خبير لبناني يقرأ مسار الدولار: ما دون المئة وبعد أيار حدثان
النشرة الدولية –
لبنان 24 – نوال الأشقر –
خلال فترة الأعياد في نيسان الماضي شهد مسار الدولار هبوطًا إلى حدود الـ 100 ألف ليرة، بعد أن كان قد قفز إلى عتبة الـ 145 ألف ليرة منتصف آذار الماضي. قيل حينها إنّ سبب هدوء دولار السوق الموازية عائدٌ إلى حركة مغتربين وسيّاح، ضخّت سيولة بالعملة الصعبة، وإنّ الليرة ستشهد انهيارًا كبيرًا بعد انقضاء فترة الأعياد. لكن حصل العكس، لم يستقر الدولار عند حدود الـ 100 ألف فحسب، بل استمرت التراجعات الطفيفة إلى ما دون الـ 95 ألف، وكذلك تراجع دولار منصّة صيرفة من 90 ألف إلى حوالي 86 ألف. ما نشهده من استقرار نسبي للدولار منذ أسابيع عدّة، أتى بمعزل عن أيّ معطى إيجابي على الصعيدين السياسي والمالي، فالتجاذب السياسي يتفاقم ويطيل الفراغ الرئاسي، ووتيرة الملاحقات القضائية بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تتصاعد، والتضخم بلغ مدى جعل البنك الدولي يصنّف لبنان في قائمة الدول الأعلى نسبة تضخم في أسعار الغذاء في العالم. إذن ما أسباب الإستقرار النسبي لسعر الصرف؟ وإلى متى سيبقى السعر عند هذا الحد؟ وهل سيعاود التحليق فوق عتبة الـ 100 ألف مع استحقاق انتهاء ولاية حاكم المركزي؟
راقبوا منصة صيرفة
” فلتبقى عيننا على منصّة صيرفة، لمعرفة اتجاه الدولار على المدى القصير، واستشعار توقيت معاودة صعوده” تجيب أوساط اقتصادية، موضحة الرابط بين حركة الدولار بيعًا على المنصّة يوميًا من جهة، وبورصة الدولار من جهة ثانية، فتقول “طالما مصرف لبنان يضخّ يوميًّا بحدود 80 مليون دولار على المنصّة، معنى ذلك أنّ الدولار سيبقى مستقرًّا نوعًا ما، بحيث لا يتجاوز عتبة الـ 100 ألف، ولكن عندما يُخفض المركزي نسبة الضخ من 80 إلى 60 ومن ثمّ 50 وما دون، فاعلموا أنّ الدولار سيعاود ارتفاعه، أي كلما قلّل المركزي من حجم تدخله في السوق عبر صيرفة يرتفع الدولار، والعكس صحيح”.
هل هناك قرارٌ متخذ لعدم تجاوز الدولار عتبة المئة ألف، في الفترة الفاصلة عن تبلور تسوية سياسية، تقود إلى انتخاب رئيس، كي لا يحقق الدولار خلال هذه المرحلة قفزات جنونيّة، كما حصل منتصف آذار، حين ارتفع إلى حدود 145 ألف؟
الخبير الإقتصادي الدكتور محمود جباعي اشار إلى محاولات لتهدئة الدولار حصلت أكثر من مرّة “منذ ما يقارب السنة ونصف تقريبًا، وذلك خلال الشهر الأول من العام 2022، طُلب من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة العمل لضبط سعر الصرف ومعالجة التدهور . بداية الإنطلاق كانت من خلال التعميم 161، في حينه هبط الدولار من حوالي 35 ألف إلى 19 ألف، أي بنسبة تجاوزت الـ 40%. ما يحصل اليوم شبيه بما حصل في حينه، بحيث تلقّى الحاكم طلبًا سياسيًّا للغاية نفسها، علمًا أنّ المركزي لطالما كان يتدخل خلال الأزمة، ولكن لم يكن هناك وفاق سياسي، فضلًا عن تهريب الدولار إلى الخارج”. يضيف جياعي في حديثه لـ “لبنان 24″ أنّ الأمر نفسه حدث عندما وصل الدولار إلى 145 ألف منتصف آذار الماضي، بحيث تدخل مصرف لبنان، وتمكّن من ضبط السعر. ولكن هذه العمليات تُكبّد المركزي ضخَ الكثير من الأموال عبر منصّة صيرفة بشكل يومي، فضلًا عن ما يقوم به من تغطية حاجات الإستيراد، بما يفوق المليار دولار شهريًّا، وتأمين رواتب القطاع العام بالدولار عبر صيرفة. كلّ هذه الأموال جعلت المركزي يتكبّد خسائر وصلت في آذار الماضي إلى 400 مليون دولار، وارتفعت إلى 600 مليون دولار بتقديري”.
زيادات رواتب القطاع العام ترفع الدولار؟
بنهاية أيار الحالي ستدفع الدولة رواتب القطاع العام وفق الزيادات التي أقرّتها الحكومة، التي تصل إلى حوالي 4 تريليون ليرة، في هذه الحال يقول جباعي، قد يلجأ مصرف لبنان لطباعة العملة لتغطية الفرق، ما يرفع من حجم الكتلة النقدية بالليرة، وهو إجراء من شأنه ان يرفع سعر صرف الدولار، إن لم تكن الدولة قد حصّلت بعد الكمية الكافية من الإيرادات، من هنا هناك تحدٍ كبير أمام المركزي، ولنرى ما إذا كان سيستطيع أن يغطي كلّ هذه النفقات، وهذا محل ترقب، وهناك عامل مساعد، هو قدوم المغتربين والسياح في حزيران المقبل، مما يدخل الدولار إلى البلد.
ماذا لو طال أمد الفراغ الرئاسي، ووصلنا إلى قرب انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من دون تعيين بديل، كيف سينعكس ذلك على اتجاه الدولار، وهل سيعاود التحليق؟
ما نشهده من استقرار نسبي للدولار، فضلًا عن كلفته، هو إجراء مؤقت المفعول، تمكّن حاكم المركزي من تحقيقه، من هنا عقلنة الدولار تتطلب انفراجًا سياسيًّا “يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية يحظى بقبول عربي إقليمي دولي وداخلي. وأيّ تأخير بالحلول السياسية سينعكس سلبًا على المدى المتوسط، لاسيّما أنّنا قادمون على استحقاق حاكمية مصرف لبنان، وهو منصب لا يحتمل الفراغ”.
بخلاصة الأمر، من المرجّح أن يبقى الدولار على استقراره النسبي تحت حاجز المئة ألف ليرة “إلّا إذا حصل تطور قضائي أوروبي حيال الحاكم، في هذه الحال يرتفع الدولار ” تلفت مصادر اقتصادية، ولكن العين على ما بعد حزيران، ومصير حاكمية مصرف لبنان وموقع الرئاسة الأولى، إمّا يهبط الدولار بانتخاب رئيس يعيد لبنان إلى مكانته العربية لاسيّما الخليجية، وتتألف حكومة تبدأ مسار الإصلاحات، وتملأ شخصية موثوقة منصب الحاكميّة، أو تواصل القوى السياسية الداخلية تصلّبها، وننزلق نحو قعر جديد ودولار جديد.