شعب المسيرات السلمية ونظام المسيرات القاتلة
بقلم: رفيق خوري

الرهان على خضوع إيران للقانون الدولي والتخلي عن ميليشياتها وبرنامجها النووي "وهم كبير"

النشرة الدولية –

قبل سنوات تحدث المحلل الاستراتيجي الأميركي كينيث بولاك عن “اللغز الفارسي”. وكان مختصر كلامه أن “قضية إيران هي سباق بين ساعتين: واحدة لوقت الحصول على اليورانيوم المخصب الكافي لصنع قنبلة نووية، وأخرى لعد الوقت الباقي لنظام الملالي”.

اليوم يبدو المشهد قريباً من ذلك التصور، في عيون البلدان التي يعيش الملالي على العداء لها والبلدان التي يتدخلون في شؤونها الداخلية ويحلمون بالهيمنة عليها. أما في نظر الملالي فإن “الجمهورية الإسلامية هي التي ستقود عالم ما بعد الحداثة، وهي الدولة الوحيدة التي لديها حكومة إسلامية بالمعنى الحقيقي للمصطلح من بين 57 دولة ذات أغلبية مسلمة”، كما يقول آية الله أحمد علم الهدي والد زوجة الرئيس إبراهيم رئيسي وممثل المرشد الأعلى علي خامنئي.

وهذا كلام سياسي ينطلق من فكر غيبي. والواقع أن جمهورية الملالي تتشدد في الداخل، وتحاول أن تبدي مرونة مع الخارج لا سيما مع “الشيطان الأكبر” أميركا. التشدد ملموس بالقمع والسجن والقتل والحكم بالإعدام على النشطاء في ثورة شعارها “امرأة، حياة، حرية”. والمرونة خداع وبالاضطرار.

أما الخداع، فإنه الأسلوب السياسي التقليدي للملالي لجهة التناقض بين القول والفعل. وأما الاضطرار فإن ما يقود إليه هو العجز عن وقف الثورة التي دخلت شهرها الرابع، مع تزايد الإدانات في الخارج لسلوك النظام والعقوبات المفروضة التي يتم فرضها عليه بسبب قتله لشعبه.

ذلك أن وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان الذي مثل بلاده في قمة “بغداد 2” بالأردن سمع مباشرة إصرار المجتمعين على المطالبة بالامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للعراق، وهو يعرف ماذا يقصدون. وحاول توظيف اجتماعه بالمسؤول الأعلى عن الأمن والسياسة في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل لإعلان أن طهران مستعدة للعودة إلى التزاماتها بموجب الاتفاق النووي من دون شروط إذا عادت واشنطن.

لكن بوريل شدد على “ضرورة الإنهاء الفوري للدعم العسكري لروسيا والقمع الداخلي في إيران”. والجواب جاء شديد الوضوح من البيت الأبيض. فمنسق مجلس الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية جون كيربي قال “الاتفاق النووي ليس محور تركيزنا ولا على جدول أعمالنا، ولا نرى اتفاقاً في أي وقت قريب بل نركز على طرق عملية لمواجهة إيران التي تواصل قتل مواطنيها”. والرئيس جو بايدن قال في لقاء سابق مع نشطاء من الحزب الديمقراطي إن “الاتفاق ميت”. ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي صوت على طرد إيران من عضوية لجنة المرأة سمى ثلاث محاميات دوليات من بنغلادش وباكستان والإرجنتين للتحقيق في الاعتداءات على حقوق الإنسان.

طهران التي تدعو إلى حوار مع السعودية وبقية دول الخليج والدول العربية تسلح وتمول ميليشيات تابعة لها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وتمارس الاعتداء بالصواريخ والمسيرات على السعودية والإمارات العربية المتحدة من خلال وكلائها الحوثيين في اليمن. وهي تخرق قرار مجلس الأمن رقم 2231 الذي يمنعها من تطوير الصواريخ وتصدير الأسلحة عبر إرسال المسيرات إلى روسيا لقصف البنية التحتية في أوكرانيا.

الرهان على أن تصبح إيران دولة عادية خاضعة للقانون الدولي وأن تتخلى عن الميليشيات التابعة لها وعن برنامجها النووي العسكري الذي تعمل به سراً هو وهم كبير، فلا حياة ولا سلطة للملالي من دون هذه الأمور. وخامنئي لم يتردد في القول “إن الجمهورية الإسلامية لن تكون عادية”.

ومن الأوهام أيضاً الدعوات في الخارج والداخل إلى “اعتدال” النظام وإجراء إصلاحات فيه، فلا مجال لإصلاح نظام يدعي أنه “حكم إلهي”. و”لا في أية لحظة واجه خامنئي مفترق طرق بين الإصلاح والقمع وكان خياره سوى القمع”، كما يقول الخبير الأميركي من أصل إيراني كريم سادجادبور في مقالة نشرتها “نيويورك تايمز”.

لكن التناقض صار كبيراً بين شعب المسيرات السلمية وبين نظام المسيرات القاتلة. والقوة الصلبة مهما تكن كبيرة ستصطدم في النهاية بالقوة الناعمة للنساء وطلبة الجامعات والفنانين من سينمائيين وموسيقيين ومغنيين وأدباء ومهمشين كرد وبلوش وعرب ونخبة فارسية في الطبقة الوسطى. والواضح كما يرى سادجادبور أن “حركة الاحتجاجات لم تصل بعد إلى نقطة تحول تجذب كتلة حرجة من المؤيدين، وإن بدأت الشكوك تنتاب كتلة حرجة من المجتمع”.

لكن الغامض اليوم قد يصبح واضحاً جداً غداً. وسادجادبور يراهن على أن “فكرة التسليم بأن سقوط نظام استبدادي أمر يتعذر تصوره، وغالباً ما ستنتقل الفكرة إلى تطور حتمي في غضون أيام”.

 

Back to top button