حروف وكلمات
بقلم: د.خلود الصالح
النشرة الدولية –
كيف يمكن للعقل أن يستوعب ويستذكر هذا الكم الهائل من حروف الجر المتغيرة بتغير نوع الأماكن من مدن ودول وأماكن تشغل حيز من الفراغ نتردد عليها كل يوم. كيف لنا أن نميز المذكر منها والمؤنث والمبدوء بحرف علة والذي ينفرد بشكله الذي لا يعتاد العقل على تشكيله لصعوبته أحياناً كثيرة.
ولأن الحروف تخلق بينها علاقات داخلية وخارجية لتؤلف كلمات تحمل معنى معين فبالتالي يُجبر العقل على نسخها في الذاكرة وطبعها بشكل أزلي كلما زادت الحاجة إلى استعماله.
تتميز اللغة الفرنسية والحديث يطول في هذا الحقل اللغوي بتنوع حروف الجر والتي تبدو شاقة لدى البعض في استذكارها وحفظها مدة أطول في الذاكرة.
إلا أن التمارين اليومية أجدر بتنظيمها وتسجيلها في محفظة ومدونة مقرونة بمواضيع محدودة كأن تصنف الأماكن الى دول ومرافق. كما تصنف الأشياء الى مؤنث ومذكر، والافعال الى متلازمة ومتعدية.
حينها، يتبرمج العقل على استذكار مفردات معينة في قالب لغوي حي مستلهم من عالمنا الخارجي.
إن من أحد التمارين التي تساعد على حفظ تنوع كلمة” إلى” بالفرنسية هو خلق شارع حقيقي بالفصل وتسمية الاماكن ” المذكرة” في حيز واحد كالمقاهي والسينما والمسرح والمحلات والنوادي والمطاعم والمتاحف. أما ” المؤنثة ” منها ، فلعل بعضها ينفرد بحجمه كالبحر والشاطئ.
تخيل معي بأن ” إلى” التي تستخدم في ” أذهب الى البحر” هي ليست ك ” إلى” التي تستخدم عندما نقول بأننا ذاهبون الى فرنسا او المقهى او الولايات المتحدة أو الفندق. كل ” إلى” تنفرد بصياغتها اللغوية مختلفة ً تماماً عن رفيقاتها.
ومن يا ترى يفرض وجودها في الجملة؟
الفعل. نعم هو من يفرض وجودها .هذا العنصر المهم بالجملة كما يصوره العالم اللغوي Martinet ويسميه le prédicat وهو العنصر الأساسي الذي تستمد منه كل الوحدات اللغوية التي من حوله قوةً ومعنى.
كل ما سبق يحتاج إلى صور ذهنية وتصنيفات عقلية دقيقة تطبعها ذاكرتنا كي يسهل استخدامها.
وفي ذات السياق، يسير بنا عشقنا للفرنسية إلى تثبيت حروف جر أخرى تعني بفعل ” يأتي ” والتي تخرج من رحم ” مِن” لتتنوع وتتشكل بحسب نوع الأماكن السالف ذكرها.
وأخيراً، فكما أن للعملة وجهان، فلوحدة البناء اللغوية وجهان أيضاً أولها شكله والآخر صوته.