قائد جديد للشرطة في إيران.. أسباب اختيار “المتشدد” وتوقعات بـ”مزيد من القمع”

النشرة الدولية –

الحرة –

جاء قرار المرشد الأعلى لإيران، علي خامنئي، بتعيين قائد جديد للشرطة، ليثير التساؤلات حول هوية القائد الجديد وأسباب اختياره لتولي المنصب، بينما تشهد البلاد احتجاجات مستمرة ومتواصلة، وسط مخاوف من “تصاعد وتيرة القمع” ضد المحتجين.

وذكرت وسائل إعلام رسمية إيرانية أن خامنئي عين، العميد أحمد رضا رادان المنتمي لـ”التيار المتشدد”، قائدا عاما جديدا للشرطة، حسب “رويترز”.

وأعلن خامنئي، السبت، تعيين العميد أحمد رضا رادان، قائدا للشرطة خلفا للعميد، حسين أشتري، الذي يتولى المنصب منذ عام 2015، وفقا لرسالة نشرها الموقع الالكتروني للمرشد.

وحث خامنئي في رسالة للقائد الشرطة الجديد على “تحسين القدرات المؤسسية، وتدريب الشرطة المتخصصة لمختلف الإدارات الأمنية”.

خبير “قمع الاحتجاجات”

هذه ليست المرة الأولى التي يتولي فيها رادان، المولود في عام 1963، منصب قائد الشرطة، وسبق له أن كان في المنصب ذاته، بين 2008 و2014، فيما كان يتولى حاليا الإشراف على مركز الدراسات الاستراتيجية للشرطة، وفقا لـ”فرانس برس”.

يعرف عن رادان تشدده في وضع إجراءات صارمة ضد “النساء اللاتي لا يلتزمن بقانون الحجاب”، وهو من أقوى الداعمين لمشروع “تحسين الأمن الاجتماعي والأخلاقي”، والذي ينظم مسألة اللباس للنساء، وفقا لتقرير لشبكة “راديو أوروبا الحرة“.

بدأ رادان مسيرته العسكرية في “الحرس الثوري”، وفي عام 2008، تولى منصب قائد الشرطة بالإنابة، وأفادت تقارير بتورطه بشكل مباشر في تعذيب المعتقلين في مركز “كهريزاك” في العام ذاته.

وتم تداول اسم رادان بكثرة خلال احتجاجات عام 2009 التي أعقبت إعادة انتخاب الرئيس أحمد نجاد، إذ أعلن مستشار لزعيم المعارضة الإيرانية، مير حسين موسوي، في تقرير لمجلس الشورى أن 69 شخصا قتلوا في أعمال العنف.

ويرتبط اسم رادان بحملة قمع واعتقالات تعسفية لمواطنين إيرانيين في مدينة زاهدان بجنوب شرق إيران، والتي ادعت أنها “اضطرابات طائفية” سببها مجموعة “جند الله” المتمردة.

وتتهم طهران هذه المجموعة التي تطالب بحكم ذاتي أوسع لأقلية البلوش السنية، بانتظام بتنفيذ اعتداءات ضد قوات الأمن.

وخلال فترة تسلمه منصبه كقائد للشرطة سابقا، تعرضت السفارة البريطانية لدى طهران لهجوم من متظاهرين، وسط عدم تدخل قوات الأمن التي كانت موجودة بكثافة أمام السفارة والذين وصفوا بأنهم طلاب من “الباسيج” بينما غطى التلفزيون الرسمي تحركهم مباشرة، بحسب فرانس برس.

وقوة “الباسيج”، التابعة للحرس الثوري الإيراني ذي النفوذ، مسؤولة عن الكثير من الممارسات في حملة القمع بإيران، حسب “رويترز”.

وعرف عن رادان ممارسته لحملة عنيفة ضد الاحتجاجات، وهو ما دفع “وزارة الخزانة الأميركية“، في عام 2010، إلى إدراج اسمه على قائمة العقوبات على خلفية “انتهاكات لحقوق الانسان”.

وفي أبريل 2010، فرض الاتحاد الأوروبي على رادان عقوبات بسبب انتهاكات حقوق الإنسان بقمع حقوق الإيرانيين.

وفي عام 2011، أعادت وزارة “الخارجية الأميركية“، فرض عقوبات، شملت أفرادا، بينهم رادان، ارتكبوا “انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد الشعب الإيراني أو الرقابة وغيرها من الأنشطة الأخرى فيما يتعلق بإيران التي حظرت أو حاسبت أو حدت من ممارسة حرية التعبير أو التجمع من قبل المواطنين الإيرانيين، أو التي تحد من الوصول إلى المطبوعات أو بث وسائل الإعلام.

لماذا الآن؟

يأتي تعيين قائد الشرطة الجديد في الوقت الذي تشهد فيه إيران تظاهرات مستمرة منذ 16 سبتمبر إثر وفاة الشابة الكردية مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاما، بعد ثلاثة أيام على توقيفها بأيدي شرطة الأخلاق لعدم التزامها القواعد الصارمة للباس في الجمهورية الإسلامية.

وتحولت التظاهرات إلى حركة مناهضة لإلزامية الحجاب وللجمهورية الإسلامية، في أكبر تحد للسلطات منذ ثورة 1979 التي أطاحت حكم الشاه.

وردت السلطات بعنف، ما أسفر عن مقتل مئات الأشخاص، وأوقف الآلاف وحكِم على 14 منهم بالإعدام، بينهم عدد كبير بتهمة قتل عناصر أمن أو مهاجمتهم.

وقبل تعيين القائد الجديد، قال الخبير في الشؤون الإيرانية، مهرزاد بوروجردي، لوكالة “فرانس برس”، إن “ثمة شائعات على أن خامنئي انتقد بشدة أداء أشتري”.

وتوقع استبدال أشخاص مثل أشتري “بمتشددين أكثر من أجل تشديد القبضة” على القوى الأمنية.

ويرى المحلل السياسي الإيراني المقيم في لندن، وجدان عبدالرحمن، أن تعيين قائد الشرطة الجديد جاء بعد “فشل حسين أشتري في التعامل مع الاحتجاجات بالداخل الإيراني”.

وفي تصريحات لموقع “الحرة”، يشير إلى خلافات داخل الأجهزة الأمنية الإيرانية نتيجة فشل أشتري في فض الاحتجاجات، حتى وصل الأمر إلى “توبيخ” القائد السابق للشرطة الإيرانية.

وكانت الأجهزة الأمنية الإيرانية ترى أن أشتري “متقاعس” في فض الاحتجاجات بالقوة والعنف المطلوبين، لكن المشكلة “أكبر من ذلك”.

ويتحدث عبدالرحمن عن “مشكلات وتمرد” داخل قوات الشرطة الإيرانية ورفض نسبة كبيرة منهم مواجهة المحتجين بـ”قسوة وعنف”.

ويمتلك رادان خبرة بمنطقتين منفصلتين يمثلان نقطتي الاشتعال حاليا في البلاد، وهما “كردستان” بغرب إيران و”بلوشستان” شرق البلاد، وفقا لحديث عبدالرحمن.

ويشير إلى امتلاك رادان علاقات في المنطقتين يستطيع استغلالهما لـ”تهدئة الاحتجاجات أو قمعها”.

من جانبه يعتبر الباحث السياسي الإيراني المقيم في طهران، سعيد شاوردي، أن تعيين القائد الجديد للشرطة جاء “روتينيا” بعد انتهاء مهمة خلفه أشتري الذي كان قائدا سابقا لفترتين امتدتا لمدة 8 سنوات.

وفي تصريحات لموقع “الحرة”، يقول إن أشتري كان “ناجحا”، مستشهدا برسالة الثناء التي وجهها له خامنئي في نهاية مهمته خلال الأيام الأخيرة.

ويشير شاوردي إلى أسباب رئيسية لاختيار رادان في المنصب الجديد، وعلى رأسها “امتلاكه خبرة عسكرية وأمنية طويلة تمتد لعقود، ومعرفته بقضايا الأمن لأنه كان من القيادات العليا في شرطة طهران في السنوات السابقة، وكونه أحد قوات الحرس الثوري في بداية عمله”.

انقسام داخلي؟

ينقسم النظام في إيران حول طريقة الرد على الاحتجاجات غير المسبوقة المتواصلة منذ أشهر ويتأرجح ذلك بين القمع وبادرات التهدئة، وفقا لما ذكره محللون لـ”فرانس برس”.

وفي مطلع ديسمبر، أعلن المدعي العام الإيراني، محمد جعفر منتظري “حل” شرطة الأخلاق، لكن أي جهة رسمية أخرى لم تؤكد ذلك.

ويعكس هذا الإعلان الجدل الداخلي ويظهر أن “جزءا واحدا على الأقل من النظام” يؤيد انتهاج طريقة أقل صرامة لفرض قواعد اللباس، حسب “فرانس برس”.

ويشير عبدالرحمن إلى “انقسامات عميقة وواضحة” داخل المؤسسات الدينية والأمنية والعسكرية في إيران، نتيجة الاحتجاجات المتواصلة التي تشهدها البلاد.

ويريد التيار الأكبر “عدم قمع المحتجين” لكن المقربين من المرشد يعتقدون أن “العنف والقمع” السبيل الوحيد لوقف الاحتجاجات المستمرة، حسب حديث عبدالرحمن.

ويؤكد أن “الاحتجاجات باتت تستهدف رأس النظام وتطالب بإسقاط حكم المرشد، ولذلك تحاول دائرته المقربة وقفها بأي ثمن”.

لكن شاوردي يستبعد وجود “انقسامات داخلية”، ويقول إن فئة كبيرة من القيادات العليا في البلاد تعتقد أن كل ما حصل خلال الفترة الماضية بسبب “مخططات خارجية”.

وحسب حديثه فإن البعض شارك في الاحتجاجات بسبب تحمسهم والتغرير بهم من الخارج، ويجب التعامل معهم “برحمة وشفقة”.

لكنه يقول أيضا “هناك فئة صغيرة تعتقد أن أي شخص يشارك في أعمال الشغب فهو يتعاون مع أعداء أجانب لإيران على حساب الأمن والمصالح العليا للبلاد وينبغي محاكمتهم وفق القانون دون أي تسامح”.

وهناك من يعتقد أيضا أن بعض الحكومات السابقة خاصة حكومة حسن روحاني لم تعمل بمسؤولياتها كما ينبغي، ما ساهم في تدهور الوضع الاقتصادي بالبلاد، ودفع فئة من الإيرانيين للمشاركة في “أعمال الشغب”، نتيجة الشعور بالإحباط والضغوط الاقتصادية، وفقا لحديث شاوردي.

وتولي حسن روحاني منصب رئيس إيران في الفترة من 2013 إلى 2021.

ويقول شاوردي “يوجد في كلا المعسكرين الإصلاحي والمحافظ من يعتقد أنه ينبغي التعامل مع الأحداث التي شهدتها البلاد خلال الشهور الثلاثة الماضية بالتسامح والابتعاد عن أي نوع من التشدد”.

الصقور ضد الحمائم؟

يرى مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة دنفر الأميركية، نادر هاشمي، أن “الرسائل المتضاربة التي نتلقاها من النظام الإيراني تشير إلى جدل داخلي حول طريقة التعامل مع الاحتجاجات المستمرة”.

ويضيف لفرانس برس “في معظم الأنظمة الاستبدادية، هناك صقور وحمائم” تختلف حول مدى القمع أثناء الأزمات.

لكن شاوردي يرى أن “رادان سيكون بعيدا عن أي لعبة سياسية أو أي اصطفاف حزبي وسيقوم بمهامه وفق القانون ولا يخضع لأي رغبات من الإصلاحيين أو المحافظين”.

ويشير إلى أن “رادان سيتعامل أيضا مع قضية الحجاب وفق القوانين السارية في البلاد والتي مصدرها الشريعة الإسلامية والبرلمان الإيراني”.

ولا تظهر السلطات مؤشرات كثيرة على تقديم تنازلات للمحتجين، وذكرت “وكالة فارس الإخبارية” أن الشرطة الإيرانية تطلق حملة جديدة لفرض الحجاب الإلزامي، وفقا لـ”فرانس برس”.

ولذلك يؤكد عبدالرحمن، أن النظام الإيراني قد استبدل “صقرا بآخر”، ويقول “أشتري من أكثر الصقور تشددا وأحمد رادان يتبع نفس النهج تقريبا”.

وبدأ كل من أشتري ورادان مسيرته العسكرية في “الحرس الثوري”.

ويشير عبدالرحمن إلى “ولاء” عدد كبير من القيادات الأمنية والعناصر الشرطية لـ”حسين أشتري”، متوقعا “رفضهم أوامر رادان وتمردهم عليه”.

وقد يستدعى ذلك التدخل المباشر لـ”الحرس الثوري” بهدف قمع الاحتجاجات بكل “قسوة وعنف”، وفقا لعبدالرحمن.

لكن شاوردي “لا يعتقد” أن رادان سيعتمد “آلية القمع” لمواجهة الاحتجاجات.

ويقول “بالعكس سيكون هناك تعاون وثيق بين الشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى ومن بينها استخبارات الحرس الثوري لكشف أي مؤامرات يمكن أن تستهدف الأمن في البلاد”، على حد تعبيره.

وحسب حديثه ففي حال نجاح هذا “التعاون الوثيق بين الأجهزة الأمنية ومن بينها الشرطة عندها ستنخفض المخاطر الأمنية في البلاد”.

مزيد من القمع؟

يعتبر مسؤولون إيرانيون أن جزءا كبيرا من الاحتجاجات “أعمال شغب” يقف خلفها “أعداء” الجمهورية الإسلامية.

وترى إيران، التي اتهمت خصومها الأجانب بتأجيج الاضطرابات، أن قمعها للاحتجاجات هدفه “الحفاظ على السيادة الوطنية”، وفقا لـ”رويترز”.

ويتحدث شاوردي عن “مخطط أمني خطير” تحاول دول أجنبية تنفيذه داخل البلاد بـ”إثارة الشارع” للضغط على الحكومة وإرهاق قوات الأمن واستنزافها من خلال إطالة ما يصفه بـ”أحداث الشغب” على عكس ما كان يحدث في السابق بحيث كانت تنتهي هذه الأعمال خلال فترة وجيزة عادة لا تتجاوز عدة أيام.

ويقول إن “تلك المحاولات لا تختصر فقط على إثارة أعمال شغب في داخل المدن الكبيرة والعاصمة بل هناك محاولات لاستهداف أمن الحدود الجنوب الشرقية، وكذلك الغربية الملاصقة للدولة العراقية وبالتحديد مع إقليم كردستان العراق”.

وحسب حديثه فإن ذلك المخطط يهدف إلى “إدخال السلاح والمتفجرات إلى داخل البلاد”

وتقصف طهران إقليم كردستان، مستهدفة المعارضة الكردية الإيرانية التي تتهمها بأنها المحرك للتظاهرات التي اندلعت إثر وفاة مهسا أميني، وفقا لـ”فرانس برس”.

ويشير شاوردي إلى أن سقوط عدد كبير من القتلى خلال الاحتجاجات بينهم مواطنين وأفراد من قوى الشرطة بعد مهاجمتهم وإطلاق النار عليهم من خلال ما يسميه بـ”عناصر مدسوسة”.

ويرى شاوردي أن “الأحداث الأمنية الخطيرة” التي شهدتها إيران تجعلها بحاجة ماسة الى “قائد شرطة قوي” يستطيع التعامل مع الموقف وفق المصلحة العليا للأمن القومي لإفشال “المخططات” التي تحاك في الخارج لهز البلاد أمنيا، وعدم إثارة انزعاج الشارع في الداخل، على حد قوله.

ويقول شاوردي “تم اختيار رادان لهذه المهمة الحساسة نظرا لأدائه الناجح أمنيا خلال الفترة السابقة”.

لكن عبدالرحمن يتوقع “المزيد من القمع” نتيجة ضغط الشارع على النظام الإيراني، ويقول إن “الحفاظ على النظام الحالي أهم شيء لدى المرشد ودائرته المقربة”.

ويتحدث عبدالرحمن عن ” العنف المفرط الذي يلجأ إليه أركان النظام الإيراني” في مواجهة الاحتجاجات الشعبية، مستشهدا بعمليات الإعدام المتعاقبة التي لجأ إليها النظام الإيراني لـ”إرهاب المحتجين”.

والاثنين، أعلنت السلطة القضائية الإيرانية، إصدار أحكام إعدام بحق ثلاثة أشخاص لضلوعهم في قتل عناصر من قوات الأمن وسط البلاد على هامش الاحتجاجات التي أعقبت وفاة الشابة مهسا أميني.

وترفع الأحكام الجديدة التي “لا تزال ابتدائية وقابلة للاستئناف”، إجمالي عدد أحكام العقوبة القصوى الصادرة في قضايا متصلة بالاحتجاجات إلى 17، تم تنفيذ أربعة منها، بينما صادقت المحكمة العليا على حكمين آخرين، وفقا لـ”فرانس برس”.

ونفذت السلطات الإيرانية، السبت، حكم الإعدام برجلين بتهمة قتل عنصر أمن أثناء الاحتجاجات غير المسبوقة.

وعلى خلفية الاحتجاجات الأخيرة تم إعدام 4 أشخاص، إذ أُعدم رجلان في ديسمبر ما أثار غضبا دوليا وفرض عقوبات غربية جديدة على إيران.

تصعيد أم تهدئة؟

يستبعد شاوردي “سيناريو التصعيد المتزايد في الشارع الإيراني”، ويقول إن “الأوضاع في البلاد ستهدأ الى حد كبير خاصة إذا نجحت الحكومة الحالية في تحسين الظروف المعيشية للمواطنين والتخفيف من معاناتهم الاقتصادية”.

لكن عبدالرحمن يؤكد أن “التصعيد قادم لا محالة”، بسبب “تغول النظام الإيراني” في ممارسة القمع والعنف وإعدام المحتجين.

ويطالب عبدالرحمن المجتمع الدولي بتقديم المزيد من الدعم لـ”الحراك في الداخل الإيراني” بهدف التخلص من النظام “القمعي” القائم، على حد تعبيره.

وسيكون دعم “المحتجين” السبيل الأمثل لوقف “تجاوزات النظام” داخل إيران وخارجها، وفقا لتعبير عبدالرحمن.

 

Back to top button