رسالة إلى الظالمين المحبطين للآمال، وإلى الصالحين المنقذين للأحلام
بقلم: د. دانييلا القرعان
النشرة الدولية –
من منّا ومنكم لا يمتلك آمالاً وأمنياتً ورغباتً نائمة يتمنى أن تستيقظ ذات يوم من سباتها العميق، ويأمل أن تتحول لحقيقة لا الخيال بدلاً من أن تبقى حبراً على الورق؟،
من منّا ومنكم لا يمتلك أحلاماً مدفونة في داخله، أماتها الزمان بقسوته، فيحاول تارةً أن يخفيها عن الآخرين لأنها أحلام حزينة فارقت الحياة قبل أن تعيش، ويحاول تارةً جاهداً إحياء بعضها لتنبض من جديد، وكأن الأمل هنا مولود جديد جاء لهذا العالم دون أن يعلم شيئاً عن قسوة وظلم أحلامه، فيكبر هذا الأمل “المولود” ويتجاوز بقدر ما يستطيع من عقبات ستظل تواجهه حتماً في رحلة حياته المؤقتة.
من منّا ومنكم لم يبكي بسبب أمنية ضاعت منه في زحام الطريق دون أن تتحقق بسبب بعض المحبطين، أو بسبب حلم ضاع وبقي في رف النسيان حتى أصبح ذكرى تنهش في عقله وفؤاده وجسده، فجعلت منه إنساناً بلا روح منتظراً يومه الأخير الذي سيرقد فيه إلى الأبد.
من منّا ومنكم لم يخسر تلك الفرصة، الأشبه بالفرصة الأخيرة التي طالما انتظرها كثيراً بشغف وحب، وبتنهيدة تلحق تنهيدة أخرى.
من منّا ومنكم قيلت له عبارة “يوم لك ويوم عليك”، رغم أن الأيام جميعها هي علينا، هل لأننا نملك قلباً يشبه قلب طير أو قلب طفل بريئ طيب يتمنى الخير لنفسه والأخرين على حد سواء؟، أم لأننا أصبحنا في زمن لا يكترث به أصحاب القلوب البسيطة الذين يمتلكون أحلاماً وردية كأحلام الفراشات الرقيقة التي تتمنى التحليق بسلام دون أن يؤذيها أحد المارة”، بربكم؟ اليس الزمن الذي نحن فيه هو زمن القهر والقوة والجبروت والقسوة والمصالح الذاتية وزمن الظلم والظالمين؟ اليس هو زمن أولئك الذين سرقوا أحلامنا وجعلونا كالرماد؟ اليس هذا الزمن هو زماننا جميعاً ويفترض أن فيه الخيّر والشرير، وفيه السفاح والصالح؟.
إلى أصحاب القلوب المؤمنة الصابرة والطيبة كطيبة الزمن الذي كما يبدو انتهى ولن يعود بعد أن عاش فيه أناس لا يتكررون، أناس تنعموا بالخير والبركة والحب حتى تيقنوا بأحزانهم قبل أفراحهم أن الله عز وجل هو القادر الوحي على قلب الأمور رأساً على عقب، وأنه المبدل للأحوال برمشة عين، نعم، ما بين رمشة عين وأخرى يمكن أن يغيرنا الله من حالٍ إلى حال.
إلى أولئك الذين انتمي لطائفتهم، كم تمنيت أني لو عشت في زمانكم القديم، زمان الأباء والأجداد ممن أرواحهم تحلّق الأن في دار الحق، زمانكم بدا كأنه قطعة من الجنة على الأرض، فكنتم تحبون وتساعدون بعضكم البعض، تتسامرون وتفرحون لفرح أحدكم كأنكم جميعاً عرساناً في يوم فرحه، وتحزنون لحزن أو موت أحدكم كأن المكان كله قد أعلن الحداد والسواد، فيا ليتني عشت في زمانكم وكبرت وترعرعت وتعلمت وبكيت وحزنت وفرحت ومت معكم، يا ليت لم يكن لي نصيب العيش في هذا الزمان، فلربما كنت إلى جنة الله أقرب.
الى أصحاب القلوب المتحجرة المتمردة على خالقها الخالية من الضمير والإحساس، وإلى الظالمين المحبطين للآمال المجرمين الذين يقتلون الاحلام البريئة، والى المستبدين المستعبدين الذين يذلّون الآخرين ببطشهم وقوتهم ونفوذهم، أقول لا سامحكم الله ولا عفا عنكم ولا تجاوز عن سيئاتكم، وليذقكم الله كل ما أذقتموه لكل انسان طيب حنون مسالم، ستجنون يوماً وقود وجمر أفعالكم، ستنقلب أحوالكم وتموت أحلامكم وأمنياتكم وآمالكم، وسيأتي الله بقوم لا يشبهونكم ليعملوا على إطفاء ما جنيتموه بظلمكم وكذبكم وقهركم، فالله سيضربكم بالوقت المناسب، كضرب الظالمين بالظالمين، هي مسألة وقت، وستشفى جراح الطيبين، ومهما بقى ظلمكم فستنالكم قوة الله وانتقامه وجبروته، يكفي أن لكم عذاب الدنيا وعذاب الضمير وعذاب الآخرة.
إلى أصحاب القلوب الذين يشبهون قلبي الذي ينتمي لهم، والذين أماتهم الظالمون في الدنيا واطفأوا آمالهم وأحلامهم، والذين أرواحهم نقية كنقاء الماء الذي خرج من فم الأرض، والذين خذلوا ممن كانت رفقتهم حسنة في ظاهرهم خبيثة في نواياهم، أقول اطمئنوا، إن رب العباد القاهر عباده بالموت، قادر على إحياء قلوبكم وآمالكم كأنها لم تتآذى يوماً، وقادر على إنعاش أرواحكم بعد غيبوبتها الطويلة وخيباتكم المتلاحقة التي كانت تسابق الزمن لكثرتها، وقادر على زرع الأمل فيكم للبدء من جديد، لا أحد يدوم، لأن الله هو الدائم، وكذلك حزنكم وفشلكم هما لن يدوما، وسيأتي ذاك الصباح المحمل بالبشائر، فلتبقى أحلامكم وأمنياتكم وآمالكم جاهزة حتى يحين دورها في النضج وتمام الوصول، وعليكم بالإيمان بالله وأنفسكم يأنه القادر سبحانه على تبديل الهموم إلى فرج، الأحزان إلى سعادة، الاحلام إلى حقيقة، الآمال إلى مستقبل مضيئ، والامنيات إلى حب تسعدون وتتجاوزن به كل عقبة قادمة بقلب راضي بخالقه بإرادتكم الصلبة القوية التي ستظل تحتفظ بالطيبة والخير ومحبة الناس في زمن فيه الكثير من الفاسقين الفاسدين المفسدين في الأرض. دمتم برعاية وعناية الله، والله الموفق.