أوكرانيا قد تلقى مصير غزة وسوريا في 2023
بقلم: بيل ترو

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية –

لم تتخيّل سوى قلة من الأشخاص حينما استيقظت في أول يوم من يناير (كانون الثاني) 2022 بأنّ أكبر حدث في تاريخ أوروبا الحديث منذ الحرب العالمية الثانية على بعد قاب قوسين أو أدنى منها. وأنه سينتشر ويبثّ هذا الكمّ من الغضب المقلق في نواحي حياتنا كلها.

لكن يوم 24 فبراير (شباط)، قرر الرئيس فلاديمير بوتين أن يخضع أوكرانيا والعالم لهذا الحدث، ويحيك نظاماً عالمياً جديداً لنا جميعاً، يستمر لأجيال قادمة. ترددت أصداء النزاع إلى أبعد من حدود الجهتين المتنازعتين في هذه القصة، وأشعلت حوادثً تتراوح من نقص في الخبز وشبه مجاعة إلى أزمة غلاء معيشي.

وهكذا، مرّ عام مربك ومذهل، إذ شكلت أوكرانيا والحرب التي تجتاحها مركز الثقل فيه. لكن إلى متى سيطول ذلك؟ غطّى هول هذا النزاع الذي خلق أسوأ أزمة لجوء وأكبر أزمة إنسانية في أوروبا، على بقية الكوارث والحروب في العالم، للأسف. ظل تركيز العالم منصبّاً على المشاهد الخارقة التي خلّدتها بعض الصور والكلمات.

لكن فيما ترخي حرب مدفعية قاسية بثقلها على المشهد، وتترسخ الخطوط أكثر، وتتواصل المعارك الدموية التي ربما تقلّ مكاسبها أكثر فأكثر، أخشى أن يحلّ الإنهاك الشهر المقبل عقب مرور الذكرى الأولى للغزو الروسي. يتكل بوتين على حدوث ذلك. وستكون مهمة الصحافيين وعمال الإغاثة، الاستمرار بإحياء القصة والحفاظ على أهميتها.

حلّ التعب فعلاً إلى حدّ ما. وعلى غرار صراعات كثيرة توليت تغطيتها، يبدو استقطاب الانتباه العالمي أمراً مؤقتاً. إذ تكاد المنصات الإخبارية العالمية ألا تتناول تطورات الصراع السوري المتواصل بقسوة منذ 12 عاماً، لدرجة أنّني أُسأل باستمرار إن كانت الحرب قد انتهت هناك. قلة من الناس تعلم أساساً ما وضع حكومة ليبيا، تلك الدولة التي تستعرّ فيها حرب طويلة مماثلة.

كذلك يؤدي التكرار إلى تآكل الانتباه. أذكر أنني وقفت في العام 2021 داخل فجوة خلّفتها غارة جوية على شارع في غزة شهدت تعرضه للقصف في العام 2012 و2014 ثم 2021. بسبب الطابع المألوف بشكل مذهل لهذا الصراع، لم يُعر معظم العالم اهتماماً للأزمة. في العام 2023، قد تلقى أوكرانيا مصيراً مماثلاً، لا سيما مع تحوّل شكل المعارك في الحرب بحيث يتعذر تمييزها عن بعضها البعض. إذ يتشابه تحرير منطقة كييف مع عمليات مماثلة في خاركيف وخيرسون.

ويزداد هذا الوضع سوءاً بسبب المشاكل الداخلية في أوروبا والغرب. أسهمت الحرب التي اندلعت في أوكرانيا في أعقاب الجائحة، بوصول التضخم إلى مستويات قياسية في أوروبا، فباتت تلامس 11 في المئة إجمالاً (لكنها تصل إلى 15.6 في المئة في بولندا). بسبب جنون الأسعار، يتردد الناس في إنفاق أموالهم، ما أضعف مستوى التبرعات لأوكرانيا. ولا شكّ في أنّ كييف قلقة بهذا الشأن.

إذاً، لم يكن من باب المصادفة أن يختار الرئيس فولوديمير زيلينسكي اتخاذ خطوة استثنائية بمغادرة أوكرانيا للمرة الأولى منذ بداية الحرب لزيارة الولايات المتحدة وحشد الدعم. هناك، وجّه الزعيم الأوكراني نداء مؤثراً إلى الرئيس بايدن والكونغرس طلباً للحصول على دعم أميركي مستمر ومتعاظم، لا سيما في مجال الأسلحة. تزداد الشكوك في أوساط النواب الجمهوريين بشأن الفائدة من استمرار تقديم المساعدات. وقد خاطب زيلينسكي جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس حيث طرح موضوع الدعم لأوكرنيا ليس من باب العطاء الخيري بل باعتبار أنه “استثمار في الأمن العالمي والديمقراطية”.

وأورد أمام نخبة من السياسيين في أميركا أنه “لا يمكن لهذه المعركة أن تتجمد أو تتأجّل. ولا يمكن تجاهلها على أمل أن يوفر المحيط أو أي شيء آخر حاجز حماية. يعتمد قسم كبر من ذلك الأمر [المعركة] على العالم. وتعتمد أشياء كثيرة في العالم عليكم”.

هذا هو الواقع المؤسف في عالم البشر. ليس مستعصياً أن ينفذ تركيزنا أو أموالنا. وببساطة، لا يمكنهما أن يكونا مطلقين. في المقابل، يكمن الخطر يكمن في استفادة موسكو من هذا الوضع. وبالنسبة إلى بوتين، يشكّل عدم الاكتراث العالمي أهم أسلحته، لأنه إن تلاشى الدعم لأوكرانيا، تكبر فرصه في الفوز. لو سئمنا من هذه القصة، من محنة أوكرانيا، فنحن نخاطر بتحويل غزو له أبعاد عالمية إلى أمر عادي.

وإذاً، نحن نخاطر بإرساء سابقة عالمية خطرة. لذا، يتمثّلق جزء من مهمّتنا كصحافيين ومراسلين في مكافحة اللامبالاة عبر الاستمرار في نقل القصص المهمة وسردها وإثارة اهتمام الجماهير. وكذلك يجب الاستمرار بتسليط الضوء على الفظائع التي تُرتكب.

 

زر الذهاب إلى الأعلى