“كازي روز”.. كوميديا سوداء من قلب الوجع السوري

فيلم سوري يحلل الأوضاع بكثير من الفكاهة على شاكلة "الإرهاب والكباب"

النشرة الدولية –

العرب  – حنان مبروك –

أمطرتنا السينما السورية خلال العشرية الماضية بوابل من أفلام الحرب، التي تأتينا كئيبة، حزينة وموجعة، لتنقل لنا معاناة السوريين داخل وخارج بلدهم الذي لا يزال يعاني من تداعيات الصراع وآثاره الاقتصادية، لكن العام الجديد حمل لنا منذ بدايته فيلم “كازي روز” الكوميدي. صحيح أنه لا يبتعد كثيرا في موضوعه عن الأزمة السورية إلا أنه يقدمها بطرح سينمائي جديد يخفف من حدة الألم ويتناول المأساة من بعد آخر.

يعرف الجمهور العربي والتونسي الفنان السوري وائل رمضان من خلال مشاركاته في العديد من الإنتاجات الدرامية التلفزيونية وربما بعض الأفلام والمسرحيات السورية التي عمل فيها في بداياته، لكنه هذا العام اكتشفه مخرجا سينمائيا حيث عرض مؤخرا فيلمه “كازي روز” للمرة الأولى أمام جمهور الفن السابع في تونس.

ويقول منتجو الفيلم إن أحداثه “تدور في إطار تراجيدي، حول أشخاص من مختلف الفئات الاجتماعية في سوريا، تشاء الأقدار أن يتعرضوا في إحدى الليالي داخل مطعم إلى حدث استثنائي يكشف عن الوجوه الحقيقية لكافة الشخصيات”. ويعيش أبطال الفيلم، الذي يدوم عرضه نحو ساعة ونصف الساعة، صراعات نفسية متضاربة تتمثل أساسا في الخوف والنفور ثم التقارب والتعاون.

موضوع مقتبس

أبطال الفيلم الذي يدوم ساعة ونصف الساعة يعيشون صراعات نفسية متضاربة تتمثل أساسا في الخوف والنفور ثم التقارب والتعاون أبطال الفيلم الذي يدوم ساعة ونصف الساعة يعيشون صراعات نفسية متضاربة تتمثل أساسا في الخوف والنفور ثم التقارب والتعاون

يأتي الفيلم كما يوحي بذلك اسمه “كازي روز” داخل فضاء مكاني وحيد، مع بعض الأمكنة الخارجية التي تحملنا إليها كاميرا المخرج في زيارة خاطفة. هذا المكان، هو المساحة الضيقة للأحداث المكثفة، مساحة عادة ما تجعل الرهان كبيرا أمام المخرج كي يستطيع من خلالها شد انتباه المتفرج وضمان عدم نفوره أو ملله.

وفي مثل هذه الأنواع من الأفلام يكون الدور الأهم للممثل والكاميرا، بينما يكون الحوار “سيّد” العمل. ومن هذه العناصر الثلاثة يستطيع أي مشاهد إدراك مدى قدرة المخرج وتمكنه من أدواته، خاصة إن كان هو الآخر مشاركا في كتابة السيناريو كما هو حال رمضان في الفيلم الذي نحن بصدد قراءته.

وكل تلك العناصر بالتأكيد تحتاج إلى مخرج قادر على أن يحسن توظيفها توظيفا جيدا وفعالا. وهو ما يمكن القول إن رمضان نجح فيه.

في “كازي روز” نتعرف إلى شخصيات متنوعة منها العاملون في الملهى، وبنات الهوى ومحدثو النعمة، وذوو السلطة والنفوذ، والمؤثرون السخيفون في مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى من حملتهم الصدفة إلى هناك، فوجدوا أنفسهم جميعا أمام حادثة خطف غير مخطط لها، حملتهم مسؤولية وطن بأكمله.

ويصطدم عامل التنظيف في الملهى (وائل رمضان) مع أحد أبناء المسؤولين (سليمان رزق)، وجراء هذا الصدام يختطف عامل التنظيفات مسدسا من مرافق المسؤول (غسان عزب) ويشهره في وجهه، مما يضطر مدير الملهى إلى طلب النجدة من قوات الأمن التي تحاصر المكان، بعد اكتشاف أن أحد الأشخاص الموجودين في الملهى حين وقوع الحادثة، موظف رفيع في الأمم المتحدة.

وتتجند قوات أمن الدولة لتحرير الرهائن ظنا منها أن الموظف الأممي قد تم اختطافه على يد عصابة إرهابية، مما يعقد الأمور، ويدفع بها نحو اعتبار هذا الحادث تحت طائلة الإرهاب الدولي.

ويبدو عامل التنظيف سميح (وائل رمضان) رجلا مسكينا غبيا، حتى وهو يشهر مسدسه أمام رواد الملهى ليلتزمو بأوامره، يساعده في ذلك عاملتان في الملهى.

وإن كان الفيلم بدأ بطيئا ورتيبا بعض الشيء، إلا أنه سرعان ما يدخل في نسق سريع، بحوارات متشنجة وهزلية، تكشف فيها كل شخصية عن حقيقتها، واقعها وآلامها، إلى أن يبدأ الأمن في مفاوضتهم لإطلاق سراح الموظف الأممي. هنا، تأتي طلبات العصابة غريبة ومضحكة، إنهم يطلبون “الكنافة” والخبز والدواء والماء والغاز والكهرباء لهم ولعموم السوريين، يطلبون معالجة مرضى السرطان، وكلها مطالب انطلقت من مشكلاتهم الذاتية نحو مشكلات مشتركة يعاني منها السوريون منذ اندلاع الحرب عام 2011.

هذا الطابع الاجتماعي الكوميدي الذي اختاره رمضان لفيلمه، جاء بمثابة كوميديا سوداء، تضع إصبعها على العلة دون أن تقدم مقاربة واضحة تحلل الأبعاد السياسية والاقتصادية لما آلت إليه الأوضاع في سوريا، وإنما تكتفي بالقول “نحن هنا وهذا ما نعانيه، عليكم الانتباه إلينا وسماع أصواتنا، ووضع حد لما نحن فيه”، وإن كان الحوار مر سريعا على عقوبات قيصر المفروضة على نظام بشار الأسد وآثارها على الاقتصاد السوري، ومر أسرع على مسألة فقدان الثقة العميق بين المواطن السوري ورجال السلطة، ومر أيضا على تنكر الدول الشقيقة لسوريا وانشغالها عما يعانيه السوريون، كما حضرت مسألة اللاجئين بشكل خاطف.

 

GG

ويذكّرنا الفيلم السوري بالفيلم المصري “الإرهاب والكباب” الذي عرض في العام 1992، وهو متاح على مواقع الإنترنت إلى الآن، والفيلم من بطولة عادل إمام ويسرا وكمال الشناوي، ومن تأليف وحيد حامد ومن إخراج شريف عرفة.

وتدور أحداث “الإرهاب والكباب” بمجمع التحرير، حيث يتوجه أحمد (عادل إمام) لنقل طفليه من مدرسة إلى أخرى. ويصطدم هناك بعقبات الروتين، وتتطور الأحداث ليجد نفسه فجأة يحمل سلاحا مشهرا وسط المواطنين، يتخذ بعض الرهائن وينضم إليه بعض الموجودين وسرعان ما تأتي قوات الشرطة لتحاصر المكان، وتتم المفاوضات بوجود وزير الداخلية الذي يتابع الموقف، ويفاجأ بأن مطالبهم شخصية بحتة، فيأمر الوزير الخاطفين بإطلاق الرهائن وإلا سيهاجم المكان بكل من فيه بما في ذلك الرهائن فيترك أحمد الرهائن ولكنهم يأبون تركه وراءهم ليواجه الموت فيطلبون منه الخروج معهم هو ومن معه كأنهم رهائن وذلك بعد أن شعروا بأن مطلبه كان يمثل مطالبهم جميعا في البحث عن الوطن العادل. ويخرج الجميع من المبنى فتدخل الشرطة لكي لا تجد أحدا عدا العسكري (أشرف عبدالباقي) وملمع الأحذية (أحمد راتب) و كأن المكان لم تكن به عمليه إرهابية منذ لحظات.

والنهاية أيضا، ربما اقتبسها رمضان في فيلمه “كازي روز” حيث يختار الموظف الأممي مغادرة المبنى مع كل الرهائن، حتى الخاطف سميح، ليحملهم معه كلاجئين إلى الولايات المتحدة، ويغادرون الملهى كأبطال يعدون أهاليهم بحياة أفضل ومساعدتهم من بلد المهجر، وحده ابن المسؤول، اختاروا تركه خلفهم ليعاقبوه على تجاوزه الدائم في حقهم.

وينتهي الفيلم بلقطة كوميدية، تظهر فيها سلاف فواخرجي بدور شرطية تقود السيارة التي تقل الموظف الأمني ورواد الملهى لمغادرة سوريا، لتفاجئهم بأن تصاريح المغادرة لم تجهز بعد، في إشارة إلى البيروقراطية والبطء في المعاملات الذي تعاني منه البلاد، مع لافتة كتب عليها “سوريا ادخلوها بحب”.

طرح بسيط

Thumbnail

يشارك في بطولة فيلم “كازي روز” إلى جانب المخرج رمضان الممثلون: بشار إسماعيل، جيني أسبر، ميرنا شلفون، وفاء موصللي، يزن الخليل، أندريه سكاف، جمال العلي، مصطفى المصطفى، وائل زيدان، طارق مرعشلي، رنا العضم، هدى شعراوي، مريم علي، سليمان رزق، فرح خضر، غسان عزب، مازن عباس، أسامة السيد يوسف، حنان اللولو، رضوان القنطار، حمزة رمضان وعلي رمضان، إضافة إلى ضيف الشرف فايز قزق والفنانة سلاف فواخرجي.

وما يعاب على الفيلم أن رمضان الذي اعتبر عمله “كوميديا عائلية” بدا وكأنه فعليا كوميديا عائلية، فهو مخرج وكاتب سيناريو الفيلم وبطله الرئيسي ويشاركه البطولة ابنه الذي لعب دور الموظف الأممي، كما يحضر ابنه الأصغر ضمن الممثلين، وتشاركه أم أولاده كتابة السيناريو والتمثيل.

وقبل حلوله إلى تونس، شارك «كازي روز» في مهرجان “ويكا لوس أنجلس” للأفلام المستقلة في كاليفورنيا بالولايات المتحدة، أين فاز بجائزتي أفضل سيناريو وجائزة لجنة التحكيم الخاصة.

وبالفعل جاء الفيلم بسيناريو محكم، يربط بين أحداثه وحوارات شخصيات بدقة، فلا يشتت انتباه المشاهد وتركيزه وإنما يجعله يغادر صالة العرض وهو ممسك بخيوط الفيلم العريضة والعلاقات المتشابكة بين شخوصه.

وربما يعيب بعض النقاد على الفيلم بساطته في طرح الموضوع وحتى في نهايته، إلا أن معرفتنا بأن الفيلم كوميدي عائلي كما يصفه مخرجه، يوضح الأسلوب السلس والبسيط في الإخراج الذي اعتمده رمضان، والذي انحاز فيه أكثر إلى الاستعراض حيث كانت الموسيقى والرقص والأغاني حاضرة لتخفف أو تعمق من حوارات الشخصيات، التي كانت هي الأخرى في بعض الأحيان، بتلميحات وإشارات وسلوكيات تجعل الفيلم كوميديا بامتياز.

ويذكر أن الفيلم برؤيته النور، يعلن عن عودة القطاع الخاص للإنتاج السينمائي بعد سنوات من الغياب وانحصار الإنتاج في المؤسسة العامة للسينما (حكومية)، حيث ظل الفاعلون في قطاع السينما لعقود يمنعون عروض الأفلام إلا عبر مسلك وحيد يمر بالضرورة عبر المؤسسة، وذلك استنادا إلى قانون يعود إلى العام 1969 تم إلغاؤه في العام 2004.

زر الذهاب إلى الأعلى