هل تبخرت ودائع اللبنانيين من المصارف؟

النشرة الدولية –

لبنان 24 – نوال الأشقر –

منذ اندلاع الأزمة قبل أربع سنوات في تشرين 2019، يتردّد سؤال لعّله الأهم بالنسبة للغالبية العظمى من اللبنانيين: هل تبخّرت ودائعنا أم ستعود مع حصول انفراج اقتصادي؟

سمع اللبنانيون الكثير من العبارات المتعلّقة بمدّخراتهم، والفاقعة في تناقضها، كقدسيّة الودائع أو شطبها. وقُدّمت مشاريع واقتراحات قوانين إلى المجلس النيابي، كما صدرت أحكامٌ قضائيّة في الداخل والخارج، ألزمت المصارف برد الودائع بالعملة الأجنبية إلى أصحابها، ونشأت جمعيات باسم “الحفاظ على حقوق المودعين” وراحت تتكاثر، لكن فعليّا لا زالت الأموال محتجزة، باستثناء ما أعادته بعض المصارف من دولارات إلى أصحابها، بقوّة السلاح، من خلال عمليات اقتحام فروع مصرفيّة.

منذ بدء الأزمة، تبادلت الأطراف المعنيّة رمي المسؤوليات. ربما آخر ما قاله حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة بشأن الودائع، كان أثناء مثوله في أيار الماضي، أمام المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان، حيث ردّد عبارته الشهيرة “الليرة بخير، والودائع موجودة في المصارف”. قد يصحّ التشبيه هنا بعبارة لا تقّل شهرة عائدة لمحمد سعيد الصحّاف وزير الإعلام العراقي، أبّان حكم صدام حسين، حيث راح يكرر مفردات الصمود أمام غزو الأميركيين، حتّى آخر لحظة من ليلة سقوط بغداد “العلوج الأمريكان يروّجون الأكاذيب، بغداد لن تسقط أبدًا”.

مع خروج سلامة من الحاكميّة، وتولّي نائبه الأول وسيم منصوري المهمّة، عاد السؤال حول مصير الودائع يُطرح بقوة، معزّزًا بالأمل هذه المرّة، خصوصًا أنّ الأخير أوحى باتباع سياسة مغايرة لسلامة، قائمة على الشفافيّة، وقد نشر بالفعل أرقام الموجودات الخارجية للبنك المركزي ومطلوباته. منصوري تناول مسألة الودائع بتصريحين، الأول في حديث إعلامي على هامش زيارته الرياض قال فيه “أنّ إعادة الأموال للمودعين ليست مستحيلة” والثاني خلال اللقاء الذي عُقد مؤخّرًا في المجلس الاقتصادي الاجتماعي، حيث ربط بين إعادة المدخرات وهيكلة القطاع المصرفي “الدولة لن تستطيع إعادة أموال المودعين قبل هيكلة المصارف”.

رحّل منصوري الحلول بما فيها الموقتة، إلى حين صدور تشريعات، لا أحد يعلم متى يحين زمانها. فهل فعلًا مصرف لبنان عاجز عن أيّ حلول في الفترة الفاصلة عن التوصل إلى تسوية سياسية؟

 

رغم استفحال الأزمة السياسية والنقدية، يطرح خبير المخاطر المصرفيّة الدكتور محمد فحيلي في حديث لـ “لبنان 24″ خريطة طريق، دون انتظار الرئاسة والقوانين الإصلاحية، يمكن البدء بتطبيقها على الفور”من شأنها أن تطلق عجلة إعادة الثقة إلى القطاع المصرفي”.

مسؤولية مصرف لبنان

لم يُوفّق منصوري في مقاربة مسألة الودائع، ذهب باتجاه التركيز على إعادتها، بينما المطلوب إعادة الثقة بين المودعين والمصارف، يقول فحيلي، مبديًا تحفّظه على استخدام منصوري لبعض المفردات، منها استرداد الودائع “فالمكان الطبيعي للودائع هو في المصارف، وليس في خزائن المنازل، بما يمكّن المواطن من الإدخّار، ويمنح القطاع المصرفي القدرة على القيام بوظيفة ضخّ حياة في الإقتصاد. أمّا تخزين فائض السيولة في الخزنات الحديديّة في المنازل، كما هو الحال اليوم، فيتسبّب بجزء كبير من الإختناق الإقتصادي”.

“نواجه اليوم أزمة سيولة بالدرجة الأولى، وجزء كبير من الحلول هي بمتناول مصرف لبنان، يمكن له أن يباشر بتنفيذها، وليس هناك من حاجة لتشريعات، خصوصًا أنّ منصوري بصفته النائب الأول للحاكم تولّى مهامه ضمن قانون النقد والتسليف، الذي يمنحه صلاحيات كاملة تمامًا كصلاحيات الحاكم، ومن الضروري أن يتصرّف بها “يلفت فحيلي، معتبرًا أنّ منصوري لا يذهب باتجاه الممكن، وينتظر الحلول دفعة واحدة. أمّا إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وفق ما يطرحه منصوري فيتطلب رأسمال من الصعب توافره، ولا يفيد بظل انعدام الثقة، لذا تكمن الخطوة الأولى باطلاق عجلة الثقة بالمصارف قبل الحديث عن أيّ أمر آخر.”

تنفيذ التعميم 154 وإخراج المصارف غير الملتزمة من السوق

عما يمكن للمركزي أن يفعله في الوقت الراهن، يرى فحيلي وجوب الإنطلاق من تطبيق التعاميم التي أصدرها سلامة خلال الأزمة، بوجود منصوري وزملائه في المجلس المركزي. أهمها التعميم 154 الصادر في آب 2020 ،لما يتيح تطبيقه من توفر سيولة بمتناول المصارف التجارية. أهم أحكامه الطلب من المصارف الذهاب باتجاه كبار المساهمين، وإعادة ما يقارب الـ 30% من الأموال التي حوّلها هؤلاء للخارج، والطلب من المستوردين ردّ ما يقارب 15الـ % من الأموال المحوّلة للخارج، وهذا يعني أنّ المركزي يملك معطيات مفادها أن هؤلاء نفخوا فاتورة الإستيراد بقصد تهريب الأموال. كما يطلب التعميم من المصارف تكوين سيولة لدى المصارف المراسلة بنسبة 3% من مجمل الودائع بالعملات الأجنبية. من هنا يرى فحيلي وجوب الطلب إلى هيئة الرقابة على المصارف تنفيذ التعاميم، بعد الطلب من المصارف تقييم حجم السيولة لديها، والمصرف الذي لا يمتثل يتم وضع اليد عليه. لكن استغرب كيف أن منصوري لم يتطرق إلى لجنة الرقابة على المصارف، علمًا أن دورها أساسي بتصنيف المصارف بين قادر ومتعثر”.

تطبيق التعميم يوفّر سيولة، ويحفّز العمل المصرفي، ويمكّن المصارف من تمويل فاتورة الإستهلاك لدى المودعين، وفق فحيلي “أعتقد أنّه ممر إلزامي ومجدي باتجاه استعادة الثقة، من شأنه أن يطمئن المودع شيئا فشيئًا، ويمكن أن يجعله ينقل أمواله من الخزائن داخل منزله إلى المصارف”.

إعادة الإحتياطي إلى المودع

من ضمن صلاحيات مصرف لبنان لجهة تأمين سيولة للودائع هو الإحتياطي الإلزامي، يلفت فحيلي “وإذا إتخذ مصرف لبنان قرارًا بإلغاء التوظيفات الإلزامية البالغة 14% وإعادتها الى المصارف، يجب أن تكون مشروطة بتوافر 14% من كل وديعة بالدولار المحلي لصاحب الوديعة”.

جذب المودعين للتعميم 165

بالتوازي يجب أن يشجّع مصرف لبنان على الامتتال لأحكام التعميم 165، ويطمئن الناس ويدفعهم لفتح حسابات، ويدفع المؤسسات التجارية لإعادة توطين رواتب موظفيها “عندما نعطي حياة للمصارف التجارية القادرة على الإستمرار بخدمة الإقتصاد، تستطيع جني أرباح. في هذه الحالة يفرض مصرف لبنان أن يذهب جزء من الأرباح باتجاه الخسارة الناتجة عن توظيفاتهم الإئتمانيّة قبل الـ 2019. وكلما تمكّنت المصارف من إمتصاص الخسارة، كلما زادت حظوظ المودعين بالإطمئنان على مدّخراتهم”.

مسؤولية المصارف: تمويل حاجات المودعين وفق الأولويات

مسؤولية الإنهيار المالي تقع على ثلاثية الدولة ومصرف لبنان والمصارف، وفي الفترة الفاصلة عن وضع خطة للتعافي، وتوزيع الخسائر بين الإطراف الثلاثة “تقع على عاتق المصارف مهمة اللجوء إلى التواصل الإيجابي مع مودعيها وزبائنها” وفق فحيلي، بحيث يعمد كل مصرف على حدى لتصنيف زبائنه، وفق الداتا التي يملكها، بمعنى أنّ حاجة المتقاعد الذي لا يملك مصدر دخل آخر تختلف عن حاجة المودع الذي لديه وظيفة. بعد التصنيف، يعمل المصرف على تمويل حاجة هؤلاء من الإستهلاك والطبابة والدراسة وغيرها، وفق قدراته.

يطول شرح فحيلي عن الأخطاء التي ارتُكبت، وكان بالإمكان تفاديها، منها تسديد القروض على الـ 1500 ليرة، وعدم لجم شهية المصارف في استقطاب الودائع قبل تشرين 2019، وغيرها الكثير من مسؤولية السلطة في الهدر والإنفاق من دون موازنات موزونة. ولأنّ الواقعة حدثت يقول لمنصوري “التشريعات التي تنتظرها تفيد النمو، ولكن الأولوية اليوم للإنقاذ، ثم الانعاش وبعده يأتي النمو، فلنبدأ بالإنقاذ عبر ترميم الثقة بالنظام المصرفي، من خلال تطبيق أحكام التعاميم”.

Back to top button