شبح خطبة سوناك الأخيرة سيلاحقه في المستقبل
لا أعتقد أن الكلمة التي ألقاها أسهمت في شرح أهدافه كرئيس للوزراء البريطاني
النشرة الدولية
اندبندنت عربية – سلمى شاه –
ليخبرني أحدكم، لوجه الله، ماذا كان موضوع الخطبة؟ هذه كانت النقطة التي شغلت معظم الناس بعد أن ألقى رئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك خطبته لمناسبة انطلاق أعمال حكومته في السنة الجديدة. لقد قدم لنا رئيس الوزراء ورقة التزامات تضمنت خمس نقاط، وعدت بتخفيض نسبة التضخم إلى النصف، وأن يعمل على تنمية الاقتصاد، وتقليص الديون، وأن يعمل على إنهاء طوابير الانتظار في قطاع خدمة الصحة الوطنية NHS، وأن يشرع قوانين جديدة لردع وصول قوارب اللاجئين الصغيرة.
وهذه هي من القضايا التي يخمن المرء أنها المواضيع التي تحددها [كأولويات] باستمرار مجموعات رصد سياسات الدولة، ولأجل ذلك فإن الإدلاء بخطبة حالياً يركز على “أولويات المواطنين” كان خطوة ومناورة تكتيكية ذكية. محاولة ريشي سوناك الاستحواذ على أجندة العمل في مطلع العام الجديد مع لائحة بالأمور التي تعتبر الشغل الشاغل للناخب البريطاني العظيم ــ وبذكاء، أقام معياراً حيث من المحتمل أن ثلاثة من أصل أهدافه الخمسة ستتحقق بالتأكيد.
ولكن هل علينا أن نعتبر ذلك نجاحاً؟ هل أسهم ما جاء في تلك الخطبة في تكوين فهم لما يطرحه سوناك كرئيس للوزراء؟ هل منحتنا النقاط التي جاءت في الخطبة فكرة عن المهمة التي أخذت هذه الحكومة تنفيذها على عاتقها، أو أنها أسهمت في مساعدة هذا العدد الكبير من الناخبين الذين لم يحسموا خياراتهم على التفكير ملياً بجدوى دعم رئيس الحكومة التكنوقراطي هذا؟ لا أعتقد. إذاً ما هي الغاية من القيام بخطوة من هذا النوع في الأساس؟ بالنسبة إلى ريشي سوناك، هناك عدة أسباب تقف وراء قراره هذا. السبب الأول هو سعيه إلى تأسيس مصداقيته [كزعيم] قادر على غربلة رؤيا واضحة وأن يقوم بأداء جيد وأن يبرهن على إجادته فن الخطابة والذي على كل سياسي ناجح أن يتعلمه.
لكن المشكلة في الخطبة هي كونها تبدو مربكة. بالطبع، معظم الناس سيلاحظون فقط خطوطها العريضة الأساسية، وهي أن رئيس الحكومة ينوي القيام بشيء ما لمواجهة وصول القوارب الصغيرة [محملة باللاجئين غير الشرعيين إلى الشواطئ البريطانية]، والتعامل مع لوائح الانتظار الطويلة لتلقي العناية الطبية في خدمة الصحة الوطنية NHS، ولكن كيف يمكن لذلك أن يكون جزءاً من برنامج عمل حكومي أشمل؟ فإذا كنا راغبين في تنمية الاقتصاد، كيف سيكون شكل ذلك؟ لم يكن في الخطبة موضوع متناسق أو سردية يمكن من خلالها ربط ما طرحه بأهداف سوناك وبأولويات إدارته.
خطبته حملت أيضاً بعض التناقض عبر كشفها عن رغبته بفرض تعليم مادة الرياضيات للتلاميذ حتى سن الثامنة عشرة. أو ربما أنه لم يرغب في ذلك؟ إن العمل من أجل تحسين مهارات البريطانيين لمساعدتهم على المنافسة من أجل جذب وظائف تتطلب مهارات عالية إلى المملكة المتحدة، هو أمر مهم بالنسبة إلى موضوع الإنتاجية والنمو، ولكن ذلك كان من الأفضل أن يكون موضوع خطبة خاصة أخرى، تحتاج إلى تخصيص المكان والزمان لتفسير الموضوع والإحاطة بجميع جوانبه. فلن يفهم أحد ما تسعى إلى الوعد بتنفيذه إذا لم تقدم لهم الشرح اللازم لذلك.
وفيما لم يكن إلقاؤه عدوانياً، كان شيئاً ما مفرط الكمال: متقناً وصفراً من أي اقتناع. لم تتضمن الخطبة ما يجعله بارزاً، وهو ما يعتبر مشكلة في الفترة التي تسبق بدء الحملات الانتخابية، حين يكون من المطلوب أن تترك الخطبة مفعولاً طويلاً. وينبغي أن تدفع الخطبة الجمهور إلى الشعور بأنك تفهم لب القضية، وأنك قد شخصت المشكلات وفهمت الأسباب التي تجعلهم محبطين. فأن تقول إن لديك “الرؤيا أن تفعل اليوم، كل ما هو مطلوب من أجل الغد” لا يعبر تماماً عن سردية تحمس الجمهور مثل القول “سنعطي الأولوية للتعليم التعليم التعليم”.
أمام ريشي سوناك أقل من عامين كي يجعل تأثيره واضحاً إن كان يتطلع إلى الفوز في الانتخابات المقبلة. كل جولة يقوم بها سيحاسب عليها، وكل ظهور إعلامي يحتاج منه إلى بذل جهد أكبر بدلاً من تكرار الأقوال القديمة المتعبة والتي سمعناها من قبل. فهو لا يقاتل في معركة يواجه فيها نواب حزبه وعلاقته المتوترة معهم، خصوصاً وأنهم لا يزالون سكارى من زعامة بوريس جونسون الأكثر جاذبية، بل هو يقاتل من أجل إنقاذ البلاد من تراجع أداء خدمات القطاع العام، والتهديد المستمر لإصابة الاقتصاد بالركود. إنه شخصية موهوبة، ومجتهد في عمله (وأنا أعتقد) أن لديه ميلاً حقيقياً إلى مساعدة الآخرين، ولذلك فإن عليه أن يعتمد على حسه السياسي أكثر من اعتماده على كتيب الأسلوب الذي تصرف وفق قواعده من سبقوه إلى المنصب.
بالطبع، كل ما على سوناك تحقيقه هو أن يكون أداؤه أفضل من الشخص الآخر ــ وبما أن خطبة زعيم حزب العمال كير ستارمر لمناسبة حلول العام الجديد قد تلا مباشرة خطبة سوناك ــ فربما تتوفر لدى حزب المحافظين أسباب ليبقوا سعيدين.
فزعيما الحزبين الرئيسين في البلاد حالياً ليسا شخصيتين مسيستين بشكل غريزي. وعلى رغم أن العودة إلى الزمن السياسي “المضجر” مرحب بها في بريطانيا حالياً، فمن الصعب أن لا نرغب في شخصيات تكون ملهمة. هل سيتمكن أي منهما في تحقيق