيطنة كل متطرف ومتعصب؟
من سينقذ النساء اللواتي يتم استعبادهن يوميا في كثير من بقاع الأرض؟
من سينقذ الأطفال وأحلامهم ومستقبلهم؟ من سيعيد إحلال العدالة؟
هل أسعى لعالم طوباوي؟ وأحلامي وردية غير قابلة للتحقيق؟
لا أعتقد، لقد شهد العالم حقبا أفضل من التي نعيشها مؤخرا، باحترام الإنسان وحياته وقيمته أكثر. بوجود فجوات أقل بين الأشخاص اقتصاديا واجتماعيا وتعليميا. بضياع أقل لمستقبل وحاضر الأجيال والشباب.
بإحلال استقرار أفضل، ووجود عصف ذهني وفكري وحرية فكر وتعبير ورأي أفضل من أيامنا الحالية.
لماذا لا نسعى لعالم أفضل، كأفراد ومؤسسات ودول؟
كيف ننقذ العالم من الثقافة الضحلة والإرهاب الممتد والمبرر باسم الدين أو الوطنية أو الشرف أو باسم أفكار شيطانية ظلامية؟
كيف يمكن أن نقتلع سرطان الكره والحرب والقتل والأفكار المسمومة؟
اليوم.. في هذا العصر.. نحن بحاجة إلى عصر تنوير جديد. نحتاج إلى نهضة إنسانية، قيميا وثقافيا وأخلاقيا.
الفوضى تعم الكثير من المجتمعات، والأمور باتت خارج السيطرة.. وإن بقينا على ما نحن عليه، فالآتي أسوء وأعظم. وسنورث أطفالنا مستقبلا مريبا هشا غير واضح المعالم.
نحتاج إلى المبدعين، المثقفين، أصحاب الفكر المتنور لاعتلاء المنصات والمناصب.. نحتاج إلى تمكين الأجيال الشابة من الحصول على فرصة حقيقية لقيادة حاضرها ومستقبلها..
على الأصدقاء والأعداء أن يتحدوا معا، نحو استحداث حركة فكرية وفلسفية جديدة، لنعزز قيما إنسانية وفكرية تقودنا إلى دساتير أكثر إنسانية وقوانين أكثر عدلا، لنحقق العدالة ونعلو بشأن الإنسان ونحفظ حقوق الجميع – إلى حد ما.
من المهم، أن نعيد للعقل مكانته، لنحكم بالأدلة، ولنربي الأطفال على منهج المنطق، علينا أن نركز على العلم والمعرفة غير المشوهة، أن نصنع جمالا، ونعلو بحرية الفكر أولا قبل أي حرية أخرى. علينا أن نمشي خلف الفلاسفة والمفكرين، أن نسقط كل الأصنام والتماثيل أحفاد “اللات والعزة”.
أن نرتقي من هذا الحضيض القيمي من خلال المثل العليا كالحرية والاحترام والرقي والتسامح.
وأن يكون الحوار لغة المجتمعات بدلا من العنف، الحرية والأمان بدلا من الترهيب.
الأهم.. الأهم.. الأهم.. أن نفصل الإيمانيات والمعتقدات عن الدولة والقانون والحكم. فلا كلمة تعلو فوق كلمة الإنسانية.
أيها السادة، كل فرد منا يتحمل مسؤولية قيمية وأخلاقية في هذا العالم وفي مجتمعه.
على كل إنسان منا، بأضعف الإيمان، أن يحرص على أن يكون إنسانا واعيا، عادلا. على كل إنسان منا، أن يحارب ظلماته.
علينا أن نقطع يد كل من يجرنا إلى الهاوية ويغرقنا في ظلمات عقيدته ونظامه.
أعيد، حان الوقت.. أن يخرج الإنسان من قصور عقله وانغلاق أفكاره وظلام قلبه، إلى الإدراك والوعي والتقبل والحب والرشد، وإلا سنورث الأجيال القادمة، عالما فوضويا، يحكمه الدجل والإرهاب، وقانون الغاب.
حان الوقت لوضع حد لدعاة الرعب والجهل، من أفسدوا الأمم وكانوا سببا في تداعي قيمها وهلاك الإنسانية وتلاشيها.
لنتبع صرخة إيمانويل كانط التنويرية: “اعملوا عقولكم أيها البشر! لتكن لكم الجرأة على استخدام عقولكم! فلا تتواكلوا بعد اليوم ولا تستسلموا للكسل والمقدور والمكتوب. تحركوا وانشطوا وانخرطوا في الحياة بشكل إيجابي متبصر”.