بندٌ خلافي قد ينسف القمة العربية… وطرف واحد سيغيّر القواعد
بقلم: اكرم كمال سريوي

النشرة الدولية

برافدا –

لا يمكن أن نتوقع الكثير من القمة العربية المرتقبة في الرياض، خاصة بعد التباين في المواقف المعلنة، وذلك لأكثر من سبب.

 

أولاً لأن نتيجة موقف أي دولة أو طرف من هذا الصراع والحرب الدائرة الآن في غزة، تتوقف على ماذا يملك هذا الطرف من أوراق ضاغطة، يمكن أن تؤثر على إسرائيل والدول الداعمة لها في الغرب.

 

ثانياً إذا كانت الدول العربية تملك هذه الأوراق، فهل هي تريد حقاً استخدامها، للضغط على أمريكا وإسرائيل؟؟

 

وإذا رغبت باستخدام هذه الأوراق، فهل هي قادرة فعلاً على استخدامها؟

 

أم أن هناك قيود ومصالح تمنعها من فعل ذلك؟؟؟

 

ثالثًا إن بعض الدول العربية لديها موقف مبدأي من حماس باعتبارها حركة اخوان مسلمين، ولذلك ترفض المشاركة في أي دعم مادي، قد يؤدي إلى تقوية حماس.

 

رابعاً هناك عدم الاتفاق العربي على كيفية توصيف المقاومة الفلسطينية في البيان الختامي للقمة.

 

خامساً عدم الاتفاق على الطروحات الإسرائيلية الأميركية، ومقترح تمويلها خليجياً، بشأن مستقبل قطاع غزة وسكانه، سواء عبر مخطط التهجير إلى شمال سيناء، أو فكرة وجود قوات دولية تحت إدارة أممية، على الحدود بين مصر وغزة عقب انتهاء الحرب، وما زالت مصر والأردن يعارضان هذا الطرح، فيما تُبدي دول عربية أخرى مرونة بشأنه، واستعداداً لتمويله.

 

في قراءة موضوعية لواقع الحال، يمكن القول “أن مواقف الدول العربية من تدمير غزة ما تزال مأزومةً ومهزومة” وفق ما قاله مساعد وزير الخارجية المصري محمد مرسي.

 

ونجد أنه منذ بداية الحرب في ٧ اكتوبر الماضي، كان موقف الدول العربية غير حاسم، وهذا ما عبر عنه بيان وزراء الخارجية العرب من القاهرة، والذي تحفّظت عليه أكثر من دولة عربية، ولم يدِن بشكل واضح الإرهاب الإسرائيلي، بل قفز فوق موضوع استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وعدم تطبيق إسرائيل لقرارات الشرعية الدولية، إلى ما يشبه استرضاء أمريكا وإسرائيل، بتضمين البيان عبارة إدانة قتل المستوطنين والتحدث رهائن إسرائيليين لدى حماس.

 

ولم يذكر البيان العربي، أن إسرائيل تعتقل الفلسطينيين بشكل تعسفي يومياً، وتزج بهم في السجون دون أي محاكمات عادلة، وتنتهك كل المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين، وهذا ما اعتُبره كثير من المراقبين، أنه شكّل مساواة من قبل العرب، بين الضحية والجلاد.

 

هذا في الوقت الذي تأخذ فيه إسرائيل، كل الفلسطينيين، وخاصة سكان غزة، رهائن لديها، تستبيح دمهم وبيوتهم وأملاكهم كل يوم، وتعتقل عائلات المقاومين، وتمارس عمليات ضغط وابتزاز على المقاتلين لتسليم أنفسهم، وذلك في انتهاك صارخ لكل القوانين والأعراف الدولية.

 

من ناحية أُخرى فإن العرب نعم يملكون عدة أوراق ضاغطة على أمريكا وإسرائيل، بدءاً من النفط، إلى عمليات استيراد البضائع والأسلحة، ومعاهدات التطبيع، والعلاقات الدبلوماسية، وصولاً إلى إمكانية إمداد المقاومة الفلسطينية بالسلاح والعتاد والمال، و إلى الجيوش العربية الجرارة وترسانات أسلحة بمليارات الدولارات، وإمكانية الدخول المباشر في الحرب.

 

لكن كل هذه الأوراق، يبدو أن العرب غير راغبين في استخدامها، بل هم غير قادرين على استخدامها، لأنهم مكبلون باتفاقية تعاون ثنائية مع أمريكا وإسرائيل، وهم أسقطوا راية الصراع العربي الإسرائيلي منذ زمن، واستبدلوه بالعداء لبعضهم البعض أو لإيران، وهم اليوم يبحثون عن مصالحهم أولاً، ولا يريدون التورّط في مشاكل مع أمريكا وإسرائيل.

 

وأكثر من ذلك، فإن بعض القادة العرب يخشى من عواقب أي سلوك أو خطوة قد تُغضب أمريكا وإسرائيل، لأنه يعلم أن لديهم القدرة على خلق الفوضى في أي بلد عربي، وتقويض استقراره، وحتى قلب الحكم فيه، وهذا ما حصل في العراق، وليبيا ،والسودان، وسوريا، وغيرها من الدول العربية.

 

وربما السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا انتظر العرب شهراً حتى طلبوا عقد اجتماع قمة عربية، في حين رأينا أنه منذ الأيام الأولى لحرب غزة، زار إسرائيل، وعلى جناح السرعة، عدة قادة غربيين، بدءاً من الرئيس الأمريكي جو بايدن، والفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، والمستشار الألماني أولاف شولتس، وكلهم شدّدوا على دعم إسرائيل، في حربها على الفلسطينين، حتى أن ماكرون طالب بتحالف دولي ضد حماس، ولم يسمع هؤلاء أي انتقاد أو كلمة عتب من قادة العرب.

 

إذا قُدر للقمة أن تنعقد وتمكن القادة العرب من تجاوزوا خلافاتهم، فهم سيخرجون ببيان يؤكد على؛ دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والتأكيد على المبادرة العربية للسلام، ومطالبة إسرائيل بهدنة إنسانية، وطلب وقف اطلاق النار، وفتح معبر رفح لدخول المساعدات الإنسانية، وطبعاً لن ينسوا المطالبة باطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.

 

وربما يعلنون رفضهم مشروع تهجير الفلسطينين إلى سيناء، وعسى أن لا يعيد البعض التذكير بنقلهم إلى صحراء النقب، إفساحاً في المجال أمام إسرائيل، باستكمال تهديم ما تبقى من غزة، أو ربما تحقيق شطحات وزير التراث الاسرائيلي بضرب غزة بقنبلة نووية!!!

 

في الحقيقة لا قيمة لكل عبارات الإنشاء والدعم والاستنكار، ولا حتى الإدانة التي قد يتضمنها البيان العربي المرتقب، فالعبرة فقط هي بالنتائج التي يمكن فرضها على أمريكا وإسرائيل، للعدول عن مشروع تصفية القضية الفلسطينية، ووقف شلال الدم المتدفق في غزة والعودة إلى اتفاقات اوسلو وطاولة المفاوضات.

 

والطرف العربي الوحيد القادر على فعل ذلك، هو صمود المقاومة في غزة، فهي وحدها ستجبر إسرائيل على التنازل، والبحث عن فرص السلام مع الفلسطينين، لأن المستوطنين لم يعد لديهم ثقة، بأن الجيش الإسرائيلي الجرار قادر على حمايتهم، وهم الآن يفكرون في ترك فلسطين، والعودة إلى بلدانهم الأصلية، فإن العيش بسلام بالنسبة لغالبيتهم، أهم بكثير من منزل، وبعض الدولارات، في أرض تمت مصادرتها واغتصابها من أصحابها الأصليين، أهل فلسطين، الذين يفضلون الموت على الرحيل، وهم سيقاتلون مهما كثرت التضحيات، حتى تحرير فلسطين.

 

الخوف الحقيقي بات مما قد تتمخض عنه القمة العربية، من مواقف تسمح لأمريكا وإسرائيل، باستمرار تدمير غزة واستباحة الدم الفلسطيني، وتظهير الانقسامات العربية، حول قضية فلسطين ومقاومة شعبها للاحتلال، بأبشع صورة، وتقضي نهائياً على أي أمل مرتجى، من جامعة الدول العربية، وانعقاد قممها، التي لا تنفع العرب بشيء، بل تُحولها إلى مجرد نادٍ، لتغطية مشاريع أمريكا وإسرائيل في المنطقة والشرق الأوسط.

زر الذهاب إلى الأعلى