زيادة رواتب القطاع العام تحت مطرقة المصارف والإعلام، وسندان الحكومة!
بقلم: اكرم كمال سريوي
الننشرة الدولية –
الثائر –
تشنُّ بعض وسائل الإعلام هجمة عنيفة على القطاع العام، ورغم اعترافهم بأن الرواتب الحالية لا تكفي لتأمين الحاجات الأساسية للموظف، يستمر التهويل بأن أي زيادة للرواتب ستسبب انهياراً للوضع المالي، وتضخماً وارتفاعاً بسعر الدولار، وبحسب وسائل إعلامية مُغرضة، فأن الرواتب أصبحت بحدود 85 الف مليار ليرة سنوياً، وباتت تفوق كل ما تجبيه الدولة اللبنانية، حيث يُقدّر المبلغ بحوالي 60 الف مليار ليرة، (وهذه أرقام غير صحيحة طبعاً)
تترافق الحملة مع دعاية مصرفية: “هل تدمير القطاع المصرفي هو الحل؟؟؟ القطاع المصرفي العمود الأساسي لإعادة بناء الاقتصاد……”
طبعاً لا احد يريد تدمير القطاع المصرفي، ودوره اليوم مهم جداً في بناء الاقتصاد. لكن السؤال الأهم هو:
هل تدمير القطاع العام هو الحل؟؟؟ وهل إفقار الموظفين هو الحل؟؟؟
أليست المصارف مسؤولة عن تدمير القطاع المصرفي والثقة بالمصارف؟ من الذي انتهك قانون النقد والتسليف منذ اندلاع الأزمة وحتى اليوم، المصارف أم المودع الذي يطالب باسترداد وديعته وفقاً للقانون؟؟؟
ولماذا تغطي بعض وسائل الإعلام ارتكابات وانتهاكات المصارف للقانون؟؟؟ أليس الجميع يعلم ويُقرّ، بأن تعاميم حاكم البنك المركزي رياض سلامة، كلها مخالفة للدستور والقانون وتخدم مصلحة المصارف وعلى حساب المودعين؟؟؟؟ ألم يُبطل مجلس شورى الدولة تعاميم سلامة ، ثم أعيد فرضها بالتهديد والوعيد؟؟؟!!!
لقد عاشت دول وممالك آلاف السنين من دون مصارف، لكن هل يمكن أن تصمد دولة ليوم واحد، دون قطاع عام؟؟؟
تجتاح العالم موجة الخصخصة، وفي لبنان هناك من يرغب بشدّة في بيع أصول الدولة، وحتى خصخصة الأمن، رغم أن تجارب الأمن الذاتي، لم تجلب سوى الوبال على لبنان وشعبه.
يقول البعض أن الجيش والقوى الأمنية غير منتجة ويجب التخلص منها، أو تخفيضها إلى الحد الأدنى!!!
لكن في الحقيقة إن الجيش يُنتج أهم شيء للدولة، وهو الأمن، الذي هو شرط أساسي لنهوض وازدهار أي بلد.
فأي مستثمر سيأتي إلى دولة من دون وجود الأمن، وأي مصنع أو مصرف أو مؤسسة ستعمل؟؟ وأي سائح سيأتي؟ وكيف ستعمل المطاعم والفنادق والمقاهي؟؟؟
لو سلّمنا جدلاً بأن رواتب القطاع العام، مع إقرار سلسلة الرتب والرواتب قبل الأزمة، كانت أكبر من أن تتحملها خزينة الدولة، لكن الآن باتت أقل بكثير من الحد الذي يسمح للموظف بالاستمرار في عمله، وتأمين أبسط مقومات العيش، ولقد تراجعت قيمتها الشرائية، بمقدر أكثر من عشرة أضعاف.
أما مسألة انهيار مالية الدولة فيرغب البعض بتحميلها لسلسلة الرتب والرواتب، متجاهلاً كل ما قام به المسؤولون وشركاؤهم من؛ سمسرات، وسرقات، وهدر للمال العام،، واستغلال لأملاك عامة، وغير ذلك من تفريط بمصالح الدولة والشعب.
أما عن مداخيل الدولة، فهي تراجعت بسبب تعطيل القطاع العام، وتهرّب التجار والمكلفين من دفع الضرائب المتوجبة عليهم، إضافة إلى التهريب والتهرب الضريبي والطرق الاحتيالية التي يلجأ إليها معظم المكلفين، هذا إضافة إلى انهيار سعر صرف الليرة، وبقاء معظم الرسوم والتكاليف على السعر القديم، الذي لم يواكب ارتفاع سعر الدولار، فتكلفة إقامة الأجنبي أو عاملة منزل في لبنان، ما زالت تتراوح بين 28 الف ليرة و 300 الف ليرة بحسب الجنسية، وما زال من لديهم خدم من جماعة الطبقة البرجوازية ووزراء ونواب يرفضون زيادة هذه الرسوم.
من يريد دولة في لبنان، يجب أن يعلم أنه لا بد من تطبيق القانون وتصحيح الأجور والتكاليف والرسوم والضرائب، وإعطاء رواتب عادلة للقطاع العام، فلن تنهض دولة لا تُطعم جيشها، والموظف فيها أفقر من لاجئ.
لقد تمت دولرة كل شيء في لبنان، وتأقلم معظم القطاع الخاص، خاصة التجار وأصحاب المهن الحرة، مع الوضع، وعادت مداخيلهم بنسبة كبيرة إلى ما كانت عليه سابقاً تقريباً.
وحده موظف القطاع العام يدفع الثمن وتم القضاء عليه، وبات تحت خط الفقر.
حان الوقت للهيئات الاقتصادية والمصارف والتجار وبعض الإعلام والإعلاميين ومدّعي الخبرة الاقتصادية، أن يتوقفوا عن هذه الحملة المشبوهة على موظفي القطاع العام، لإن الرواتب العادلة للموظفين حق ، وستعيد تحريك عجلة الدولة، والأهم أنها ستحرّك العجلة الاقتصادية، لأنها ستصرف في السوق اللبنانية، وليس في الخارج.
أما عن تخفيض القطاع العام، فهذا أمر مهم ، يجب أن يتم وفق دراسة شاملة، تراعي الحقوق المكتسبة، وحاجات الإدارة والكفاءة، وتحافظ على الدولة في لبنان، وليس على أساس تدمير القطاع العام وإنهاء وجود الدولة.
لا عمل دون أجر، والأجر يجب أن يكون عادلاً، ولا دولة دون جيش وقضاء ومدرسة وإدارة عامة، ولا قطاع خاص وازدهار دون أمن ودون دولة.
زيادة الرواتب حق، وخطوة أساسية لاستعادة الدولة دورها، وهي ممكنة اذا توقف الفساد، ودفع القطاع الخاص ضرائب عادلة للدولة.