تأهيل سوريا .. وقانون قيصر الأمريكي
النشرة الدولية –
تطورات متلاحقة ومتسارعة تمر بها الأزمة السورية هذه الايام ، تشير الى محاولة احتضان إقليمي لنظام الاسد ، يضع الولايات المتحدة في مأزق سياسي يقلق أدارة بايدن.
تطورات تتسابق فيها دول الإقليم على خطب ود ألرئيس السوري ، للحصول على موضع قدم لها ، كل حسب مصالحه تارةً بالدبلوماسية وأخرى غير ودية وبالحرب، تحاول فيها أربعة دول رئيسية ان تلعب كل منها دور المايسترو الذي يقود الفرقة السياسية ، او حتى العسكرية أحياناً ، لبلورة المشهد الجديد لهذه الأزمة ، حيث تواصل إسرائيل فيها مثلًا العزف المسلّح المنفرد على النظام السوري ،بحجة عدم السماح للوجود الايراني ، ان يأخذ مكانة على الساحة السورية ومعه حزب الله، في وقت تهدد فيه واشنطن وتحذر دول الإقليم من مغبة التصالح مع النظام السوري ، ملوّحة بقانون قيصر الحافل بالعقوبات ، بعد اللقاء الثلاثي الذي عقد في موسكو وجمع وزراء خارجية روسيا وتركيا وسوريا ، ذاك اللقاء المشترك الذي ألقى بظلال قاتمة ، على المعارضة السورية الكردية المدعومة من واشنطن ، والتي تتهمها أنقرة بدعم حزب العمال الكردستاني الانفصالي التركي ، لتأتي بعده زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد الى دمشق ،لكي تكمل الجزء المتبقي من الصورة ،التي تخشى الولايات المتحدة -المنهمكة بالأزمة الاوكرانية -من بلورتها على الساحة الاقليمية ، عشية أستعداد ألرئيس التركي اردوغان للتحضير لحملته الانتخابية ، التي يأمل ان تعيده الى سدة الرئاسة ، محمولًا هذه المرة على تبريد الازمة السورية ، بعد أن التقت مصالح النظام السوري معه في تحييد الجيب الكردي في شمال سوريا ، وهو الأمر الذي يثير غضب وحفيظة واشنطن ،التي ما زالت تحتفظ ببعض قواتها هناك ، للدفاع عن قوات حماية ألشعب الكردي-قسد- ،تلك التي اخذت تستغيث بالعالم لحمايتها ، بعد ان شعرت بان ثمة في الأمر صفقة ، وان واشنطن قيد التخلي عنها لإرضاء حليفتها تركيا.
أكثر ما يقلق واشنطن هذه الايام ،هو ذلك الدفء السياسي الذي بدأ يخيم على عواصم الاقليم ،تجاه ألرئيس الاسد، كما يقول موقع “المونيتور” بعد لقاء وزير الخارجية الاماراتى الاخير مع ألرئيس الاسد، وقبله الاجتماع الثلاثي الروسي التركي السوري ، الأمر الذي دفع المتحدث باسم الخارجية الاميركية الى القول ،بان واشنطن لا تدعم الدول ” لتحسين علاقاتها او التعبير عن دعمها لإعادة تأهيل الدكتاتور بشار الاسد ” ،في وقت يشعر فيه أعضاء الحزب الجمهوري في الكونغرس الأميركي بالإحباط الشديد ،لعدم وجود اي تطبيق لعقوبات قيصر في عهد بايدن ،المشغول حاليًا بحرب اوكرانيا . ان أستمرار التواصل الدبلوماسي في المنطقة مع دمشق ،من شأنه ان يضع ادارة بايدن في مكان صعب للغاية ،في ظل وجود عددٍ قليل من الأوراق التي بقيت لديه، كي يلعب بها في هذا السياق ، باستثناء التهديد بفرض عقوبات على حلفائه وشركائه في المنطقة ، كما يقول “تشارلز ليستر ” الخبير في الشؤون السورية في معهد الشرق الاوسط للدراسات ، أولئك الحلفاء والشركاء الذين باتت واشنطن بأمس الحاجة لهم اليوم ،للوقوف معها أو أقلّها تحييدهم في دعمها للحرب الاوكرانية.
يبدو ان بايدن الغارق حتى أذنيه ، في تلك الحرب لازال يتعامل مع المشهد السوري على أنه أزمة يجب احتواءها ،غير مدرك بان التطورات الاخيرة التي يشهدها الإقليم ، والتحركات الدبلوماسية المرافقة لها ،خاصةً العربية والتركية،قد تجاوزت ذلك الاحتواء ،وجعلت سياسة واشنطن القائمة على المحافظة على الوضع الراهن ،كما يقول تشارلز ليستر “امراً لا يكفي عندما يتحرك العديد من الجهات الدولية الفاعلة من حول واشنطن ،اؤلئك الذين يسعون لتغيير الديناميكية القائمة ” في سوريا.
لم يكن ينقص بايدن وأدارته صداع أوكرانيا ،وتحرك الإقليم تجاه سوريا ، وحكومة نتنياهو المتطرفة الجديدة ، وتهديد بوتين بجولة نوعية جديدة من الحرب ضد اوكرانيا ،يهدد فيها باستخدام صواريخ بعيدة فوق صوتية ،حرك فيها بوارجه الحاملة لها ، صوب المحيط الأطلسي ، حتى صدمته تلك الفوضى العارمة والانقسام الكبير ،الذي لم يحسب له حساب ،وأقصد هنا تلك المعركه التي تدور رحاها داخل أروقة الكونغرس الاميركي ، وتعذّر فيها انتخاب رئيس جمهوري لمجلس النواب ،بعد اربعة جولات عرقل فيها مؤيدو ترامب انتخاب رئيس جديد للمجلس. سيناريو محبط بدأ يشعر فيه بايدن ان ألرئيس السابق ترامب ، أخذ يدخل عليه دون استئذان من الباب الخلفي للبيت الابيض ، صحيح ان المعركه هي بين أعضاء الحزب الجمهوري ، ولكن الذي يحدث بنظر بايدن ، هو شرخ كبير لا سابق له ، سيعقّد إذا أستمر المشهد الداخلي الامريكي ، لا يريد بايدن ان تنعكس نتائجه على مجمل المؤسسات الدستورية ، التي غدا بأمس الحاجة لتماسكها ألان ،في ظل هذا الذي يحدث في اوكرانيا وسوريا واسرائيل ، خاصة بعد ان ثبت له ان ترامب ويمينه المتشدد ،لازال يمسك جزئيا بمفاصل أوراق اللعبة الانتخابية ، ولو هذه المرة داخل المؤسسة التشريعية ،بعد ان حث أنصاره فيها على عدم التصويت للمرشح مكارثي ، بإعتباره الأوفر حظاً برئاسة المجلس ، ذلك التصويت الذي يوحي بل ينذر بانقسام كبير ، داخل وبين الولايات المتحدة الخمسين.
بايدن الذي تطارده الازمات ، من بحر الصين شرقًا ،مرورًا بالشرق الاوسط وملفاته الصعبة ، وحرب اوكرانيا ، وصولًا الى تحدي ألرئيس البرازيلى الجديد مادورو ،في القارة اللاتينية ، بات يشعر ان الحمل يثقل كاهله ، وان قانون العقوبات “قيصر ” لن ينفعه في وقف احتضان ألرئيس السوري من قِبل حلفائه في الإقليم الذي يجري بوتيرة ثابتة ، وبرعاية غريمة الروسي ،مضافاً اليه الحلفاء المقربون في تركيا والخليج العربي.